الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ماذا يحدث فى مصر الآن؟




د. حسين محمود
 
«ماذا يحدث فى مصر الآن؟»، هذا هو السؤال الذى حاولت الرد عليه مئات المرات وأنا فى العاصمة الإيطالية روما لمدة أسبوع للمشاركة فى عدة فعاليات أكاديمية، وكان السؤال موجها من أفراد كثيرين، من النخب المثقفة ومن أفراد الشعب العاديين. والإجابة الأولى التى كانت تأتى على لسانى هى «ولا حاجة!»، ثم آخذ فى شرح أبعاد الموقف من وجهة نظري، بهدف الطمأنة، وأن كل شيء على ما يرام، وأنه لا خوف من زيارة مصر.
والحقيقة أن مستوى الأمان فى مصر، رغم الأحداث العنيفة التى تشهدها، لا يزال فى حدود العادي، ولم يتحول، ولن يتحول إلى حرب أهلية. لا نعرف فى مصر الاحتراب الأهلي. فلدينا فى مصر عمق حضارى وثقافى يجعل مجتمعنا مجتمعا ناضجا، يتوقف على حافة الخطر ويعيد حساباته حتى لا يقع فى التهلكة. والمصرى بطبيعته الثقافية يمكن أن يقبل أى شيء فى الوجود إلا أن تمس وحدته الاجتماعية.
هناك زخم من الحكمة يمنعنا من التورط فى سياقات بعينها، ويغلب «المصلحة»، على أى ضرر، لأن الضرر سوف يصيب العام والخاص. نعرف كيف نتشاحن بصورة «زائفة»، لأننا عندما يتحول التشاحن إلى عنف نتحول إلى «اسكندرانية»، أى نختصر «الخناقة» إلى صياح بصوت عال لا يؤدى إلى نزيف من الدم.
والحقيقة أيضا أن هذه الإجابة «لا شيء يحدث فى مصر» هى أيضا كاشفة عن الوضع السياسى السائل الذى تمر به البلاد. عندما يسألك الإيطاليون عن «الانقلاب» فهم يسألون بجدية، وتكون الإجابة بجدية أيضا: لم يحدث أى انقلاب فى مصر.  وعندما يسألونك عن الحكومة العسكرية الحالية، تضحك بملء شدقيك: القاضى الجليل المستشار عدلى منصور على رأس الدولة، وقبل أيام كان الاقتصادى الجليل حازم الببلاوى على رأس الحكومة، وكلاهما لا يصلح أن يكون «شاويشا» فى الجيش. صحيح أن المشير لا يزال فى مكانه على رأس الجيش، ولكنه فى مكانه الصحيح، والبديهى جدا أن يكون فيه، ويؤدى واجبه فى الحفاظ على أمن مصر، لكنه لا يحكم، ولو كان يحكم فربما رأينا قرارات أكثر انضباطا من كل ما أخرجته الحكومات «اللينة» التى جاءت مصر حتى الآن. وتكون الإجابة: ليتها كانت حكومة عسكرية!
عن المسار الديمقراطى وخارطة الطريق؟ كل شيء يمضى فى طريقه، مع بعض الصعوبات، وربما كثير من الصعوبات، ولكن البلد فى الاتجاه الصحيح، تمضى نحو النور، لا نحو الظلام. وهذا البلد أصبح الآن يعرف كيف يصحح المسار. لا مناص من حل مشاكل الناس، وأخصها الفقر، وعدم قدرة الدولة على فرض النظام العام، وربما عدم وجود النظام العام الذى دمرته حقب حكم سابقة. لا مناص من سيادة القانون، وإعمال العدالة، وحماية الأبرياء، وعقاب المجرمين، وضبط إيقاع العمل الشرطى فى إطار سيادة القانون وأحكام الدستور.
ربما لا شيء يحدث فى مصر الآن، ولكننى واثق من أنه سوف يحدث فيها غدا، وعندما يحدث سوف يضيء العالم كله، كما أضاءها من قبل، فلا يزال قبس النور الحضارى والثقافى المصرى يشع على العالم.
أستاذ الأدب بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
[email protected]