الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

فرغلى: «التكنولوجيا» سلاح تدمير معاصر والفيديو آرت «عك أمريكانى»




حوار - سوزى شكرى


عشقه للحضارة المصرية القديمة جعله لا ينفعل بالأشياء التى تدعو للتعاسة والتخاذل بل أن ينفعل بكل شىء فى الحياة يدعو للتفاؤل، دائم التنقيب عن كنوز الطاقة الإيجابية وسط الأحداث المؤلمة من الحضارات الإنسانية، يترجم هذه الطاقة إلى عناصر ورموز تشكيلية وثقافية، يستخدم التقنية الروحية ويمزجها بالتقنيات الشكلية والصياغات والمعالجات، على حد قوله «بدون الثقافة والانفعال لا يقدم الفنان عملاً إبداعيا»، إنه الفنان التشكيلى الدكتور فرغلى عبد الحفيظ ومعرضه الجديد «أثينا فرغلى» المقام بقاعة الفن بالزمالك.
تحاورنا معه عن سبب اختياره أثينا كمدخل للتعبير الفنى فى معرضه الجديد، وعن الثورة وعلاقتها بالإبداع، وعن معوقات الإبداع فى مصر، وعن سبب رفضه لفن الفيديو آرت، وعن تجاهل تكريم التشكيليين فى احتفالية «عيد الفن»، وعن الفعاليات الخاصة وتأثيرها على الفعاليات الرسمية، وغيرها من موضوعات، وإلى نص الحوار.


■ ما سبب اختيارك مدينة «أثينا» كموضوع فنى لمعرضك؟
- هو المعرض الثانى عشر فى سلسلة المعارض المختصة بالمدن، قدمت من قبل أسوان والأقصر، القاهرة، الإسكندرية، فلورنسا، فينسيا، باريس، لندن وغيرها، اختيارى للمدن نابع من عشقى للتعبير عن الحضارات الإنسانية، للشعوب والثقافات العتيقة العريقة، باعتبار أن الفن هو الوسيط المليء بالأحاسيس والمشاعر، هو ذلك الوسيط الذى تحاول التكنولوجيا المعاصرة تدميره بأسلحتها وإغراءاتها، وقد اخترتها لعدة أسباب منها أنها المدينة التى أسست لثقافة وحضارة الغرب بأكمله، هى رمز الحكمة والقوة عند الإغريق القدماء، «أثينا» مدينة الفن والعمارة، مدينة أرسطو وأفلاطون، مدينة عشقت الحضارة المصرية القديمة، المدينة الوحيدة التى دعمت مشاعر المصريين فى 30 يونيو الأمر الذى عزز اختيارى لها فى هذا التوقيت لكى تكون بطل هذا المعرض.


■ كيف قمت بالإعداد المسبق لمعرضك؟
- طوال مشوارى الفنى قرأت العديد من الكتب عن الحضارة الإغريقية وعلاقتها بالحضارة المصرية القديمة والفلسفة اليونانية، زرت أثينا عدة مرات وفى كل مرة أشاهدها برؤية أخرى، شعب مبتهج يحب الحياة، أثرياء الروح، علاقات إنسانية يعلو فيها صوت الإنسان الذى ما زال يحتفظ بإنسانيته، «أثينا» القديمة لم يتبق من ملامحها المعمارية الكثير، لكن حضورها التاريخى والمعنوى والفلسفى لا يزال حاضرا، لذلك أفضل أن يكون لدى الفنان ثقافة عما يريد أن يعبر عنه تشكيلياً بالإضافة إلى تصدر درجة من الانفعال بالموضوع، بدون الثقافة والانفعال لا يقدم الفنان عملاً إبداعيا، الفنان أصبح مشوشا مهلهلا، العديد منهم ينقلون أعمالا من الانترنت، أعمالًا سابقة التجهيز لا تتصل بمصريتنا مما أدى إلى انفصال الفنانين عن مصر، لا يوجد فى أعمالهم الأصالة أو القيمة الفكرية أو حتى رسالة إلى المتلقى، لذلك نجد فرقا كبيرا بين أعمال فنان صاحب مشروع فنى ثقافى، وبين فنان اعتمد على النقل والتزييف من أعمال الآخرين.
الأعمال المعروضة كلها «اسكتشات» رسمت بسرعة فائقة وتحت تأثير حالة انفعال بالمكان، «اسكتش» استلهمته من مضمون المشهد وليس كرسم للمشهد البصرى المعتاد، أتحرك فى المكان من كل الزوايا ولا ارتبط بزوايا محددة وبداخلى انفعال وشحنة فنية، فالانفعال والتفاعل هما أهم عناصر العمل الفنى التى تظهر فى التكوين والعناصر واللون والتقنية والتجمعات البشرية وهذا ما قدمته فى لوحات المعرض.


