الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ننشر رسالة البطريرك إبراهيم إسحاق بمناسبة الصوم المقدس




كتب البطريرك الانبا إبراهيم إسحاق بطريرك الاقباط الكاثوليك رسالة رعوية بمناسبة الصوم الأربعينى المقدس 2014 بعنوان «الصوم والانتصارات الداخلية»  قال فيها مع بداية مسيرة الصوم الأربعينى المقدس. هذه المسيرة تهيئنا للدخول والاشتراك فى سر آلام وموت وقيامة الرب يسوع، وصولًا إلى العنصرة، للانطلاق مع الرسل، بقوة الروح القدس، لنكون شهودًا ليسوع القائم، شهودًا للإيمان والرجاء والمحبة،  نعمل معه لبناء عالم أفضل ..... وإلى نص الرسالة:
يخبرنا القديس متى، بأن يسوع، قبل أن ينطلق للرسالة، اقتاده الروح إلى البرية، فصام أربعين يومًا، وأربعين ليلة، ليستعد لمواجهة المجرب الذى دنا منه وجربه ثلاث تجارب:
 التجربة الأولى فى شهوة الجسد
أمام جوع يسوع، يعرض عليه المجرب أن يحوّل الحجارة إلى خبز ويأكل، بل ويمكنه أن يُشبع الآلاف من البشر الجائعين، من خلال إستخدام قدرته كابن الله. فيرفض يسوع معلنًا أن الله وحده هو مصدر الحياة، وأن الشبع الحقيقى يكمن فى الإصغاء لكلمة الله.
 التجربة الثانية فى الكبرياء وتعظم المعيشة.
 أمام تأهب يسوع للانطلاق للرسالة، ورغبته فى أن يجذب الجميع نحو الأب، يعرض عليه المجرب طريقًا سهلًا ومختصرًا، ذلك بأن يلقى بنفسه من على جناح الهيكل، فينال استحسان وتصفيق الجموع وهم يرون الملائكة تحمله.
 فيرفض يسوع الشعبية المزيفة التى لا تغذى سوى الأنا والكبرياء. بالفعل سيجذب يسوع الجميع ولكن وهو معلق فوق الصليب .
 التجربة الثالثة، فى شهوة العيون
يعرض المجرب على يسوع أن يسجد له، فيترك له كل ممالك العالم. فينتهره يسوع بشدة قائلًا: «اذهب يا شيطان، للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد». إن يسوع سينتزع العالم من بين أنياب الشرير، لكن بالقضاء عليه وعلى مملكته .

 دروس مستقاة من تجارب يسوع

الانتصارات الداخلية
يخبرنا الوحى الإلهى بأن الروح قاد يسوع إلى البرية ليجربه إبليس. وما كان ليسوع لينطلق للرسالة، دون أن يواجه المجرب وينتصر عليه. هذا المجرب موجود فى داخل كلٍّ منا، فالتجربة تنطلق من داخل الإنسان، ولذا فالتغيير الحقيقى يبدأ من الداخل ولكى نصلح العالم علينا أن نبدأ بأنفسنا. فالانتصار الداخلى  يسبق الانتصار الخارجي، والانتصارات الشخصية تسبق الانتصارات العامة.
1- الثقة فى بنوتنا لله
حاول المجرب أن يشكك يسوع فى بنوته لله، « إن كنتَ ابن الله «واستمر فى ذلك حتى اللحظة الأخيرة فى حياته العلنية، حتى تحت الصليب. لكن هذه المحاولات تتحطم على صخرة علاقة يسوع العميقة والراسخة بأبيه السماوي. إلى أى مدى نعيش الثقة فى بنوتنا لله وأبوة الله لنا؟ هل نترجم هذه الثقة فى واقع حياتنا اليومية، ولا سيما وسط الشدائد والصعوبات؟
2- المادى فى خدمة الروحي
حاول المجرب أن يجعل يسوع يستخدم ويسخر ما هو روحى فى خدمة ما هو مادي، فرفض يسوع هذا تمامًا، رفض المنطق الذى يحارب منطق الله، فكل ما هو مادى يجب أن يكون فى خدمة ما هو روحي. ونحن ألا نحاول مرات كثيرة استخدام ما هو روحي، بل واستخدام الله نفسه لخدمة أهدافنا وأغراضنا المادية؟
4- بنعمة الله ينتصر الإنسان على أية خطيئة.
   لا توجد خطيئة فى الكون، خارج نطاق هذه التجارب الثلاثة: شهوة الجسد، شهوة العين، تعظم المعيشة. وهذا ما يؤكده القديس يوحنا فى رسالته الأولى .. فيسوع جُرب فى كل شيء مثلنا، لكنه انتصر، ومنحنا قوة الانتصار على أية تجربة أو خطيئة يمكن أن تواجهنا. فلنتذكر دائماً أنه لا توجد خطيئة أو تجربة لا يمكننا الانتصار عليها وأن القوة تكمن فى النور أما الظلمة فلا قوة لها. فهل نتجاوب مع عمل نعمة الله فينا؟
 ثانيًا : كيف نحقق الانتصارات الداخلية؟
وضعت لنا الكنيسة، فى مستهل مسيرة الصوم، إنجيل أحد الرفاع، إنجيل الصلاة والصوم والصدقة، وليس من سبيل لتحقيق الانتصارات الداخلية إلّا من خلال هذه الثلاثية التى تنظم وتعمق العلاقة مع الله (من خلال حياة الصلاة)  ومع الذات (من خلال الصوم)، ومع القريب ( من خلال العطاء). وخلاصة القول فإن الصلاة والصوم والصدقة تمنح نعمة انتصار الحب على الأنانية، وهذا هو معنى الانتصار الداخلي. فكيف يتحقق هذا الانتصار؟  
بالصوم والشبع الحقيقى
الصوم فى عمق معناه هو تعبير عن موقف داخلى عميق. وليس مجرد الانقطاع أو الامتناع عن بعض المأكولات. فالامتناع عن الأكل هو اعتراف بأن الله هو شبعنا الحقيقى كما أكد يسوع للمجرب بقوله ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله.
 ومن ناحية أخرى فإن الصوم تأكيد على أن الإنسان الحقيقى هو من يملك قدرة السيطرة على ذاته فلا يستعبده أكل ولا متعة لحظية رخيصة.
بالصلاة والامتلاء من حضور الله
الصلاة الصادقة الحقيقية، لا تصدر إلّا من قلب وديع ومتواضع، يشعر أنه خاطيء، وبحاجة دائمة لرحمة الله وحنانه، يضع كل رجائه فى نعمته. الصلاة تتطلب مسيرة إفراغ للذات، كلما أفرغنا ذواتنا من ذواتنا، إمتلأنا من حضور الله،  فله أن يزداد ولى أنا أن أنقص.
بالسعى لبناء عالم أفضل
إن المسيحى مدعو ومُرسل من أجل بناء عالم أفضل، عالم يرتقى نحو الله، عالم تسوده المحبة، فى مواجهة تيارات مادية عاتية تعمل ضد إرادة الله. فلا يمكن لإنسان منهزم من ذاته، وفى ذاته، أن يحقق أية انتصارات، أو أن يساهم فى بناء عالم أفضل، أو أن يكون مسيحيًا حقيقيًا إلا اذا انتصر أولًا على ذاته وشهواته وأنانيته. فالانتصارات الداخلية تسبق الانتصارات الخارجية، والانتصارات الشخصية تسبق الانتصارات العامة.