الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

عطيات سيد: الفن لا يعرف كلمة «يجب».. وتكريم الجمهور لى.. الأهم




كتبت - سوزى شكرى

فنانة غير تقليدية لها خصوصية تشكيلية وتفرد فى صياغتها الفنية، يصعب تحديد زوايا الرؤية والمنظور فى أعمالها، تستخدم التعددية فى اللون والعناصر والتكوين، لديها حنين لا يتوقف وعشق لكل ما هو مصرى أصيل من العناصر المصنوعة يدويا والماكينات الشديدة التعقيد البنائى، دائما ما تختار للوحاتها التصويرية عناصر يهرب من رسمها الفنانون مثل «ماكنية الخياطة»، و«قطع غيار السيارات» و«الموتوسكلات» و«الكنكة» وغيرها من العناصر التى تتصف بالغرابة والصعوبة، من كثرة الافراط فى التأمل للعناصر تجعل من الجمود الشكلى الحاد مرونة وحركة إنسانية وفلسفة تعبيرية وتجريدية ومبالغات وشحنات.


إنها الفنانة التشكيلية القديرة عطيات سيد (مواليد 1935) ومعرضها الجديد «رؤيا زوايا اللون» المقام بقاعة بيكاسو حيث قدمت 44 عملاً تصويرية مابين الباستيل والالون الزتيتة، المعرض استيعاد أعمالا تصويرية من 2007 إلى عام 2013، كان لنا معها حوار حول أعمالها الفنية وموضوعات أخرى.


■ المعرض تحت عنوان «رؤيا زوايا اللون» فما هى زوايا الألوان؟


- أنا لا اتقيد بتقاليد المتعارف عليها فى التكوين اتبع متطلبات الحاله الفنية وحسب كل عنصر وتشكيلاته لأن الالتزام بتقاليد يجعل التكوين نمطيا، والرؤية محدودة لذلك ممكن أغير توزيع درجات اللون بحسب التكوين، على سبيل المثال توزيع اللون فى لوحات بعض الفنانين بتكون الألوان الفاتحة فى الخلفية، فهذه رؤية معتادة قدمت اعمالاً كثيرة بها الدرجات اللونية القوية فى الخلفية، مقولة إن اللون يجب أن يكون كذا مقولات شائعة، لا يوجد فى الفن ما نقول عليه يجب أن يكون، الالتزام يقيد الفنان ويحد من إبداعه، لذا اللون أيضا له زوايا عند تغير وضع العنصر بالتأكيد سوف تتغير الدرجة اللونية وهذا لم ينتبه له بعض الفنانين، فى لوحاتى عناصر مألوفة للكل ولكن هذا المألوف لم نكتشف بعد أسراره، اخترت للوحاتى العناصر المألوفة برؤية جديدة وليس الرؤية الجديدة مقصود بها تغير اتجاه وضع العنصر ولكن أنا أقوم بتداخل زوايا العنصر حتى يبدو وكأننا نرى جماليات العنصر لاول مرة.