■ ما رأيك فى المعارض الفنية التى عبرت عن «الثورة» خلال الأعوام الماضية؟
- لا آخذ موقفًا تشكيليا من الأحداث، لكن انتظر أن تحركنى الأحداث للأمام، فى الأحداث جانب سلبى وجانب إيجابى، يجب على الإنسان بصفة عامة والفنان بصفة خاصة أيضا أن يأخذ الايجابيات لإحداث التغيير، والثورة لها مفهوم آخر غير المتداول طوال هذه الفترة، التشكيل مهما كان مستوى الأعمال المرسومة لا يكفى للتعبير عن عظمة الثورة المصرية، فنون الفوتوغرافيا والفيديو آرت والإعلام المرئى للنقل المباشر هما أصدق المجالات الفنية التى جاءت مواكبة للأحداث لأنها واقعية جدا.


■ ماذا تقصد بأن الثورة لها مفهوم آخر غير المتداول؟
- لابد من وضع تعريف واضح للثورة، فمفهوم الثورة مغلوط وبه «غلوشة»، التعريف الإيجابى والذى يجب أن يتبع ميدانياً هو أن الثورة هى الإبداع، والإبداع هو الثورة، الثورة إيجابية فى الفعل والإنتاج فى التعامل الإنسانى فى جميع المجالات.. الفنون، العلوم السياسية، السينما، المسرح، التشكيل، لكنه ثورى شكلاً بدون مضمون، فماذا يفيد؟ الحالة الثورية «همه» للصعود للأمام، الفن الثورى يساوى الفن الذى يعدل سلوك البشر إلى التقدم والتحضر ويدعو لمزيد من الإبداع والحرية والتفكير المتجدد وليس تدميرا للقيم والحضارات، ولا يجوز استخدام كلمة ثورة لشكليات ليس لها قيمة، ولا يوجد ما يسمى ثورة تعود بنا للخلف، أى ادعاءات وشعارات أخرى هذه مزايدة وتزييف ومتاجرة بالثورة، الإبداع هو الثورة الحقيقة، حين اكتشف الإنسان البدائى النار واكتشف الكهرباء، كلها اكتشافات أدت إلى إبداعات، الفن المصرى القديم كله ثورات وإضافات لذلك بقاء الإبداع موجود فى المصرى القديم ولا تنتهى قيمته وعظمته، أمريكا تعتبر قوتها فى العلم والإبداع فى تكنولوجيا الأسلحة، لكن هذا التقدم يستخدم للشر ويكثف للقتل العمد ولا يعد إبداعا إنسانيا، لأن الثورة فعل إيجابى مائة بالمائة، وهم يقتلون صناعة الله فينا كبشر بقتلهم الروح.


■ ما المعوقات التى تعوق الإبداع فى مصر من وجهة نظرك؟
- معوقات الإبداع لا حصر لها، الثقافة التى تقوم على تراجع صلة الشباب بالوطن لأنها أضعفت قدرته وأطفأت أفرانًا ونوازع الإبداع، المؤامرة التى تمت على الإبداع هى إضعاف جهاز الخيال وتحجره بسبب تضخم جهاز الخوف، الخوف المعنوى هو الخوف الأكبر، من أكثر من أربعين عاما تضخم الفساد فى الثقافة والتعليم والإعلام وأنتج هذا الفساد انتشارًا للسطحية وللشكلية وانهيارًا فى الأخلاق وفى التفكير وأغلق جهاز الخيال بسبب ما صنعته الأنظمة من حالات الخوف والقيود، جهاز الخوف عند المصريين تضاعف عشرات المرات، الخوف ليس بالمعنى السياسى إنما الخوف من كل شىء فى ممارسة الحياة اليومية العادية.
فى فترة الستينيات كان الخوف أقل وارتفع صوت الخيال فظهر مناخ مناسب للفنون بمجالاتها، أما فى السبعينيات ارتفع جهاز الخوف عندما تحالف السادات مع الإخوان وقاموا بتوظيف الدين فى السياسة وزراعة الفراغات بأنواعها مثل الخوف من أمن الدولة، وأيضا ترديد أن النحت وأن الفن كله حرام، وأكملت تدمير الخيال فترة حكم مبارك وفترة حكم مرسى، بالإضافة إلى سلاح التدمير المعاصر وهو التكنولوجيا وصفحات «الفيس بوك».


