الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

روسيا وعلاقة الأزمة




كتبت: أسماء عبدالفتاح

لم يشغل الرأى العام ووسائل الإعلام الفترة الماضية إلا بالعلاقات (المصرية – الروسية) خاصة فى أعقاب زيارة وزيرى الدفاع والخارجية المصريين المشير عبدالفتاح السيسى ونبيل فهمى إلى موسكو واجتماعهما مع نظيريهما الروسيين، واعتبر الجميع أن تلك اللقاءات ستفتح نافذة واسعة أمام استعادة القاهرة لعلاقاتها القديمة مع القطب العالمي، مما قد يمثل انطلاقة جديدة لتحول فى العلاقات الإقليمية والدولية، بعيدا عن ارتباكات إدارة أوباما المستمرة التى صارت لا ترضى حلفاءه خاصة بعد اعلان بوتين تأييده للسيسى وامتعاض واشنطن!.
وقرأنا فى الصحف وسمعنا وشاهدنا فى القنوات المختلفة تحليلات سياسية وتاريخية كثيرة عن علاقة مصر بروسيا القوية والتى تعود لعام 1783 فى عهد على بك الكبير، والتى لم تنقطع إلا لفترات قصيرة بسبب حرب القرم ثم استؤنفت وتوقفت وهكذا، ولكن فى فترات التباعد لم يكن خصامًا وتنافرًا، بل كانت العلاقات أشبه بخصام الأصدقاء، ولكن الحقيقة المُرة أن العلاقات المصرية الروسية تعكس الفشل الذى تعانى منه مصر نتيجة سياستها الخارجية تلك، لأن علاقة مصر بروسيا ما هى إلا علاقة «أزمة»، فنحن لم نستغل هذا الكيان الروسى المناهض للفكر الاستعمارى الغربى والأمريكى ومحاولة قربه من مصر والشرق الأوسط بشكل عام، ولم نلجأ أو نتقرب من روسيا سوى فى الأزمات التى تمر بها مصر فقط، فتعاملنا مع روسيا كأنه مصاب بعمى فالحقيقة المؤسفة أن الدبلوماسية المصرية أصابها مرض «الجلوكوما» فلم تر إلا هذا الجزء الصغير من العالم المتمثل فى أمريكا وأوروبا.
فأثناء العدوان الثلاثى على مصر قال نيكولاى بولجانين رئيس مجلس الوزراء السوفيتى إلى الحكومات المعتدية بلهجة تهديديه سأضرب باريس ولندن وتل أبيب بالأسلحة النووية إذا لم تتراجع عن مصر فالحكومة السوفيتية عازمة وبكل حماسة على اللجوء لاستخدام القوة من أجل دحر المعتدين على مصر».
وربما لا يدرك الغالبية العظمى من المصريين ان عبد الناصر عرف عن عصره بأنه عصر ازدهار العلاقات المصرية الروسية، فقد عشق الروس جمال عبدالناصر عشقا خاصا، كزعيم، وقدموا لمصر خلال عشرة أعوام من علاقتهم بها أكثر مما أعطوه للصين على مدى ربع القرن، أما أنور السادات فإذا استطعنا أن نوجز سياسته تجاه روسيا فسنجدها جاءت كرد فعل معاكس لسياسات عبدالناصر، وتقاربه للسياسة الأمريكية بشكل كبير فى البداية، ولكن عادت مصر مرة أخرى لتطويد علاقتها بروسيا فى حرب الاستنزاف عام 1970 ولجأت لها خلال تلك الأزمة وقامت روسيا بإطلاق دوريات لمقاتلات جوية روسية على قناة السويس، قادرة على إطلاق النار ضد أهداف إسرائيلية فى حرب الاستنزاف.
ولكن عادت مصر لتقطع علاقتها بروسيا من جديد فى عام 1977 عندما ألغى الرئيس المصرى أنور السادات جميع العقود العسكرية مع الاتحاد السوفيتى لصالح الشراكة مع واشنطن، ومنذ حينها ومصر تتلقى مساعدات من أمريكا أكثر من 49 مليار دولار من المساعدات الأمريكية، وبالتالى كسبت الولايات المتحدة تأثيرا كبيرا فى الشرق الأوسط ومصر، وسعت القوة العظمى إلى إبعاد الاتحاد السوفيتى من الشئون الإقليمية، خاصة من عملية السلام بين العرب وإسرائيل.
ثم بدأت العلاقات المصرية الروسية فى التحسن التدريجى فى نوفمبر 1982 عندما أرسل الرئيس الأسبق حسنى مبارك وفداً رفيع المستوى لتشييع جنازة الرئيس السوفيتى «بريجينيف»، وكانت العلاقات قد عادت عام 1981على استحياء.
اما فى زمن الردة أو فى عصر الرئيس السابق محمد مرسى برغم قصر مدة رئاسته الا ان أثره كان عميقا وسلبيا بشكل كبير فبعد ان كان الرؤساء المصريون يقابلون استقبال الفاتحين  ويجتمع المكتب التنفيذى للحزب الشيوعى الروسى بكافة اعضائه فقط لزيارة رئيس مصرى (كما حدث مع ناصر) ارسل عمدة مدينة صغيرة ليستقبل اول رئيس مصرى منتخب، فأى اهانة اكثر من ذلك.
والآن وبعد ثورة 30 يونيو عادت العلاقات المصرية الروسية بكل قوة تتحدث عن نفسها، بل تحدث العالم عن استقبال بوتين للمشير عبد الفتاح السيسى واهدائه له سترة شتوية ولكن هل يا ترى سنتعلم من التاريخ وسنضع استراتيجية مستقبلية تضمن متانة وقوة العلاقة مع الروس؟

صحفية وباحثة