■ يتواجد فى لوحاتك التصويرية عنصر «ماكينة الخياطة» فما سبب اختيارك لهذا العنصر؟


أميل لكل ما هو مصرى أصيل من الصناعات اليدوية وليس من إبداعات التكنولوجيا المعاصرة، الأدوات المعاصرة اجدها باردة لا روح فيها، أنا من عشاق العناصر القديمة وأذهب إلى المحلات لشراء عناصر اندثر استخدامها، ولكن بالنسبة لى مازالت حية وجميلة، اشترى «السبرتاية»، كنكة القهوة القديمة المعدن اسمها «برايموس»، الكبايات الزجاجية برادات الشاى العتيقة، كل ماهو قديم ابداعى.
ارتبطت بالعناصر القديمة شكلا ومضموناً فمثلاً «ماكينة الخياطة» تمثل لى فترة الستينيات التى كانت المرأة المصرية تستخدمها للعمل، لأن السيتنيات الجميع كان يقدر قيمة العمل والكل كان يعمل بضمير فى تخصصه، المرأة كانت تعمل ليل ونهار للسد احتياجات أسرتها، موجود عندى بالبيت ماكينة الخياطة القديمة وأيضا عندى فى البيت أجزاء من سيارة قديمة» موتور «يستهوينى رسم الآلات والحديد، عملت معرضا كان عن قطع غيار السيارات، لا تعجبنى رسم الاشياء الناعمة، الماكينة التى صنعها الانسان وركبها بالايدى قمة فى الاتقان والفكر الإنسانى والإبداع، عندما أنظر إلى هذه العناصر أجد علاقات تشكيلية وهندسية ودوائر وبنائية وعالم من الألوان، وتوحى إليه بعلاقات فنية لا حدود لها وأنا على استعداد أن أرسم نفس العناصر أكثر من مرة.
ماكنية الخياطة رسمتها دون مبالغة 100 مرة وربما أكثر وفى كل مرة أجد شيئا جديدا، وهذا ما تعلمته من الفن الرؤية والتامل، إلى أن أصبحت «الماكنية» فى أعمالى كأنها كائن حىء يتكلم ويتحاور ويتحرك، ففى إحدى اللوحات رسمت «ماكينة الخياطة» وحين انتهيت من اللوحة وجدتها تشبه الحصان ساكن فى كتلة نحتية، وقد يراها المتلقى برؤية أخرى، وهذا ما أفضله أن تعدد وجهة نظر المتلقى فى العمل.
بحثت عن أصعب شىء فى الماكينة وهو كيف تكون مرنة، بمعنى أنى رسمتها من زوايا ثم رسمتها من زوايا أخرى ثم زوايا ثالثة وربما أكثر وجمعت كل الزويا فى تكوين واحد، خلط المنظور مع مبالغة وتحريف غير متوقع، ومن يراها تبدو له أنها مرنة وليس عنصر حديد حاد جامد أصبحت الماكنية كائنا حى انسان، ما اجمل أنسنت الأشياء، وهذا ما يخشاه الفنان تتداخل المنظور فى تكوين واحد، واعتبر المناظير والتعددية فى زوايا اللون وزوايا العنصر هى إحدى وظائف الفن وجمالياته، الجيل الجديد يبعد عن الرسم هذه العناصر وأنا أيضا لا أجد قيما فنية وجمالية فى آلات المعاصرة.


■  تواجد عنصر «الكرسى» منفرد فى العديد من اللوحات، فما تقصدين بهذا الانفراد؟


- قبل تواجد صراعات على الكرسى، «الكرسى» عنصر موجود وله شكل معتاد والعديد من الاشكال التى أزعم أنى اضافتها للشكل حتى يعطى مضمونا ومعانى، طبعا هذا الكرسى عندى فى البيت أنا لا أرسم أى عنصر غير موجود ولا أعتمد على ذاكرتى أو مخزونى السابق، الذاكرة تنسى مهما كان الفنان قويا، الأفضل وضع العنصر ورسمه وكانه يراه لاول مرة، لذلك من وأنا عمرى 23 سنة إلى اليوم 77 سنة وأنا لا أتوقف عن الرسم وعن رسم الاسكتش،  مخطىء الفنان الذى يظن أن رسم الاستكتش ينتهى، أنا انصح كل فنان مهما كانت قدراته وامكانياته أن يعود إلى رسم الاستكتش من الواقع، الإبداع لن يأتى من الذاكرة والمخزون والرؤية السابقة، الإبداع الفنى الحقيقى يأتى بالتعمق والتحليل والتامل، أنا أقوم بوضع العناصر سواء الكرسى الموديل الأدوات القديمة الطبيعية الصامتة بكل أنواعها، الرسم الدائم إضافه للفنان قوة تركيز.
وأنا بارسم أترك نفسى للعنصر فإذا تطلب العنصر مبالغة أجد نفسى أضيف مبالغة، وهذا متطلبات التكوين، فحين رسمت الكرسى وضعت على الكرسى «تاج»، هو رمز الصراع القائم وسوف يستمر لأنه ليس فقط صراع اليوم هو صراع الكراسى والمناصب فى كل المؤسسات، الكرسى المعتاد له زواية مشهورة فى الرسم، لكن حين يرفض الكرسى من يتصارعون فكيف يكون شكله الفنى؟ رسمته من عدة زوايا فظهر وكان الكرسى يخشى من المتنافسين ويضم يديه ولا يسمح لاحد، وفى عمل آخر صراع ثلاثة كراسى على كرسى آخر احدها باللون الذهبى الذى يمثل حضارة مصر الفرعونية، وفى أخرى الكرسى مع الموديل العارى «المرأة» وكلاهم كأنهم كيان واحد.


