الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مصر من محمد على إلى السيسى




أحمد محمد جلبى
باحث - معهد البحوث والدراسات الافريقية
الماضى.. هو ما يدعم الحاضر.. وينير المستقبل، فقد تعانق ذكريات الماضى دمعة أو بسمة، لكن الأهم استخلاص الحكمة والعبرة، الأيام هى ورقات تطوى من صفحات التاريخ، فإذا أدرك الإنسان حقيقة الماضى ووعاها، صارت أمور الحاضر أيسر فهماً واستيعاباً، وصار الماضى عونا على استيعاب المحدثات، فمن ليس له ماض، لا حاضر له ولا مستقبل، ومن وعى التاريخ فى صغره.. أضاف عمراً إلى عمره.
وإذا كانت أحوالنا الآن تحيلنا إلى ماضٍ ليس بالبعيد، بحكم التشابه فى مجريات الأحداث، وجب علينا تسليط الضوء على هذا الماضى، الذى هو من تاريخ هذه الأمة، معاً سنقلب فى أوراق هذا التاريخ حتى نصل إلى مقدمات تولى «محمد على» حكم مصر.
16 مارس 1807 هبط الجنرال الإنجليزى ماكنز فريزر  frazer بصحبة الجنرال ووشوب wauchope على شاطئ الإسكندرية بستة آلاف جندى بريطانى ليحتل الإسكندرية فى 21 مارس 1807.
وعلى الرغم من المقاومة الشعبية وفقد بعض الجنود أخذ القنصل أو السفير الإنجليزى يراسل المماليك موضحا لهم أن انجلترا والغرب سيعيدونهم إلى سلطة حكم مصر مرة أخرى، وأنه حان الوقت لتصفية اختيار الشعب لمحمد على لحكم مصر، ثم لم ينتظر الرد، فقد كان هناك مخطط كامل جاهز، فزحف الجنرال ووشوب وميد بقواتهم على مدينة رشيد
ثم فى 21 مارس 1807 قرر محافظ رشيد على السلانيكى ألا ينتظر مدد القاهرة ويعتمد على الشعب ورجاله القليلين في العدد والعدة، وقبل ذلك نصر وفرج الله، فقد فعل مثل طارق بن زياد، أبعد المراكب التى تبحر فى النيل، فلا يفكر أحد فى الهرب، أو إخلاء المدينة، ثم بادر بعمل الحرب (الجبرتى)، فكانت خسائر الإنجليز فادحة فى القتلى والأسرى، ثم هزم الإنجليز فى حماد 21 ابريل قبلى رشيد وتعرضوا للإبادة.
عرض فريزر الاستسلام والانسحاب من الاسكندرية فوقع على ذلك فى 14 سبتمبر وغادر بقواته يوم 19 من نفس الشهر.
مضى أكثر من مئتى عام على انتصار الشعب المصرى في رشيد وبالانتقال للوقت الحاضر إذ تتشابه الأحداث وتتقابل الظروف بطريقة مثيرة للغاية فإنه فى الاثنين 19 اغسطس 2013 جاء فى تقرير مسرب عن وزارة الدفاع الأمريكية يوضح أن باراك أوباما يفكر فى التدخل العسكرى فى مصر، انطلاقا من البحر المتوسط لتغيير الحكومة واعادة الإخوان للحكم تبعا لثلاثة سيناريوهات، الغرابة كانت فى تصور احتلال الساحل الشمالى لمصر بكتيبة قوامها ستة الاف من المارينز علي أن يكون التحرك من صقلية من قواعد حلف الاطلنطى ونقل السفير الامريكى لقيادات الإخوان ان الادارة الامريكية تفكر فى عمل عسكرى ضد الجيش المصرى والتغطية علي ذلك بالترويج لتدخل عسكرى ضد سوريا كتمويه (الأزمة التى نزع فتيلها الرئيس الروسى بوتين) فهل تفكر امريكا في غزو مصر ام هي مرحلة الاعداد للغزو لتكون العبارة الصادمة «الأمريكان قادمون» هى الخطر علي استقلال البلاد.
