الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

وزير الثقافة منتخباً




بقلم : محمد صالح البحر
 
فشل كل وزراء الثقافة الذين أتوا بعد ثورة 25 يناير عن أن يُحدثوا أى تغيير قد يذكره التاريخ لهم فى الثقافة المصرية، ولم يقدروا ـ ولعلهم لم يرغبوا ـ على تحقيق أى قدر من الحراك الثقافى، لا على مستوى المفهوم بحيث تواكب وزارة الثقافة النقلة النوعية التى أحدثتها الثورة فى الوعى المجتمعى المصري، فضلاً عن أن ترتقى به نحو آفاق جديدة ومبتكرة، أو حتى أن تكون دليل الشعب الذى يقوده باتجاه المدنية والحرية، ويفتح له أبواب الحضارة ليتبوأ مكانته المستحقة، ولا على مستوى آليات العمل الثقافى بحيث تحاول الوزارة أن تغير من أدائها الكرنفالى النخبوى نزولاً إلى رجل الشارع الذى قاد عملية التغيير من دونها، ولا أن تدنو منه بخطاب يساعده على تطوير نفسه، ويرشده إلى تقنين ثورته وسكبها فى مسارات عمل حقيقى يساعده على النمو والتقدم، ولا حتى على مستوى النخبة الثقافية، حيث ظلت ذات الأسماء التى ترسم مسار الثقافة المصرية، وتتحكم فى مقدراتها، هى هي، لم تصبها عوامل الثورة لا بالحذف ولا بالإضافة، بل ظلت على حالها منهجاً وعملاً، وبات همها الشاغل أن تزيح رياح التغيير بعيداً عنها، لتظل ثابتة فى مكانها دونما أن تكلف نفسها أى قدر من التطور فى أدائها أو أفكارها، حتى أنه لم يعد غريباً على المجتمع أن يرى التحولات الكاذبة لهذه الرموز عقب الثورة وهى تخلع قناع الدولة المباركية عن وجوهها لترتدى قناع الثورة، ولا أن يرى الآن عودهم الأحمد لارتدائه مرة أخرى، متمثلاً فى دفاعهم المستميت عن كافة السياسات والمكاسب والمكانة التى حصلوا عليها منها.
يكمن السبب الأساسى فى ظنى لهذا الثبات العظيم، والجمود الصنمى المتكلس، فى أن كل الوزراء الذين تولوا أمر الوزارة من بعد هم رجال فاروق حسنى بشكل أو بآخر، تربوا على يديه، وكبروا على عينه، وتعلموا فى مدرسته، وأنه من الطبيعى جداً أن تتواكب ممارساتهم الثقافية مع سياساته التى وطَّنها طوال فترة توليه للوزارة البالغة 23 عاماً، وأن رؤساء الهيئات الثقافية هم رجال الرجال بالتبعية، تم اختيارهم بالتوافق الشخصي، أو الأقدمية الوظيفية التى لا تفيد العمل الثقافى بمقدار شعرة، ولا تحركه بمقدار نصف خطوة، وتساعد على جموده وصنميته، بل وتقهقره فى أحايين كثيرة.
فهل يحق لنا الآن القول بأن أزمة مصر الحقيقية هى أزمة ثقافية لا أزمة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، إن الايمان بهذا السياق يفرض استحقاقاً يجب أن تكون وزارة الثقافة معه ليست كأى وزارة أخرى، وأنه من الواجب أن تمتلك معاييراً إدارية وفنية مختلفة عن بقية القطاع الإدارى للدولة التى نتمناها.
هل يحق لنا الآن، فى ظل نظامنا الجديد الذى يحاول أن يقود الوطن باتجاه المدنية والتحرر، أن نطرح فكرتنا التى تتواكب وهذا التحول الحضارى المنشود، وأن ندعو إلى أن يكون اختيار وزير الثقافة بالانتخاب العام، وليس التعيين، من ضمن المجموعة الفاعلة فى الحياة الثقافية المصرية، ممن يرون فى أنفسهم القدرة على إدارة العمل الثقافى وقيادته نحو تغيير حقيقى يواكب النقلة النوعية الكبيرة للوعى المجتمعى الذى أحدثته الثورة المجيدة، ويرتقى به أيضاً إلى آفاق أكثر رحابة وسعة وشفافية، وأن يكون حق الانتخاب مكفولاً لكافة أعضاء الهيئات الثقافية والفنية الحكومية والعامة والأهلية على مستوى الوطن.
هل تبدو هذه الفكرة / الحلم بعيدة المنال عنا، أن نطرح تغييراً جوهرياً فى آلية اختيار منصب رفيع ومهم ومؤثر كهذا، من الممكن أن يكون بداية حقيقية لتغيير آليات العمل الإدارى الحكومى بأكمله، بما يحقق له الحرية والكفاءة، باعتبار الثقافة هى المعيار الأول للحرية المسئولة، والقائد العظيم للتغيير الحقيقي، والمؤشر الوحيد للارتقاء الحضاري، وأن تكفل هذه الآلية الجديدة قدراً مقبولاً من الرضا عن الوزير القادم، وقدراً قد يكون كبيراً من الأمل فى إحداث تغيير حقيقي، ونقلة خلاقة للثقافة المصرية، تعيد إليها ريادتها المفقودة على مستوى المنطقة العربية والعالم أيضاً.
أليس من حق أصحاب أولى الحضارات الإنسانية التى علمت العالم القديم، أن تضرب لهذا العالم الجديد الذى يتباهى بحضارته، مثالاً يحتذى به.       
روائى وأمين عام مؤتمر أدباء مصر سابقا