الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ست الحبايب




رسوم: برثى موريسوت - إيفانا كوبيلكا - ميريت شايز

 

شعراؤنا شموس فى سماء الإبداع ينيرون لنا ببصيرتهم وبصرهم طريقنا ويخبرونا ما لم نخبره فيما فاتنا من أمورنا الحياتية فهم بمثابة توثيق وشهادة على عصرهم ونحن نخصص هذه المساحة من الإبداع للاحتفال بعيد الأم والذى يوافق يوم 21 مارس من كل عام، من خلال نشر قصائد عدد من الشعراء والتى تتغنى بدور الأم الهام تقديرا لها على مقدار المآسى والمتاعب التى تتحملها فى سبيل تربية أولادها وتنشئتهم باعتبارها المدرسة والقدوة، وقد تغنى العديد من المطربين بالكثير من الأغانى التى تمجد الأم ودورها ومنها أغنية «ست الحبايب» للمطربة فايزة أحمد، وقد بدأ الاحتفال المصرى بعيد الأم فى ستينيات القرن الماضى من خلال مقال للكاتب المصرى الكبير مصطفى أمين كفكرة، يصاحب القصائد عدد من لوحات فنانين تشكيليين عالميين.

 

ست الحبايب

 

ست الحبايب يا حبيبة يا اغلى من روحى ودمي
يا حنينة وكلك طيبة يا رب يخليكى يا امي
يا رب يخليكى يا امى يا ست الحبايب يا حبيبة
زمان سهرتى وتعبتى وشيلتى من عمرى ليالي
ولسة برضو دلوقتى بتحملى الهم بدالي
انام وتسهرى وتباتى تفكرى
وتصحى من الأذان وتيجى تشقرى
يا رب يخليكى يا أمى يا ست الحبايب يا حبيبة
تعيشى ليا يا حبيبتى يا امى ويدوم لى رضاكى
دا انا روحى من روحك انتى وعايشة من سر دعاكى
بتحسى بفرحتى قبل الهنا بسنة
وتحسى بيشكوتى من قبل ما احسها
يا رب يخليكى يا أمى يا ست الحبايب يا حبيبة
لو عشت طول عمرى اوفى جمايلك الغالية عليا
اجيب منين عمر يكفى و الاقى فين اغلى هدية
نور عينى ومهجتى وحياتى ودنيتي
لو طلت تتمنى يوم دول هما هديتي
يا رب يخليكى يا أمى يا ست الحبايب يا حبيبة
يا حبيبة


كلمات - حسين السيد

 



 

كان لنا.. حنين


أماه.. ليتك تسمعين
لا شىء يا أمى هنا يدرى حكايا.. الحائرين
كم عشت بعدك شاحب الأعماق مرتجف الجبين
والحب فى الطرقات مهزوم على زمن حزين
بينى وبينك جد فى عمرى جديد
أحببت يا أمى.. شعرت بأن قلبى كالوليد
واليوم من عمرى يساوى الآن ما قد كان
من زمنى البعيد
وجهى تغير
لم يعد يخشى تجاعيد السنين
والقلب بالأمل الجديد فراشة
صارت تطوف مع الأمانى تارة
وتذوب.. فى دنيا الحنين
والحب يا أمى هنا
شيء غريب فى دروب الحائرين
وأنا أخاف الحاسدين
قد عشت بعدك كالطيور بلا رفيق
وشدوت أحزان الحياة قصيدة..
وجعلت من شعرى الصديق
قلبى تعلم فى مدينتنا السكون
والناس حولى نائمون
لا شىء نعرف مالذى قد كان يوما أو يكون!!
لم يبق فى الأرض الحزينة غير أشباح الجنون
أماه يوما.. قد مضيت
وكان قلبى كالزهور
وغدوت بعدك اجمع الأحلام من بين الصخور
فى كل حلم كنت أفقد بعض أيامى وأغتال الشعور
حتى غدا قلبى مع الأيام شيئا.. من صخور!!
يوما جلست إليك ألتمس الأمان
قد كان صدرك كل ما عانقت فى دنيا الحنان
وحكيت أحوال ويأس العمر فى زمن الهوان