إن احتلال العراق، وزرع القواعد العسكرية في الخليج العربي، والوصول باليمن إلى ستة اقسام فيدرالية، وتمكين اثيوبيا من التحكم اقليميا بشرق افريقيا والوصول بليبيا إلى مرحلة ثلاث ميداليات تحكم نفسها ذاتيا لا يجعلنا نستبعد الآن فكرة غزو مصر واحتلالها فى المنظور القريب، الذى لا يتعدى زمنيا ثلاثة أعوام قادمة، فملف غزو مصر اصبح فى ادراج المكتب البيضاوى للبيت الأبيض، وسيطلع عليه الرئيس القادم بعد أوباما وقد تروقه الفكرة تماما لكننا لدينا أيضا تقابل غريب لأحداث تاريخية مضت منذ 200 عام تقريبا تعادل ما يحدث الآن وفى السنوات القليلة السابقة بالشكل الذى يكشف عن المستقبل فللتاريخ نظرية فى ذلك الخصوص ونحن على وشك اختيار مصداقيتها.
فالقوة تستخدم فى السياسة سواء على المستوى الدولي والاقليمى ولا تزال (معتقدات هاينز لويس كيسنجر) عن الحرب المحدودة وتنظيم دفع الخطوات العسكرية لتتفق مع الأطر السياسية ويشكل الأساس فى تفكير صناع القرار الاستراتيجى والتنفيذى الأمريكى (Garry wills - kissinger) ثم ذلك التشابه فى الظروف التى أدت إلى اعتلاء محمد على سدة الحكم واقامة دولة بمقايس حديثة وبما أن التاريخ يكرر أحداثه وليس أشخاصه، فإن أحداهم دورات صراع الإنسان لاثبات الوجود على وشك بدء فصولها الآن.
أولا: تشابه ظروف مصر فى الفترة من (1801 إلى 1807) مع (2011 إلى 2014)
تقابل ثورة 25 يناير كحدث حرك ركود المجتمع المصرى، وقلب هرم الطبقات الاجتماعية المستقرة مع انعدام الأمن والكشف عن فساد وقوى كامنة داخلية كانت غير مرصودة في السابق، لأنها تحت السطح، يقابل ذلك الحدث فى حد ذاته الغزو الفرنسى لمصر بقيادة بونابارت وما احدثه من خلل وفراغ ولأن الثورة انتهت وبقيت نتائجها كذلك فإن الحملة رحلت وكان آخر نتائجها رحيل الإنجليز أيضا الذين أجلوا الفرنسيين فى 16 مارس 1803 وفقا لمعاهدة (إميان) التى وقعت 27 مارس 1802 واصطحب الانجليز معهم محمد بك الألفى وخمسة عشر من مماليكه كان الجنرال ستيورات قائد الجيش الانجليزى وقتها قد أيقن أنه يجلو الآن ولكن يمكن أن يعود ويحتل مصر بمساندة المماليك.
لدينا إذن هنا الألفى ويعقوب المعلم اللذان كانا يريدان من انجلترا احتلال مصر الأول لأن جماعته من المماليك كانت تحكم مصر وتريد العودة للحكم والثانى لأن مصالحه وتفكيره الطائفى صور له مصاحبة حملة الفرنسيين العائدة لبلادها لاقناعها بضرورة العودة لاحتلال مصر ولم يكن لديه مانع من الانجليز كلاهما مات فى بحر الستة أعوام الالية لرحلتهم الميمونة لأوروبا وبقى محمد على الذى كان واحداً القوى الأربع التى تصارعت للحكم وبناء مصر الحديثة؟
الفراغ كان موجوداً إذن مثلما حدث فى 2011 / 2012 وبالعودة للتاريخ كان هناك عدد من الولاة قبل تولية محمد على حكم مصر كوال عثمانى، الأول هو خسرو باشا الذى كان اداريا سيئا (1802) لم يتمكن ابدا من تنفيذ قراراته أو امتصاص الغضب الشعبي أو الجيش المعاون له خاصة الفصيلة الالبانية فما كان من قائد الجيش التركي وقتها (مدعوما بالفصيل الأرنئوط).
طاهر باشا ورئيس أركانه محمد على إلا أن طرداه وتولي طاهر باشا مقاليد الأمور بتفويض من العلماء والأعيان فى 6 مايو 1803 وهذا سابق بنحو عامين علي تفويض محمد على (د/عبد الله عزباوى - معركة رشيد - ايداع 4552 / 2009) ثم قتل 26 مايو ولم يلبث حاكما سوى 23 يوما ليأتى على باشا الجزائرلى ويطرد إلى الشام ويقتل فى يناير 1804.
