السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الحركة الإسلامية فى الجزائر.. أبعاد غائبة (2)




كتب: خالد عزب

لقد أثرت عملية التعريب بكيفيات عديدة لتتحول فى مرحلة لاحقة إلى أرضية مهمة من أرضيات التعبئة للحركة الإسلامية الناشئة. وإذا كنا نسلم مع البعض أن عملية التعريب ساعدت على تغذية الحركة الإسلامية أكثر مما ساعدت على ولاتها، حيث إن العلاقة بين التعريب والإسلامية لم تكن علاقة صريحة كليا، فذلك لأن عناصر النخبة الإسلامية الأولى باشرت العمل الإسلامى الحركى كانت فى غالبيتها من المفرنسين، أو ذوى التكوين اللغوى المزدوج، بل حتى الثلاثى (عربى، فرنسى، إنجليزى) ولم تلتحق بها أفواج المعربين إلا فى مرحلة لاحقة عندما توسعت عملية التعريب، وبدأت سياسة ديمقراطية التعليم تؤتى نتائجها الأولى بإتاحتها للشباب من أبناء الفئات الشعبية والوسطى والريفية الالتحاق بالتعليم بكل مراحله خاصة بالتعليم بعد أن كاد  يكون حكرًا فى وقت سابق على الشرائح البرجوازية.
إن نضالية العناصر المعربة ضد الفرنسية هى فى الأصل مشكلة مترتبة على سوق العمل وتوظيف أكثر مما هى مسألة ذات طابع أيديولوجى مثلما يحرص على تأكيده عدد من الباحثين، إلا أنها ستتحول إلى موضوع يخضع للاستخدام والتوظيف الأيديولوجي، وهنا ستدخل الحركة الإسلامية على الخط للاستثمار فى المجال. وإزاء هذا الموضوع نقرأ العديد من التفسيرات؛ ففرنسوا بورغا مثلاً يرى أن الطلبة الذين كانوا يتابعون دراساتهم فى الكليات الناطقة بالعربية ثم وجدوا أنفسهم محرومين من فرص العمل التى تتناسب مع تكوينهم العلمى سوف ينضمون للمطالبة بإعادة تقييم الأصل العربى الإسلامي، لكنهم لم يتخذوا هذا الموقف، برأيه، إلا لأنه يتوافق مع مصالحهم المهنية المباشرة، بمعنى أن هذا التأييد ليس سلوكًا منطلقه القناعة الأيديولوجية بقدر ما هو منحى براجماتى تبرره دوافع المصلحة. أما جمال العبيدى فيقدم تفسيرًا أقرب إلى المناولة السيكولوجية؛ حيث يرى أن المثقفين المعربين وتحت ضغط إبعادهم من مجال النشاط الاقتصادى سيلتحقون بالميدان الأيديولوجى ليستثمروا فيه، فالتمايزات التى يشعر هؤلاء بأنهم ضحاياها تظهر لهم فى البدء أنها تمايزات ثقافية، وينزعون تبعًا لذلك لنوع من التأويل الأيديو - ثقافى للعالم، وإلى البحث عن مصدر هذه التناقضات فى الصراعات الحضارية؛ حيث يصبح علاجها برأيهم مشروطًا بالتحصن الثقافى والعودة إلى الجذور والقيم الأصيلة، وهو ما يدفعهم أخيرًا إلى أحضان الحركات الاجتماعية الإسلامية.
وفى حين يسلك هؤلاء الباحثون هذا المنحى التفسيري، نجد باحثًا آخر هو مايكل ويليس يفسر انجذاب هذه الفئات نحو الحساسية الإسلامية بإرجاعه إلى متغير الأصل الاجتماعي.  حيث يؤكد فى هذا الصدد بأن هناك فئتين اثنتين كانتا أكثر قابلية للتعاطف مع الأنشطة والأفكار الإسلامية وانجذابًا لها، أولى هذه الفئات تتشكل من الطلاب المعربين المتحدرين من العائلات الفقيرة النازحة من الريف إلى المدن الكبرى، وهذه الفئة كعادة أصيلى الريف تعد أكثر محافظة من الناحية الدينية، لذلك يجد المنتمون إليها قابلية أكبر للانجذاب نحو تأويل دينى لأوضاعهم الاجتماعية، وبالتالى الاقتراب أكثر من الحركات الاجتماعية الإسلامية. أما الفئة الثانية فتنتمى إلى طبقات مدنية ميسورة وتتمتع بخلفية ثقافية أفضل، وقد اختار بعض الشباب المنحدرين منها دراسة اللغة العربية والآداب فى الجامعة، وبالتالى أصبحوا هم الآخرون عرضة للبطالة بعد تخرجهم. لكن هذه الفئة بتدربها الفكرى وإدراكها السياسى (تبعًا لخلفيتها الاجتماعية) وشعورها بالإحباط تصبح أكثر قابلية للتجند وراء الأفكار الإسلامية على أساس أن العودة لنوع من النظام الإسلامى - وهو ما تسعى إليه الحركة الإسلامية -سيصب فى مصلحتها التى ضيق عليها نفوذ النخب العلمانية والنخب المفرنسة