وضحكت يوما عندما
همست عيونك.. بالكلام
قد قلت أنى سوف أشدو للهوى أحلى كلام
وبأننى سأدور فى الأفاق أبحث عن حبيب
وأظل أرحل فى سماء العشق كالطير الغريب
عشرون عاما
منذ أن صافحت قلبك ذات يوم فى الصباح
ومضيت عنك وبين أعماق تعانقت الجراح
جربت يا أمى زمان الحب عاشرت الحنين
وسلكت درب الحزن من عمرى سنين
لكن شيئا ظل فى قلبى يثور.. ويستكين
حتى رأيت القلب يرقص فى رياض العاشقين
وعرفت يا أمى رفيق الدرب بين السائرين
عينان يا أمى يذوب القلب فى شطآنها
أمل ترنم فى حياتى مثلما يأتى الربيع
ذابت جراح العمر وانتحر الصقيع..
أحببت يا أمى وصار العمر عندى كالنهار
كم عشت أبحث بعد فرقتنا على هذا النهار
فى الحزن بين الناس فى الأعماق
خلف الليل فى صمت البحار
ووجدتها كالنور تسبح فى ظلام فانتفض النهار
ما زلت يا أمى أخاف الحزن
أن يستل سيفا فى الظلام
وأرى دماء العمر
تبكى حظها وسط الزحام
فلتذكرينى كلما
همست عيونك بالدعاء
ألا يعود العمر منى للوراء
ألا أرى قلبى مع الأشياء شيئا.. من شقاء
وأضيع فى الزمن الحزين
وأعود أبحث عن رفيق العمر بين العاشقين
وأقول.. كان الحب يوما
كانت الأشواق
كان.....
كان لنا حنين!!!


شعر – فاروق جويدة

 

طيف نـسميه الحنين

 


