الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الحركة الإسلامية فى الجزائر.. أبعاد غائبة (1)




تشكل دراسات الدكتور الطاهر سعود الخبير الجزائرى فى الحركات الإسلامية بعدًا مهمًا لدراسة الحركات الإسلامية فى الجزائر.. ومؤخرًا صدرت له دراسة عن الحركة الإسلامية الجزائرية: إرهاصات النشأة والتشكل وذلك ضمن سلسلة مراصد التى تصدرها وحدة الدراسات المستقبلية فى مكتبة الإسكندرية.
تكشف الدراسة عن جذور الحالة الجزائرية، فالطاهر سعود يرى أن الدولة الجزائرية وجدت نفسها عشية الاستقلال بعد رحيل الإطارات الفرنسية التى كانت تضطلع بتسيير شئون الإدارة والتعليم والاقتصاد أمام مجموعة من الاختيارات الصعبة؛ حيث جندت المثقفين باللغة الفرنسية لتسيير الإدارة والاقتصاد، واستخدمت المثقفين بالعربية لأغراض التوجيه الثقافى والأيديولوجي، فى التعليم وفى مؤسسة الحزب وفى الإعلام. وكان هذا الوضع المفروض بداية لمرحلة صراع حضارى بدأ ينمو بين الثقافة الوطنية والثقافة الأجنبية التى رغم رحيل أصحابها وجدت منافذ أوسع للتمدد والانتشار. بل إن ما لم يتح للثقافة واللغة الفرنسيتين من الانتشار إبان فترة الاستعمار الفرنسى أتيح لهما بعد الاستقلال وفى سنوات قليلة بشكل لافت للانتباه، عن طريق الجهد التكوينى الضخم الذى اضطلعت به الدولة الجزائرية نفسها.
ولأن التعريب طرح ليشمل بالتدريج مختلف مجالات الحياة الاجتماعية، فقد لاقى بعض النجاحات فى مجالات الحياة الاجتماعية، ولاقى بعض النجاحات فى مجال القضاء والتعليم بمرحلتيه الابتدائية والثانوية؛ لأنه كان الفضاء الذى التحقت به النخب المعربة منذ البدايات الأولى للاستقلال، ثم لقى بعض النجاح المحدود فى بعض فروع التعليم الجامعى لاحقًا، وبخاصة فى الفروع الأدبية والإنسانية. إلا أن توسع هذا التعريب فى مجالات الإدارة والاقتصاد والصناعة.. لم يلق النجاح المطلوب لعديد من الأسباب لعل أهمها ما لاقاه من مقاومة عنيفة من لدن العناصر المفرنسة التى تغلغلت فى صفوف هذه القطاعات الحساسة فى مرحلة متقدمة وأصبحت عنصر كبح وتعطيل لكل تقدم يمكن أن يطال هذه المجالات. وقد تعمق نفوذ هذه الفئة لاحقًا، حيث تحولت إلى أكبر جدار يتصدى لعملية التعريب لاعتبارات اجتماعية وثقافية وأيديولوجية رغم القرارات الصادرة من أعلى هرم الدولة.
إن قبول التعريب والتسليم به معناه برأى هذه النخبة التخلى عن الامتيازات والحظوة الاجتماعية التى أهلها للوصول إليها انفتاحها على اللغة الفرنسية، لذلك سوف تنظر لكل توسع فى استخدام اللغة العربية على أنه تهديد لامتيازاتها ونفوذها ومكانتها الاجتماعية.
فى واقع بهذه المواصفات، انطلقت عملية التعريب بدءا من نهاية الستينيات إلى نهاية السبعينيات متسارعة حينًا ومتراجعة حينًا آخر، تبعًا لتوازن واختلال ميزان القوى داخل النظام الجزائرى لصالح هذا الطرف أو ذاك. وبدلاً من أن تقرب هذه المرحلة بين النخبتين وتمزج بينهما فى نخبة جديدة عمقت بينهما الانشقاق الثقافى.
.. ونكمل الخميس المقبل