الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

..وماذا يريد رئيس مصر القادم من الشعب؟!




الشعب يريد.. عيش.. حرية.. كرامة إنسانية.. عدالة اجتماعية.. استقراراً.. أمناً وأماناً.. فرصة عمل مناسبة لكل مواطن.. الشعب يريد مزيداً من إحكام السيطرة على الأسعار ومحاربة جشع بعض التجار.
الشعب يريد منظومة تعليمية متكاملة.. مناهج متطورة تناسب العصر الذى نعيشه.. ومدارس نموذجية تجذب الطلاب إليها.. وأيضًا منظومة طبية لائقة.. ومسكناً ملائماً.. ودخلاً مادياً نتيجة عمله يلائم متطلباته واحتياجاته.. منظومة حكومية خالية من الروتين والتعقيد تساعده على قضاء مصالحه فى سهولة ويسر.. الشعب يريد ويريد، وحتى لا تبتلع قائمة المطالب الشعبية المساحة المخصصة للمقال نقول باختصار الشعب يريد علاجًا لكل أوجاعه وأمراضه المادية والمعنوية والاجتماعية.. وهو ينتظر كل هذا من رئيس مصر القادم.. الشعب يطلب حلولًا عاجلة لكل مشكلاته.. لكن الذى يجب أن نتوقف أمامه قليلًا هو وماذا سوف يكون مقابل ما تطلب؟ وبالطبع قفز إلى ذهنى سؤال إذا كان هذا ما يريده الشعب من الرئيس القادم لمصر.. فلماذا لا يكون السؤال هو: وماذا يريد الرئيس القادم لمصر من الشعب أيضًا حتى يحقق له طموحاته وأمانيه؟
وبعيدًا عن الجدل السياسى الدائر الآن ومحاولة كل مرشح دغدغة مشاعر جموع الشعب.. الناخبين الذين سوف تكون أصواتهم فى النهاية هى الحاسمة لمن يجلس على عرش مصر.. ولأننى لست مرشحًا رئاسيًا ولست فى حاجة إلى دغدغة مشاعر الناخبين فإننى سأكتب ما يطلبه الرئيس القادم من المصريين حتى لو كان به قسوة.. فكثيرًا ما يقبل المريض الدواء رغم مرارته طلبًا أو أملًا فى الشفاء.
أتصور أن يطلب الرئيس القادم لمصر من الشعب أولًا الصبر.. أن يعطوه فرصة للعمل حتى يستطيع أن يحقق نتائج ما وعد به فى برنامجه الانتخابي.. أن تكف وسائل الإعلام المختلفة عن ملاحقته ورصد أنفاسه وحركاته وأن يكون نقل الأخبار عنه بموضوعية وأمانة شديدة.. وألا تضعه فى مصاف الأنبياء وتخلع عليه هالة التقديس، وأيضًا لا تحاول أن تجعل منه فرعوناً فوق القانون وفوق الحساب والمساءلة.. وهذا يستلزم أن يكون النقد بناءً وبأدب.. وأن تمتثل لما حث عليه ديننا الحنيف وقول رسولنا الكريم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». فيجب أن تحفظ لمقام الرئيس هيبته وكرامته فهو لا يمثل نفسه وإنما يمثل مصر بكل ما فيها تاريخها وعظمتها و90 مليون إنسان هم شعب مصر.
وثانيًا.. أتصور أن يتصدى الشعب لكل أراجوز يحاول أن يجعل من تصرفات رئيس مصر القادم مادة للسخرية بحجة أنها الحرية وأنهم فى الغرب يقومون بأعمال شبيهة.. نقول له إن المرأة فى الغرب تستطيع أن تمشى فى الشارع عارية فهل نقبل هذا على المرأة المصرية؟! إن للغرب ثقافته وتقاليده ولنا فى مصر ثقافتنا وتقاليدنا.. وأتصور أن يكون طلب رئيس مصر القادم من الشعب هو العمل والعمل وعلى كل إنسان على أرض المحروسة أن يعمل وأن يتقن عمله الصانع فى مصنعه والأستاذ فى جامعته والمدرس فى مدرسته والطبيب فى مستشفاه والعالم فى معمله كل إنسان يؤدى عمله أولًا بكل تفان وجهد، حتى الطالب يؤدى عمله باستذكار دروسه بجد وأمانة.. أن يترك الجميع الكسل والتراخي.. وأن تشحذ الهمم من أجل إحياء قيمة العمل واثره على الفرد والمجتمع.. على الشعب أن ينضبط.. إذا أراد سيولة فى المرور عليه احترام إشارة المرورة وشرطى المرور.
إذا أردت أن يقوم موظف بعمله ويقدم لك الخدمة التى تطلبها بإتقان وتفان عليك أن تتقن أنت أيضًا عملك وتتفانى فيه.. إذا أردت شارعاً نظيفًا فعليك ألا تلقى بالمخلفات فى الشارع.. وهكذا أشياء عدة إذا كان الشعب يريد فجيب أن يعلم أن المطالب لها استحقاقات ومطالب.. يجب أن نعمل من أجل مصر العظمى حتى يفخر أحفادنا بنا كما نفخر نحن بأجدادنا الفراعنة.
يجب أن نبحث جميعًا عن اختراع اسمه «الرقي» لا يباع فى الصيدليات ولا محلات العطارة ولا يستورد من الخارج.. للأسف كان موجودًا على أرض مصر المحرسة فى حياتنا رقى فى المشاعر والأحاسيس.. رقى فى التعامل والسماحة رقى فى الشارع فى المدرسة.. رقى فى الأخلاق حين كانت المعاملات المادية كلمة.. حيث كان الجار يسأل عن الجار.
حيث كان الصغير يحترم الكبير ويترك راكب الأتوبيس مقعده لامرأة أو رجل عجوز.
هل الزمن تغير.. أم أن الناس توحشت؟! لا بد أن نستعيد بعضًا من الرقى حتى لا تتحول الحياة إلى غابة من الوحوش يأكل بعضها بعضًا.
كانت هناك أسماء ترصع سماءنا الأدبية وكان الفكر كفيضان النيل وقصيدة الشعر تنتشر فى الصفحة الأولى من الصحف.. كانت المعارك الفكرية تخلو من الركاكة والفجاجة ولغة الحوارى وشتائم الصبية.. كان فى حد ذاتها إضافة للفكر.
التحضر كم هو جميل ككلمة وقيمة ومعنى.. التحضر يعبر حواجز التخلف والعقم فى التفكير.. التحضر يدعونا لفهم قيم ديننا والأديان الأخرى فى رحابة بعرض الأفق.
التحضر يفتح مسام العقل لاستقبال العالم على شاشة الفهم فلا أرفض الجديد لمجرد انه جديد ولا أعادى ما أجهله.
الشعوب التى سبقتنا عرفت أجهزة الوعى المثبتة فى عقولها قبل الموبايل والكمبيوتر والآى فون والآى باد.. الأمل فى العثور على تذكرة فى قطار التحضر المسافر للمستقبل.