‏‏إلى أمى‏..‏ وكل أم‏..‏ فى عيد الأم‏
فى الركن يبدو وجه أمي
لا أراه لأنه
سكن الجوانح من سنين
فالعين إن غفلت قليلا لا تري
لكن من سكن الجوانح لا يغيب
وإن توارى‏..‏ مثل كل الغائبين
يبدو أمامى وجه أمى كلما
اشتدت رياح الحزن‏..‏ وارتعد الجبين
الناس ترحل فى العيون وتختفي
وتصير حزنـا فى الضلوع
ورجفة فى القلب تخفق‏..‏ كل حين
لكنها أمى
يمر العمر أسكنـها‏..‏ وتسكننى
وتبدو كالظلال تطوف خافتة
على القلب الحزين
منذ انشطرنا والمدى حولى يضيق
وكل شىء بعدها‏..‏ عمر ضنين
صارت مع الأيام طيفـا
لا يغيب‏..‏ ولا يبين
طيفـا نسميه الحنين‏..
فى الركن يبدو وجه أمي
حين ينتصف النهار‏..‏
وتستريح الشمس
وتغيب الظلال
شىء يؤرقنى كثيرا
كيف الحياة تصير بعد مواكب الفوضي
زوالا فى زوال
فى أى وقت أو زمان سوف تنسحب الرؤى
تكسو الوجوه تلال صمت أو رمال
فى أى وقت أو زمان سوف نختتم الرواية‏..‏
عاجزين عن السؤال
واستسلم الجسد الهزيل‏..‏ تكسرت
فيه النصال على النصال
هدأ السحاب ونام أطيافـا
مبعثرة على قمم الجبال
سكن البريق وغاب
سحر الضوء وانطفأ الجمال
حتى الحنان يصير تـذكارا
ويغدو الشوق سرا لا يقال
فى الركن يبدو وجه أمي
ربما غابت‏..‏ ولكنى أراها
كلما جاء المساء تداعب الأطفال
فنجان قهوتها يحدق فى المكان
إن جاء زوار لنا
يتساءل المسكين أين حدائق الذكري
وينبوع الحنان
أين التى ملكت عروش الأرض
من زمن بلا سلطان
أين التى دخلت قلوب الناس
أفواجا بلا استئذان
أين التى رسمت لهذا الكون
صورته فى أجمل الألوان
ويصافح الفنجان كل الزائرين
فإن بدا طيف لها
يتعثر المسكين فى ألم ويسقط باكيا
من حزنه يتكسر الفنجان
من يوم أن رحلت وصورتها على الجدران
تبدو أمامى حين تشتد الهموم وتعصف الأحزان
أو كلما هلت صلاة الفجر فى رمضان
كل الذى فى الكون يحمل سرها
وكأنها قبس من الرحمن
لم تعرف الخط الجميل
ولم تسافر فى بحور الحرف
لم تعرف صهيل الموج والشطآن
لكنها عرفت بحار النور والإيمان
أمية‏..‏
كتبت على وجهى سطور الحب من زمن
وذابت فى حمى القرآن
فى الأفق يبدو وجه أمي
كلما انطلق المؤذن بالأذان
كم كنت ألمحها إذا اجتمعت على رأسي
حشود الظلم والطغيان
كانت تلم شتات أيامي
إذا التفت على عنقى حبال اليأس والأحزان
تمتد لى يدها بطول الأرض‏..‏
تنقذنى من الطوفان
وتصيح يا الله أنت الحافظ الباقي
وكل الخلق ياربى إلى النسيان
شاخت سنين العمر
والطفل الصغير بداخلي
مازال يسأل‏..‏
عن لوعة الأشواق حين يذوب فينا القلب
عن شبح يطاردنى
من المهد الصغير إلى رصاصة قاتلي
عن فـرقة الأحباب حين يشدنا
ركب الرحيل بخطوه المتثاقل
عن آخر الأخبار فى أيامنا
الخائنون‏..‏ البائعون‏..‏ الراكعون‏..‏
لكل عرش زائل
عن رحلة سافرت فيها راضيا
ورجعت منها ما عرفت‏..‏ وما اقتنعت‏..‏ وما سلمت‏..‏
وما أجبتك سائلي
عن ليلة شتوية اشتقت فيها
صحبة الأحباب
والجلاد يشرب من دمي
وأنا على نار المهانة أصطلي
قد تسألين الآن يا أماه عن حالي
وماذا جد فى القلب الخلي
الحب سافر من حدائق عمرنا
وتغرب المسكين‏..‏

مقطع من قصيدة – فاروق جويدة


إلى أمى


أحنّ إلى خبز أمي
وقهوة أمي
ولمسة أمى
وتكبر فى الطفولة
يوما على صدر يوم
وأعشق عمرى لأني
إذا متّ،
أخجل من دمع أمى!
خذينى ،إذا عدت يوما
وشاحا لهدبك
وغطّى عظامى بعشب
عمّد من طهر كعبك
وشدّى وثاقي..
بخصلة شعر
بخيط يلوّح فى ذيل ثوبك..
عساى أصير إلها
إلها أصير..
إذا ما لمست قرارة قلبك!
ضعيني، إذا ما رجعت
وقودا بتنور نارك..
وحبل غسيل على سطح دارك
لأنى فقدت الوقوف
بدون صلاة نهارك
هرمت ،فردّى نجوم الطفولة
حتى أشارك
صغار العصافير
درب الرجوع..
لعشّ انتظارك!


شعر – محمود درويش

أمى يا أغلى إنسانة

 


أمى.... يا أعذب كلمة خرجت من فمي
أمى.... يا أجمل كلمة سطرها قلمي
أمى.... يا أغلى شيء فى الوجود
أمى.... يا أنشودة الطفل البريئة
أمى.... يا ملجأ الصبا وملاذ الفتوة
أمى.... إنى أكبر وتكبرين فى عينى ومهما كبرت فلن أستغنى عنك
أمى.... أنا بدونك لا أساوى شيئا
أمى.... أنا بدونك كنبتة بلا هواء وبلا ماء وبلا شمس
أمى.... يا رمز الحنان ويا بسمة الجنان
أمى.... يا عنوان المحبة والعطف والألفة
أمى يا كل حرف له معنى:
أ..  أحبك ملء حبات المطر
م..  منبع الدفء أمي
ى..  يا قلبى النابض
أمى .... يا أروع إنسانة رأيتها فى الدنيا