■ الموديل العارى موجود فى لوحات كثيرة بالمعرض، أليس هذا بعيدا عن اهتماماتك برسم العناصر الحادة وليس الناعمة؟


الموديل العارى ليس بعيدا عنى، أنا رسمت كل شىء حتى أتعلم ومازالت أرسم يومياً ويوم أن أتوقف عن الرسم أشعر باكتئاب فظيع، ولنطرح سؤالا من هو الموديل؟ هو العنصر الإنسانى الذى يتعامل مع كل الاشياء والعناصر ولولا الوجود الإنسانى ماكان للعناصر قيمة أو استخداما، الموديل ليس عنصر سهل ومن العناصر المهمة الذى إذا اتقنها الفنان اتقن كل العناصر، رسمت الموديل العارى كثيرا أثناء دراستى بالكلية التربية الفنية كان يجلس امامنا الموديل وكان موجود نساء يعملن فى هذه المهنة، وهما يعلمون أنها مهنة تخص الفنانين والرسامين، ولكن مع مرور السنوات اندثرت واختفت هذه المهنة.
والفنانون اللى بيرسموا الموديل ممكن يكونوا بيرسموها من الذاكرة أو صور أو كتب، لكن انا كما ذكرت سابقاً لا أرسم إلا من الواقع، فبحث عن موديل كثيرا ومن فترة بسيطة اقنعت بعض الشغالات انى أرسمهم عاريات وأن هذا مهنة لخدمة الفن، وجدت شوية صعوبة حتى أقنعتهم، الموديل دراسة مطلوبة لكل فنان دراسة لا تتوقف، وأتعجب من فنان يرسم كل شىء إلا الموديل العارى ويستخف أو يسخر من رسم الموديل، لهذا الفنان أقول له «أبحث عن مهنة أخرى غير الفن»، تناقض لا مبرر له كيف يرسم كل شىء فيما عدا الموديل!


■ ما رأيك فى الجيل الجديد من الشباب وأعمالهم الفنية؟


- دعينى أتحدث للشباب الفن لابد أن ينبع من أعماق الفنان والعمل الفنى أولاً ينتجه الفنان للاستماع ثم يصل الجمهور ليجعله يستمع مثله بالجمال والألوان والأشكال والعناصر، يجب أن ينتج فناً وهو لايفكر فى الجمهور أو المتلقى، وإذا فكر الفنان وهو ينتج عمال فنيا ماذا سيكون رأى الجمهور أو هل سوف يشترى أحد لوحاته، هذا التفكير سوف يفقد اعماله القيمة لأنه فعل لوحات من أجل البيع أو من أجل تذوق الجمهور هذا النوع اسمه «أرزقية» يعنى لوحات للبيع، الصح أن يكون فنا فى الاول وفى الآخر، أنا بشكل شخصى أخصص جزءا من المال لشراء الألوان بعد كل معرض ولا أفكر فى البيع نهائيا لأن فكرة البيع قيد على الإبداع يضعه الفنان لنفسه، فكيف يقيد الفنان مشاعرة بسعر اللوحة، ربما استطاع بعض الفنانين هذا، ولكن الشباب لا يستطيعو تحمل أن يكون الفن للفن، لذلك فهم لهم ظروفهم فى طرح فكرة البيع قبل الرسم، ولكنى أدعوهم إذا استطاعوا التغلب على الماديات فسوف يكون الفن أعمق، أقولهم يا شباب الفن مقدس والمقدس لا شىء يزاحمه.
كثيرا ما شغلتنى موضوعات دينوية وقضايا الحياة مثل هذه الموضوعات تشغل الفنان لذك كلما استطاعت الابتعاد عن الأخبار والإعلام والتليفزيون والصحف ابتعد فهذا افضل ويكفنى ما اسمعه من حكايات من المقربين والأصحاب.


■ أين الفنانة عطيات سيد من التكريم وجوائز وزارة الثقافة؟


- من بدايتى وأنا أفضل الحرية فى كل شىء بدء من حرية التعبير الفنى وتناول العناصر والموضوعات وصولا باتخاذ قرارتى الحياتية، لم أتملق مثل غيرى للحصول على جوائز أو سفريات أو مقتنيات، من يرد لوحاتى اهلا وسهلا ومن لا يرد فالجمهور الذى عرفنى كل هذه السنوات ومنحنى لقب فنانة، وماذا بعد لقب فنان!، ماذا يفيد التكريم إذا كان من جهة مؤسسية؟
فالجمهور أهم، واذا التكريم من دولة خارج مصر فجمهور مصر أهم، الفن أعطانى قوة وصلابه، الفن لا ينتج من أجل وزارة، أنا كنت أعمل فى جريدتى الجمهورية والمساء كرسامة وشاهدت ماذا تفعل المناصب فى البشر الجميع يلتف حول صاحب المنصب وإذا أصاب صاحب المنصب شىء ابتعدوا عنه من تملقوا منه، الحرية جزء يصعب انفصاله عن الفنان، لذالك لا يعنينى المناصب والبيع كلاهما يفسد الفن، أنا لن أطالب بالتكريم ولا من قبل طالبت به ولا يعنينى حين أسمع أن أحد تكرم، فى النهاية البقاء للفن اللقب ليس إضافة فنية للفنان.