من العرض السابق والعودة إلى أحداث الفترة التي تلت تخلى مبارك عن السلطة وتوليه أكثر من حكومة ووزاء مقاليد الأمور (وزراء لم يلبث بعضهم شهرا فى الوزارة) نجد هناك ذلك التطابق فى الوقت الذى صاحب كلا التاريخين من اضرابات في صفوف الشعب، ولقربنا من أحداث المظاهرات والاعتصامات في مصطفى محمود، ووسط البلد، ومجلس الوزراء ومحمد محمود، والداخلية والاتحادية إلخ، نرى الجبرتى يؤرخ فيقول «1803 سبتمبر - فى أيام النسئ نقص النيل نقصا فاحشا وانحدر من على الأرض، فانزعج الناس، وازدحموا على مشترى الغلال، وزاد سعرها».. إلى أن يقول (وثار الأهالى وانطلقوا إلى الشوارع مرددين الهتافات ضد البرديسى وسبوا المماليك والجنود علناً». (نيقولا الترك، الجبرتى، الرافعى) ثم وصل خورشيد باشا والياً وهو الخامس فى من تقلد الولاية في عامين وجاء الفرمان 30 ابريل 1804 وحاول خورشيد ابعاد محمد على بكل الحيل الممكنة لكن الشعب المصرى كان يرى فى محمد على بطولة وعدلاً ونفاذ بصيرة ويلجأ إلى الشعب وقد اندلعت الثورة مرة أخرى أول مايو 1805 لتطيح فى نهاية الشهر بحكمه ويتولى محمد على الحكم بمباركة شعبية جارفة وحوصر خورشيد حتى جاء فرمان 9 يوليو 18025 بتثبيت رأى الشعب واقصاء المعزول فكان آخر وال عثمانى حكم مصر لصالح الباب العالى.
تأتى فكرة المماليك ونظمهم وولائهم وانتمائهم للوطن الذى اختبر اكثر من مرة وهو نظام من العصور الوسطى لا يدين للدولة بالولاء ولكن لعشيرته ورغم أنه جزء من الشعب فإن تآمره واضح فى تلك المرحلة التاريخية وللغرابة فإننا نرى فصيل «الإخوان الخوارج» مما ينطبق عليهم الطرح السابق، فهل سيكون الحل قتالهم واخضاعهم بالقوة المفرطة التى استخدمها محمد على مع المماليك لادماجهم في مصر الحديثة أو إنهاء وجودهم تماما، أم أن التاريخ لن يستطيع تكرار احداث مذبحة القلعة كون الزمن تغير ولا يمكن أن نجد ظرفا مشابها لتلك الحادثة، خاصة أن اليمين المتطرف الامريكى يجد عونا لتحقيق اهدافه المرحلية فى اليمين المتطرف الإخوانى الذى يدعى مجازاً (إسلامى) وسبق ان استخدم ذلك اليمين من قبل مؤسسات الدولة الأمريكية عهد رونالد ريجان وبوش الأب ليهزم الاتحاد السوفيتى في افغانستان تحت دعاوى الجهاد ضد الشيوعين السوفيت، ونجح الأمر وانفردت الولايات المتحدة بالسيادة العالمية لعقدين متتاليين تقريبا.
واصبحت مشكلاتها الخلاص من تنظيمات القاعدة وحلفائها باعادة توطينهم فى بلادهم العربية والاسلامية بل وتشجيعهم علي محاربة انظمتهم الحاكمة بأى حجة كانت فالضرر قد يصيب حتى حلفاء الولايات المتحدة القدماء ولكن المعادلة هى أنها قد تخسر أشخاصا بل وقد تدمر مجتمعات كاملة الا أنها فى النهاية تكسب الأرض بلا سكان وهو ما يخدم في النهاية سيطرة اسرائيل علي المنطقة بكاملها وتسخير شعوبها لبناء تحالف صهيونى (الحلقة العقائدية العالمية).
وفي إطار هذا التخطيط فإن الولايات المتحدة يساورها القلق من وجود عقبات على الأرض قد تفسد عليها خططها بالكامل احدى هذه العقبات صعود نجم مؤسسة الجيش كلاعب رئيسى في كيان الدولة والمحافظة عليه وسوف نلاحظ أن شعوب المنطقة تمت تصفية جيوشها تماماً واخراجها من المعادلة (العراق، سوريا، ليبيا، اليمن) وجيوش اخرى تم تحييد فاعليتها (إيران، باكستان، تركيا، السعودية، الجزائر) وبقيت مصر خارج السيناريو السابق وقادرة على عكس سيناريو تحييد الفاعلية وهو ما جعل الدبلوماسية الأمريكية تتفادى كل أنواع المواجهات المباشرة وتتحرك بخفاء، محاولة قلب الأوضاع فى الداخل المصرى أولا، ثم تأتى فكرة الغزو العسكرى كمتمم نهائى وذريعة لنصرة طرف الإخوان الخوارج مع دعاوى الشرعية التى يصرون على إبقائها حية إعلاميا لخدمة هذا الغرض بالتحديد.
