الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

صابر عرب: حافظنا على الوزارة من اختراق الإخوان والأزمة المالية تعرقل حركة الإنتاج الثقافى




 منذ أيام عاد الدكتور محمد صابر عرب ليشغل  منصب وزير الثقافة للمرة الرابعة  فى حكومة «محلب» فى توقيت كما وصفه بالأصعب والأسوأ، الحديث مع وزير الثقافة الجديد له مذاق خاص، فهو رجل يجيد الحوار، ويمتلك من الثقافة ما يؤهله لقراءة المشهد السياسى والثقافى.
الدكتور صابر فتح قلبه  لـ«روزاليوسف»  فى حوار غير تقليدى تحدث فيه عن رؤيته لمنصب الوزير والمهام الملقاة على عاتقه فى هذه المرحلة الاستثنائية التى تمر بها البلاد وتأثيرها على مستقبل الثقافة فى مصر.

 

■ نبدأ من آخر أزمات المشهد الثقافى هل قلت أن فتوى الأزهر عن فيلم «نوح» غير ملزمة؟


الأزهر مؤسسة لها منا كل تقدير واحترام وفتواه حول فيلم «نوح» تحترم، لكننى قلت أن الفيلم ما زال  قيد البحث والدراسة، وهو عمل فنى وإبداعى فى المقام الأول، ويخضع لمعايير فنية وإبداعية أخرى.


■ أصبح الكثير من مثقفى مصر الآن يتحدث ولا يعمل فما رأيك؟


ـ آن الأوان لكى نعمل ونجتهد لأننا نعيش حاليا فى حالة من الصخب، فنحن بلد كبير ولدينا العديد من المشاكل فى التنمية بجميع أنواعها ومنها الثقافة والعدالة الاجتماعية، إننا نواجه مشاكل حقيقية ومن الخطورة أن نتركها حتى نجد أنفسنا أمام أخطار جسيمة لا يمكن حلها، وعلينا أن نعمل بجد ولا نتكلم فقط وننقد ويجب علينا أن نحافظ على مؤسسات الدولة، فالبلد لن يتقدم بالحديث والنقد فقط إنما بالعمل الجاد والبناء والحفاظ على هوية الدولة المصرية.


■ كيف ترى وضع الثقافة منذ ثورة 25 يناير ومرورا بثوره 30 يونيو وحتى الآن؟


ـ منذ ثورة يناير والمجتمع يعيش أوضاعاً اجتماعية، وسياسية، مضطربة، بسبب جماعة تريد أن تدمر كل شىء جميل، تداهم المؤسسات والشوارع، وتحدث حالة من الارتباك بقطعها الطرق، تتصور أننا نعيش على حافة الهاوية، حتى إنها ملأت حياة عدد من المواطنين بالخوف، ولكن الشعب المصرى لن ترهبه تلك الأفعال ولن يستسلم ، فيعيش مهدداً.


■ أين دور الثقافة فى توعية المجتمع وجذب الشباب تحت لوائها لمحاولة منع العنف؟


ـ هناك قوى داخلية وخارجية تريد أن تشيع ثقافة الانهزامية فى نفوس المصريين، والثقافة لن تستطيع بمفردها مواجهه المجتمع فلابد من يساندها الإعلام والأزهر وكل مؤسسات الدولة المعنية، المرحلة تحتاج لتضافر الجميع لأن مصر بالفعل تواجه مخاطر، لكن هذه الجماعة التى اتخذت فكرها «إما أن نكون أو نحرق وندمر كل شىء» بدعوى الشرعية من وجهة نظرهم، وكأنهم لم يقرءوا شرعية نزول عشرات الملايين من المصريين ابتداء من يونيو الماضى، وأنه لولا خارطة مستقبل القوات المسلحة لنشبت حرب أهلية.


