الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

العفو من سمات العاقلين




د.عزت ياسين أحمد
 
العفو خلق جميل يسمو بصاحبه إلى مصاف العظماء وهو من أخلاق إمام الأنبياء وسيد الاتقياء محمد صلى الله عليه وسلم، فهو شجرة باسقة تسقى بالحلم وجذورها سلامة الصدر وفروعها التسامح واللين وثمارها محبة الناس والألف بينهم ونتائجها جنة الرحمن يوم لا ينفع مال ولا بنون.

إن المؤمن التقى العارف ليس لديه وقت لمقارعة الجاهلين ومدافعة السفهاء والحاقدين فالعمر أقصر من أن يملأه الإنسان يرد الإساءات ودفع السباب والشتائم.
ولقد أمر الله تعالى نبيه بذلك فقال: «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين»، وقال «فاعفُ عنهم وأصفح إن الله يحب المحسنين»، وصفات المتقين وشيم الصالحين قال تعالى: «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين».

إن العفو نعت العاقلين لذ نجد الخلفاء والحكماء والعلماء يتصفون بهذا الوصف فهذا سيدنا على بن أبى طالب رضى الله عنه كان من خلقه العفو وكان يقول: «أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة» ويقول: «إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه، وهذا هو الخليفة المأمون كان يحب العفو ويؤثره على أى شىء ويقول: «حبب إلىّ العفو حتى أنى أخاف ألا أثاب عليه»، وكان الأحنف بن قيس - رحمه الله- كثير العفو والحلم وبهذا ساد قومه ومن أقواله فى العفو: «ما أذانى أحد إلا أخذت بأمره بإحدى ثلاث إن كان فوقى عرفت له فضله، وإن كان مثلى تفضلت عليه، وإن كان دونى أكرمت نفسى عنه»، ولقد نظم الشاعر منصور الكريزى هذا شعرا فقال:

سألزم نفسى الصفح عن كل مذنب/ وإن كثرت منه إليّ الجرائم
فما الناس إلا واحد من ثلاثة/ شريف ومشروف ومثل مقاوم
فأما الذى فوقى فأعرف فضله/ واتبع فيه الحق والحق لازم
وأما الذى دونى فإن قال صنت عن/ اجابته عرضى وإن لام لائم
وأما الذى مثلى فإن زال أو هفا/ تفضلت إن الحلم للفضل حاكم
إن العفو والتسامح تفريغ لشحنات الفوضى والكراهية الذى تؤذى النفس والجسم، فالمتسامح يتمتع بسعادة وطمأنينة وراحة نفسية عندما ينام وهو قرير العين مرتاح الضمير، لا يحمل فى صدره شيئا لأحد ولا تحرق نار الغضب والضغائن ولا يصرف وقته وهمته إلى التخطيط للانتقام بدلا من الانتقام فليس خير فى عقل ملىء بالكراهية.

ويقول سيدنا معاوية رضى الله عنه لابنه يزيد: يا بنى من عفا ساد ومن حلم عظم ومن تجاوز استمال إليه القلوب.
يروى عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فى أحد مواقفه فى العفو أنه كان يمشى مع أنس بن مالك يقول أنس رضى الله عنه: كنت أمشى مع النبى صلى الله عليه وسلم يرد نجرانى غليظ الحاشية فأدركه أعرابى فجذبه بردائه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عانق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جذبته، قال يا محمد: مرى لى من مال  الله الذى عندك فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك ثم أمر له بعطاء بأبى أنت وأمى يا حبيبى يا رسول الله لو أن أحدنا فى موقفك هذا ما كان يسعه إلا السب والشتم واللعن، كيف يطلب الحاجة بهذا الأسلوب ولكن الحبيب يضحك ويأمر له بالعطاء فأنت أم أو أب هذان فى الدنيا هم الرحماء.
إمام وخطيب مسجد الخازندارة