الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

هل تعيد تركيا ما نهبه العثمانيون من آثار مصرية؟




د.خالد عزب

قرأت فى صحيفة الشروق تساؤلاً طرحه الدكتور عماد أبو غازى فى احد مقالاته منذ شهور حول الفتح أو الغزو العثمانى لمصر، وأى من المفهومين يجب أن نأخذ به عند دراسة تاريخ مصر، وحقيقة الأمر أننى أتفق معه فى أنه مازال هناك آراء مختلفة بعضها يعود لأسباب أيديولوجية للمؤرخ أو للعاطفة الدينية أو للرؤية الوطنية، لكن تبقى هناك عدة حقائق نستطيع أن نبنى عليها رؤيتنا لهذه القضية.


أولها: أن تركيا المعاصرة بينها وبين مصر مصالح متبادلة لذا فإن إثارة الموضوع يجب أن تتم فى إطار التاريخ، ولذا يجب على تركيا أن تقدم على خطوة أساسية لكى تصلح ما شاب هذه العلاقات من ميراث تاريخى أصاب مصر بضرر فادح لسنوات، وعلى رأسه الخراب الذى أصاب مصر والذى أسهب المؤرخون فى وصفه كابن إياس الذى أفادنا بالكثير فى هذا الصدد.


لذا على تركيا أن تعيد إلى مصر ما استولى عليه السلطان سليم الأول من كنوز قلعة صلاح الدين بمصر المتمثلة فى:
- سيوف ودروع وملابس سلاطين المماليك وغيرها من آثار نقلت لأستنبول.


- الآثار النبوية الشريفة المنقولة من مصر لأستنبول والمحفوظة بقصر طوبقوسراي.
- الوثائق المملوكية المحفوظة بأسطنبول.


هذه الخطوة ستعتبر بمثابة اعتذار تاريخى عن الغزو العثمانى لمصر، سيجعل من التاريخ تاريخا دون أن يستدعى من آن لآخر لتتوتر من خلاله العلاقات المصرية التركية المعاصرة.


إن فعلها الأتراك سيكون هذا بمثابة درس للغرب الذى استعمر واستولى على تراثنا دون وجه حق، وأبرز أمثلة هذا الاستيلاء حجر رشيد بالمتحف البريطاني.


ثانيها: إن فهم التاريخ يجب أن يأتى فى إطار مفاهيم عصر الحدث، فالعثمانيون الأتراك رأوا مصر دولة إسلامية منافسة فى النفوذ على العالم الإسلامي، تحتل مكانة روحية خاصة لرعايتها الحرمين الشريفين فى مكة المكرمة والمدينة المنورة والحرم القدسى الشريف، ولاحتضانها ميراث الخلافة العباسى الرمزي، لذا فإن انتقال كل هذا لأسطنبول يستكمل أبهة الملك فى أسطنبول التى تعد نفسها أكبر وأقوى مركز للسنة فى العالم الإسلامي، لذا رأى العثمانيون فى مصر جزءا من كل هو عالم الإسلام.


ثالثها: أن انتصار مرج دابق الذى هزم فيه السلطان الغورى كشف تداعى قوة المماليك أمام العثمانيين، لذا فإنهم ومن خلال جواسيسهم فى مصر كشفوا عن أن الأرض ممهده ومحروثه للاستيلاء على مصر، وهو مالم يحلم به سليم الأول ورجال جيشه، فالفرص التاريخية لا تأتى كثيرًا.
رابعها: هناك تساؤل حول وضعية مصر فى الدولة العثمانية، فهى وضعية أشبه بالحكم الذاتي، إذ استمر المماليك مسيطرين على الشأن المصري، فى الوقت الذى أصبح الوالى العثمانى محددة سلطاته بقلعة صلاح الدين مقر الحكم فى مصر، كما لم تدمج مصر فى الدولة العثمانية كما أصبح الحال فى بلاد الشام التى أدمجت دمجًا كاملاً فى الدولة، وأوضح مثال على ذلك هو استمرار مصر كولاية ذات وضعية خاصة، لذا نحن فى حاجة إلى دراسة هذه الوضعية بصورة أساسية فى ظل عزل المصريين عددا من ولاة الدولة على مصر وفرضهم ولاة آخريين، فلم يكن محمد على أول وال يفرضه المصريين، هذا يتضح من كتاب الإسحاقى عن ولاة مصر فى العصر العثمانى.


خامسها: يتعامل بعض المؤرخين الأتراك مع المماليك على أنهم أتراك، مثل أقطاى أصلان آبا وغيره، لكن فى حقيقة الأمر أن المماليك هم عبيد استجلبوا صغارًا فى أول الأمر بمواصفات خاصة ليربوا كجنود تربية خاصة ليكونوا فى طاعة ولحماية الدولة المصرية، بعضهم من المغول أو الأتراك أو الأوزبك أو الشركس أو الطاجيك تعددت أعراقهم، لكن صهرتهم مصر وصاروا مصريين، وعندما استقدموا كبار السن ولم يربوا التربية العسكرية السليمة، فسدت النظم العسكرية وتصارعوا فيما بينهم على النفوذ والسلطنة والإقطاعيات فسقطت دولة المماليك فى يد العثمانيين.


فلهذا كله إطلاق غزو أو فتح أمر يحتاج إلى نقاش موسع، ولن نعتبره نحن المصريين إلا غزوا، حتى يطلق الأتراك شرارة التسامح التاريخى مع مصر، من خلال إفراجهم عما استولوا عليه من كنوز مصرية.