■ لكن دور الثقافة هو تنوير العقل والعمل على تثقيف المجتمع وهو دور أصبحنا لا نراه؟


ـ كما ذكرت هناك أدوارا لكل جهات الدولة، فدور وزارة الإعلام يسبقنا فى تنمية وعى المواطنين، بالإضافة إلى دور وزارة التربية والتعليم، الذى يسبق دورنا هو الآخر، وأنا لا أقول ذلك تنصلاً من المسئولية، علينا الاعتراف انه لفترة طويلة تراجع دور وزارات الثقافة والإعلام والتعليم، بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المدنى، ما تسبب فى إدخالنا فى متاهات، وضعفت الهوية الدينية والاجتماعية والثقافية، ويجب على كل المؤسسات القيام بدورها، بما فيها الجماعة الثقافية من الأدباء والشعراء، والفنانين ورجال المسرح، حتى نتمكن من حل باقى القضايا، ونقل البلد إلى مرحلة الأمان، لكن لو استمررنا فى التعامل مع الموضوعات بمنطق الملهاة، وخلق موضوعات بهدف إثارة الرأى العام، وافتراض سوء النية، والتشكيك فى كل القرارات، وإحداث ارتباك فى المشهد الوطنى الآن، سيزيد ذلك من الأزمات، والثقافة مرتبطة بالمجتمع ككل بدءا من تعليم النشء والدعاة فى المساجد نهاية برسم السياسات الثقافية لمؤسسات المجتمع، فالتعليم يكتشف المواهب الثقافية وبعد ذلك تتبنى الوزارة الاهتمام بهم وتدعمهم وتقدمهم إلى المجتمع، وتقوم الوزارة حاليا برسم السياسات الثقافية بين وزارات التعليم العالى والتربية والتعليم والأوقاف، والشباب والرياضة.


■ وأين دور النخبة المثقفة، باعتبارها حائط الصد أمام شيوع هذه الثقافة فهى الوحيد التى لها دور مهم فى تلك المرحلة؟


ـ الجماعة الوطنية المثقفة الواعية لا بد من اضطلاعها بدورها من خلال بعثها رسالة وعى إلى المجتمع، لأنه أمامنا أشياء كثيرة أخطرها تلك الجماعة، التى تريد أن تعيد العجلة إلى الوراء.


■ تواجه وزارة الثقافة أزمة مالية كبيرة بعد فصل الآثار عنها.. فهل هناك بدائل للتغلب على هذه الأزمة؟


ـ بالفعل لدينا مشكلة كبيرة للغاية  فى التمويل، بسبب ضعف ميزانية صندوق التنمية الثقافية، الذى كان يمول من عائد الآثار، وكان يتم استغلال تلك الميزانية، للقيام بأعمال تطوير المسارح والمكتبات والمتاحف، فى حالة عدم توافر ميزانية من الحكومة، والمشكلة الأكبر أنه تم دمج الصندوق كقطاع من قطاعات الوزارة، بما فيه من كوادر وموظفين وعمال، دون إدراجهم فى موازنة الدولة، ولا فى موازنة وزارة الآثار، فالمشكلة لا بد أن تحل، وخاطبنا وزارة الآثار ومجلس الوزراء، ولن نمل من المطالبات، لأنه لا يعنى انفصال «الآثار» عن الثقافة أننا فى دولة غير الدولة، فـ«الآثار» و«الثقافة» تشكلان المنظومة الثقافية فى مصر ولا بدائل قبل تحسن الوضع الاقتصادى فنحن نعمل بأقل الإمكانيات وبالإيمان بالهدف ستحقق .


■ بصراحة شديدة كيف ترى حال الثقافة فى مصر؟


ـ الجميع يتحدثون عن الثقافة بكونها مرآة المجتمع والتى تعكس كل ما فيه، والنهوض بها لابد أن يكون له معايير، منها الارتقاء بالتعليم أولًا، فلا يجوز أن تكون هناك ثقافة بلا نهضة تعليمية، وعندما جئت للوزارة كان فى ذهنى أشياء كثيرة، ورغم علمى ببواطن الأمور فى كل قطاعاتها بحكم أننى أعمل فيها منذ 12 عامًا لكننى جئت.فى فترة حرجة وحساسة الناس فيها فى حاله غضب والغضبان لا تستطيع أمامه أن تفكر جيدًا، فكان لابد من أن تعمل على تهدئة الأوضاع لكى تستطيع رؤية كل ما هو حولك فى هدوء من أجل وضع ما هو يساهم فى دعم الثقافة.


■ هل أصاب الانقسام وزارة الثقافة مثلما أصاب المجتمع كله؟


ـ وزاره الثقافة أقل قطاعات الدولة تأثراً بهذا الانقسام، لأننا طوال عام حكم الإخوان حاولنا الحفاظ على كيان وزارة الثقافة من الاختراق، وحافظنا على رسالتها الثقافية، كى لا تنحرف إلى الفكرة، التى كان يروج لها الإخوان، لهذا فنحن فى مأمن بعيداً عن الخلاف الوطنى القائم. بالإضافة إلى أننا لن نحول المجتمع إلى جماعة كبيرة تواجه جماعة أصغر، لأن الفارق بين مصر وباقى الدول التى حدثت بها ثورات أن مصر لديها مؤسسات استطاعت المحافظة على مفاصل الدولة.