شعر - نزار القبانى

 

خمس رسائل إلى أمى

 

صباح الخير يا حلوه..
صباح الخير يا قديستى الحلوه
مضى عامان يا أمي
على الولد الذى أبحر
برحلته الخرافيه
وخبأ فى حقائبه
صباح بلاده الأخضر
وأنجمها، وأنهرها، وكل شقيقها الأحمر
وخبأ فى ملابسه
طرابيناً من النعناع والزعتر
وليلكةً دمشقية..
أنا وحدى..
دخان سجائرى يضجر
ومنى مقعدى يضجر
وأحزانى عصافيرٌ..
تفتش –بعد- عن بيدر
عرفت نساء أوروبا..
عرفت عواطف الإسمنت والخشب
عرفت حضارة التعب..
وطفت الهند، طفت السند، طفت العالم الأصفر
ولم أعثر..
على امرأةٍ تمشط شعرى الأشقر
وتحمل فى حقيبتها..
إلى عرائس السكر
وتكسونى إذا أعرى
وتنشلنى إذا أعثر
أيا أمى..
أيا أمى..
أنا الولد الذى أبحر
ولا زالت بخاطره
تعيش عروسة السكر
فكيف.. فكيف يا أمي
غدوت أباً..
ولم أكبر؟
صباح الخير من مدريد
ما أخبارها الفلة؟
بها أوصيك يا أماه..
تلك الطفلة الطفله
فقد كانت أحب حبيبةٍ لأبى..
يدللها كطفلته
ويدعوها إلى فنجان قهوته
ويسقيها..
ويطعمها..
ويغمرها برحمته..
.. ومات أبي
ولا زالت تعيش بحلم عودته
وتبحث عنه فى أرجاء غرفته
وتسأل عن عباءته..
وتسأل عن جريدته..
وتسأل –حين يأتى الصيف-
عن فيروز عينيه..
لتنثر فوق كفيه..
دنانيراً من الذهب..
سلاماتٌ..
سلاماتٌ..
إلى بيتٍ سقانا الحب والرحمة
إلى أزهارك البيضاء.. فرحة «ساحة النجمة»
إلى تختي..
إلى كتبي..
إلى أطفال حارتنا..
وحيطانٍ ملأناها..
بفوضى من كتابتنا..
إلى قططٍ كسولاتٍ
تنام على مشارقنا
وليلكةٍ معرشةٍ
على شباك جارتنا
مضى عامان.. يا أمي
ووجه دمشق،
عصفورٌ يخربش فى جوانحنا
يعض على ستائرنا..
وينقرنا..
برفقٍ من أصابعنا..
مضى عامان يا أمى
وليل دمشق
فل دمشق
دور دمشق
تسكن فى خواطرنا
مآذنها.. تضيء على مراكبنا
كأن مآذن الأموي..
قد زرعت بداخلنا..
كأن مشاتل التفاح..
تعبق فى ضمائرنا
كأن الضوء، والأحجار
جاءت كلها معنا..
أتى أيلول يا أماه..
وجاء الحزن يحمل لى هداياه
ويترك عند نافذتى
مدامعه وشكواه
أتى أيلول.. أين دمشق؟
أين أبى وعيناه
وأين حرير نظرته؟
وأين عبير قهوته؟
سقى الرحمن مثواه..
وأين رحاب منزلنا الكبير..
وأين نعماه؟
وأين مدارج الشمشير..
تضحك فى زواياه
وأين طفولتى فيه؟
أجرجر ذيل قطته
وآكل من عريشته
وأقطف من بنفشاه
دمشق، دمشق..
يا شعراً
على حدقات أعيننا كتبناه
ويا طفلاً جميلاً..
من ضفائره صلبناه
جثونا عند ركبته..
وذبنا فى محبته
إلى أن فى محبتنا قتلناه...


شعر – نزار قبانى