ثانياً: تسليح المنطقة أو نزع سلاحها:
الغرب هو المورد الأول للسلاح فى العالم وهو أيضا تقريبا من ينزع السلاح عالميا منفردا بل ربما لم تحدث حالة واحدة لنزع السلام بالارغام إلا من الولايات المتحدة وعصابتها الغربية يردد المختصون الغربيون عبارة: سنعقد صفقة فى الوقت المناسب هى حرب تكنولوجية كوسيلة من وسائل الضغط والارغام المناسب لمصر (خلق الوسائل وابتكارها التنصنت  الاعلام الدولى) «بيئة» طاردة لتحرر قرار مصر السيادى وحقها فى الثورة مرة ثانية بعد ازاحة مبارك فكل تغيير هو شر بالنسبة لواشنطن ولا يمكن البدء بالاستقرار والاستفادة ومن هنا فإن الرئيس مرسى كان سيوفر خيار نزع سلاح الجيش المصرى أو تحييده فى معادلات التوازن لو قدر له الاستمرار لعام اضافى آخر ثم يكون على (احكام واشنطن) مهام إكمال الباقى من العمل وهو سر دفع مليارات للجماعة للقيام بمهام تعجز الآلة العسكرية الأمريكية على إيجار مبرر لعملها، فالفرصة السانحة دائما خدامها وكما جاء محمد على من خلفيات الأحداث صعد المشير السيسي مدعوا من مؤسسة الجيش المصرى الذى أدرك الخطر بوعي وصبر فكافح حتى ينقذ البلاد من مصير واضح الانطلاق.
ادعى كارل بوبر فى كتابه بانه لا يمكن أن تقوم نظرية علمية تصلح كأساس للتنبؤ التاريخى لكمن مقولته تلك بذاتها فتحت الباب أمام العلماء والفلاسفة لاثبات أن لا شىء في عالم الإنسان يمكن الادعاء بانه مصادفة (HEDRRNSHAW,CONTE) وقال المؤرخ فون رانكه: أنت مطالب باستخراج الحقيقة من خلال الاحداث الغامضة؟
فالذى يجري فى عقول الناس سابقا لا يمكن أن نخضعه لمقاييس اليوم فهناك أسباب وتوقيتات تحجب دائما عن المتابعين العلة من حدوث ذلك الزمر لكننا الآن ربما لو عكسنا آية الزمن وننظر للماضى بذات العمق محاولين تفسير ما وصلنا إليه فتسارع الأحداث لا يمكننا أن نعيش العصر الذى نتصدى للكتابة عنه موصوفين بالتأمل الهادى لدينا إذن ملكة النقد والتحليل وملكة الربط بين الأحداث المتعددة واستعدادنا لتقبل آراء الغير ووجهات نظرهم الوضوعية لا لغة المشاعر بل لغة الحقائق والتوثيق لدينا تصور أن التاريخ يكرر احداثه في الوقت الحاضر الآن وأن تشابه وتقابل احداث اليوم فى (2013 / 2014) تقابل ما حدث فى مصر منذ أكثر من 200 عام وبديهى أن البدايات المتشابهة تصل بنا إلى نماذج من النهايات المتشابهة المتقابلة.
فهل الحركة هنا حركة أمة بافرادها أم حركة أفراد الزمة بمجتمعهم ومكانهم الاقليمى يدعى (ميترنيخ) ان قدرة الخير على الانتصار تلقائيا محدودة بل وحتى فكرة ساذجة فاستخدام القوة ليس عملاً شريرا فى مجمله؟ ولاننا نرى تصاعد وتيرة العنف والتحريض عليه من اطراف مشبوهة تخدم الغرب وتتآمر على فرص المصريين في البقاء كأمة قومية قوية محاولين تجريدنا من مصادر قوتنا مروجين أن فكرة السلام والاستقرار تتحقق بأن تكون اعزل السلام فإذا لم تصدقهم أوقفوا امدادك به بل وربما فرضوا الحظر أيضا رغم علمهم انه للدفاع فقط عن أمنك ودولتك.
ولذلك فإن التماسك عند مواجهة الاحداث الضخمة مركزا النظر على ما سوف يحدث بعد الغد ولا يسمح بان تكتسحه تسارع الحوادث هى صفات رجل الساعة في مصر الآن.