■ كم عدد إصدارات وزارة الثقافة سنويا؟


وزارة الثقافة تصدر نحو 1300 كتاب سنويا، وبعض تلك الكتب يكون أكثر من 3 إلى 4 مجلدات للأعمال التراثية، والتى تصدر عن قصور الثقافة وهيئة الكتاب، ووزارة الثقافة من أكبر جهات النشر فى مصر، وتقوم بدعم الكتاب، لنشر الوعى الثقافى المجتمعى، لدرجة أن سعر نفس الكتاب عندما ينشر فى دور نشر خاصة يكون ثلاثة أضعاف ثمنه.


■ وأين ملف السينما فى أجندة وزير الثقافة؟


ـ شهدت الفترة الماضية عده اجتماعات مع مجموعة من المعنيين بالسينما، وكان اجتماعا أقرب إلى التعرف على المشاكل، وانتهينا إلى وضع دراسات وملفات حول المشكلات الحالية للسينما من مشكلات خاصة باللوائح والقانون، الذى يعوق العمل السينمائى، ونحن كجهة حكومية نعمل على تقديم برنامج فيما يتعلق بالتشريع، وتسهيلات التصوير والدعم، فقد بدأنا مشروعا، وسنكمله وأعتقد أنه سيعود بمردود كبير على السينما، لأنه لا بد من وجود شباك واحد، ورسوم واحدة يدفعها المنتج السينمائى، حتى لا يشتت جهده.


■ ماذا عن المسرح؟


ـ حصلنا على موافقة من وزارة التخطيط بدعم إنشاءات المسرح القومى، والمسرح الكبير بطنطا،وأوبرا المنصورة ودار الكتب والوثائق الجديدة والتى يتم إنشائها بتمويل من الشيخ القاسمى، وسوف يتم الانتهاء من العديد من المشروعات الهامة والكبرى  خلال ميزانية العام الحال، وسوف يتم تشغيلهما بمجرد الانتهاء منهما، لأنه لا بد من تهيئة المسارح كى تقدم عليها الأعمال الجادة.


■ ما حجم الدعم المقدم للثقافة الحرة، والفرق المستقلة؟


ـ نحن نحاول البقاء على تواصل دائم مع الفرق المستقلة من خلال توفير الدعم الفنى لها، واستضافة فعالياتها، التى كان آخرها مهرجان آفاق المسرحية، فنحن ندعم قدر استطاعتنا، ونتمنى أن ندعم كل شاب لديه موهبة، لكن لدينا قدرات محدودة، وقد اختنقنا منذ أن نضبت موارد صندوق التنمية الثقافية، ونحن لا نستطيع تأدية وظيفتنا، بسبب ضعف الإمكانيات، وهو ما يضطرنا إلى لجان فرز الأعمال المقدمة، لاختيار الأعمال الفنية، التى يتم دعمها سواء كتابا أو معرض فن تشكيلى.


■ إذا لما غضب  جمعيات المجتمع المدنى من الوزارة؟


ـ لان بعض هذه الجمعيات تريد تمويل من الوزارة ماديا فمن حق الوزارة معرفه أين ستنفق هذه الأموال وهو ما ترفضه تلك الجمعيات والوزارة على استعداد دعم كل المشاريع الثقافية دعم لوجيستى ولكن هذه الجمعيات تبحث عن سببوة.


■ ألا ترى أن هيئة قصور الثقافة إحدى أهم النوافذ الثقافية لا تقوم بدورها تجاه الجنوب؟


ـ الجنوب والأقاليم المتطرفة بعيدة فعلًا عن الإبداع الثقافى ولابد من هيئة قصور الثقافة أحد أهم النوافذ الثقافية بالفعل الانتباه لها، وذلك لأهمية الجنوب وما يكنزه من مواهب وعقليات فى جميع المجالات؛ لأن الثقافة ليست القاهرة، بل ضواحيها هى الأهم لأنها فاقدة للنوافذ الثقافية التى يحظى بها سكان الحضر والبحث فى هويتهم أمر لا شك أنه سيخدم الثقافة؛ لأنه بذلك تصنع جيلًا جديدًا يملك الأفكار والرؤى الجديدة فى هذا المجال.