■ اعتبرت صفحات «الفيس بوك» ضمن أسلحة تدمير الإبداع على الرغم من امتلاكك واحدة، ما تعليقك؟
- لا أتابع أى صحف أو مجلات ولا أقرؤها وحين بدأت على الفيس بوك وجدت سلبيات أكثر من الإيجابيات وليس لدى وقت للمتابعة، وقتى للفن فقط، ومن متابعتى المعدودة وجدت الخلافات تزيد من البشر وتتفكك العائلات والأسر، كل فرد منها يجلس بجهاز فاندثرت العلاقة الأسرية، وأصبحت العلاقات تتلخص فى مجموعة حروف keyboard تمثل تكنولوجيا الإلهاء عن الحياة، وهذا مقصود ممن الذين اخترعوا الموقع تحت عنوان «التواصل»، على العكس تماما هو تفكك وتفتيت مخطط من أمريكا فهى الدولة الوحيدة التى تمتلك «الكنترول» على كل العالم وتعلم كل شىء، وهذا مخطط ضد دول الشرق الأوسط وحرب المعلومات، أين العراق! أين ليبيا! أين سوريا! أين تونس! أين السودان! أين وأين! حرب المعلومات والشائعات وحرب التطرف الفكرى قادرة على تدمير الدول دون سلاح، الإنسان العاقل لابد أن ينقذ نفسه من هذا التدمير ويعود إلى الإنسانية والمشاعر التى صنعها الله، التكنولوجيا أفادت فقط فى العلم وليس فى الإنسانيات بعد 100 عام سنعرف ضرر التكنولوجيا، أيضا «العك» الأمريكى وصل للفنون مثل الفيديو آرت، ما علاقته بالفن التشكيلى، هو يجب أن يعرض فى مجال السينما وليس فى قاعات عروض الفن التشكيلى ولا فى البيناليات، فهل نستطيع نحن أن نعرض لوحات الفن التشكيلى فى مهرجانات السينما ! التشكيل يعنى الفعل اليدوى الممزوج بالمشاعر وإبداع الروح وليس بالآلات والماكينات.


■ اعترض الفنانون التشكيليون على عدم وجودهم وتمثيلهم فى حفل «عيد الفن».. ما تعليقك؟
- تعودت ألا انظر بسلبية إلى كل الأحداث وألا أفسد الهدف الأكبر من الفعالية، الأهم اليوم هو محاربة الإرهاب والتطرف الفكرى الذى تركته لنا كل الأنظمة السابقة بأجهزتها، احتفالية عيد الفن هو إعادة زراعة لدور الفن فى المجتمع المصرى ومسح آثار العدوان على الإنسانية، وليس المهم أن نبحث اليوم عمن تم تكريمه ومن لم يتم، لا وقت لهذا فنحن فى فترة صعبة وعدم ذكر أى فنان تشكيلى لا يعنى سقوط الفن والفنانين التشكيليين، أجد الاعتراض على الاحتفالية أمر لا مبرر له، فنحن فى حالة حرب، وحين يتم تعديل المسار سوف تقدم كل الاقتراحات للأفضل.


■ فى السنوات الأخيرة أقيمت العديد من الفعاليات الخاصة منها فعاليات حملت عنوان «بيناليات».. ما تعليقك؟
- لا أجد ضررا فى قيام فعاليات خاصة للفن وغير رسمية بكل مجالاته، على أن تعد الإعداد المناسب الذى يليق، ولنقيم 15 «بينالى» لا أجد مشكلة فى أن يكون عندنا بينالى فى بورسعيد فى أسوان فى كل المحافظات شرقاً وغرباً، كل هذه الفعاليات سوف تساهم فى انتشار الفن فى المجتمع، ولا تنتقص من قيمة وقدر الفعاليات الرسمية لبيناليات الدولة، أما إذا استخدم الفن لتحصيل الأموال فهذا أمر يحتاج إلى إعادة نظر وسوف يأتى يوم ما ويسقط كل هذا لأنه ليس لها أساس سليم، الأفضل إيقاف المهاترات وتكثيف جهودنا وطاقتنا فى محاربة الإرهاب بدلاً من التصارع على قواعد الفعاليات، نحن نضيع أوقاتًا كثيرة فى المهاترات والحروب الجانبية والتركيز عليها سلبية ليس إيجابية، فسوف يأتى وقت للتنظيم، اليوم كما قال جمال عبد الناصر: «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».