> متى تتحول الثقافة إلى منتجة مثلما يحدث فى دول العالم المتقدم؟


ـ عندما يكون للمجتمع دور معها؛ فالتجارب فى العالم أثبتت أن للمجتمع دورًا كبيرًا جدًّا إذا استخدمنا كل أدواته الفلكلورية التى تمثل فى خامات الطبيعة منها الحرف اليدوية، فهى أحد أعمدة الاقتصاد فى أى دولة، شرط استخدامها بطريقة صحيحة لأنها تمثل الثقافة والدخل. المشكلة أننا لدينا خصومة مع التاريخ فالأمير محمد على صنع النهضة الحديثة، منفقًا كل ما لدى الدولة من أجلها، ولكنه ترك موارد تستطيع إعادة ما أنفقه أضعاف مضاعفة، وهذا الأمر يعطينا الدلالة على أهمية استخدام كل مواردنا التراثية التى تكتنز بها مصر من أجل بناء مجتمع ثقافى متطور منتج وليس مستهلكًا فقط.


■ عملت مع الوزير فاروق حسنى سنوات طويلة ألم تستعين بإحدى خططه فى تطوير الثقافة؟


ـ الفنان فاروق حسنى نموذج للوزير المثقف لديه رؤية، ولكن لم يكن لديه أدوات منفذة لخدمة المجتمع. إذا أردنا أن نصنع وطنًا لابد من وجود قواعد شرعية وديمقراطية وعدالة؛ فالمجتمع يفتقد العدل فلو تحقق ذلك سيحيا المجتمع وتتولد لديه الطاقة للمعرفة، خاصة أن المصرى بطبعه يميل إليها، ولتفعيل ذلك يجب عمل مجلس أمناء فى كل قرية ومركز من أهاليهم، لأنهم الأجدر والأحق بتنمية وتثقيف سكانها.


■ هل سيتم إحياء مشروع القاهرة التاريخية من بينها تطوير ميدان التحرير؟


- بالفعل سيقوم جهاز الحضارى، برئاسة المهندس محمد أبوسعدة بعمليه إعادة دراسة وهيكله لإحياء هذا المشروع القومى فانا أثق فى عقليه أبوسعدة خاصة وأنه يعمل فى مجال تخصصه ودراسته وبالفعل تم التنسيق مع محافظه القاهرة على تطوير الميدان من خلال الاستعانة بمجموعة من الاستشاريين، الذين قاموا بعمل دراسة متكاملة عن تطوير الميدان، فى إطار دور الجهاز لتقديم الرؤية والتصور وننتظر الممول لأننا لسنا جهة تمويل.


■ هل وجدتم حل لمشكلة توزيع الكتب التى تصدرها بعض القطاعات؟


ـ نحن نبحث حالياً عن توفير منفذ لبيع كتب الوزارة فى كل عاصمة لكل محافظة، وسيتم الاجتماع خلال الأسبوع المقبل مع كل رؤساء الهيئات، لتحقيق هذه الخطة، بهدف ضم كل الكتب المنشورة فى كل قطاعات الوزارة، بمجرد صدورها داخل تلك المكتبات فى كل المحافظات وبالفعل سيقوم المجلس الأعلى بالتنسيق مع مؤسسه الأهرام لتولى هذه المسألة.


■ وما نتائج قطع العلاقات  مع تركيا؟


ـ الإدارة التركية أو الحكومة ممثلة فى رئيس الوزراء وقعت فى خطأ تاريخى عندما ربطت مصالح تركيا كشعب بحزب أو جماعة سياسية، لأن الأحزاب تنتهى لكن الدول والشعوب تبقى.
والعلاقات المصرية التركية علاقات وثيقة تجاوز عمرها عقودا طويلة، حيث ارتبطنا ثقافياً وسياسياً واجتماعياً وفنياً وأدبياً وتاريخياً وكان المزاج المصرى أقرب ما يكون إلى التركى، ولكن عندما يقرر أن سقوط فصيل سياسى يتخذ من الدين وسيلة، وأن علاقته بمصر لا تقوم إلا من خلال هذه الجماعة، فإنه أخطأ سياسيا، وأعتقد أن الشعب التركى نفسه هو من سيحاكم رئيس وزرائه، كما أن التاريخ سيحاكمه أيضا على هذا الخطأ فى العلاقات بين مصر وتركيا.
حوار: وليد الدرملى