الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

مقياس النيل .. أقدم أثر إسلامى بعد جامع عمرو بن العاص




كتبت – هاجر كمال


  «مصر هبة النيل» قالها هيرودوت عندما زار مصر وتعرف على أحوالها وأحوال شعبها، حيث وجد أن النيل شريان الحياة الأساسى بأرضها، لذا كان من الطبيعى الاهتمام بنهر النيل وبناء مقياس لتحديد منسوب المياه.


جاء اختيار مكان «مقياس النيل» بالمنيل فى عصر الخليفة العباسى المتوكل بهدف تحديد قيمة الضرائب على المصريين من خلال ارتفاع مستوى النيل وحجم الفيضان، ومن ثم معرفة نوعية المحاصيل التى سوف تزرع وتقدير رسوم ‏الضرائب عليها، ولكن بعد انشاء السد العالى اختفى دور مقياس ‏النيل، الذى يعتبر ثانى أقدم اثر اسلامى فى مصر بعد جامع ‏عمرو ‏بن ‏العاص، وكان لفيضان النيل أهمية كبرى فى الحياة المصرية القديمة، وكان يحدث بصورة دورية فى فصل الصيف من كل عام، ويقع مقياس النيل اخر شارع الملك

الصالح بجزيرة الروضة، فى المنيل، وقام ببناء المقياس العالم الاسلامى أحمد الفرغانى، الذى قدم من مدينة فرغانة بأوزبكستان، ويوجد تمثال للمهندس الاسلامى احمد الفرغانى امام المقياس، يتكون مقياس النيل من عمود رخامى مدرج يتوسط بئرا مربعة من الحجر مساحتها 6.20 مترا مربعا وبها درج يوصل الى القاع، يجرى حول حوائطه الداخلية، ويتصل مقياس النيل بواسطة ثلاث فتحات

تجرى بالقرب من القاع، وهى على شكل عقود مدببة ترتكز على أعمدة متصلة ذات تيجان كورنثية وقواعد رمانية مقلوبة، ونقشت على جدران البئر من الداخل وفوق عقوده آيات قرآنية مكتوبة بالخط الكوفى، وهى تناسب ما يتصل بالزرع والماء، وتعتبر هذه الكتابات أقدم أمثلة للكتابة الكوفية المؤرخة على الآثار فى مصر الإسلامية، كما ان العقود المدببة تعتبر اقدم امثلة من هذا النوع فى مصر، والعمود المدرج عليه كتابات بالخط الكوفى واعلاه مدون عليه رقم تسع عشرة ذراعا وقطع العمود مثمن وتاجه من الطراز المركب الرومانى، وثبت فى العمود فى وسط البئر بواسطة عقدين يرتكزان على حوائط البئر من الداخل وكان مثبتا قبل ذلك بواسطة كمرة أفقية عليها كتابات بالخط الكوفى باللونين الأزرق والذهبى، وقد قام أحمد بن طولون باصلاح هذا المقياس فى عهده وأزال بعض الكتابات ووضع اسمه عليها ولكنه ترك عليها التاريخ الاصلى، ويذكر ان القبة الموجودة اعلى المقياس قد تم انشاؤها فى العصر العثمانى.


وفى سنة 1925 م حدث هبوط فى العمود بقدر ثلاثة سم ثم زاد الهبوط الى ستة فقامت مصلحة المبانى وتفتيش رى الجيزة بالاشتراك مع لجنة حفظ الاثار العربية باتخاذ الاحتياطات اللازمة لإيقاف الهبوط عند هذا الحد، كما اقيم فى السنوات الاخيرة غطاء هرمى الشكل للمقياس من الخارج وتمت بعض الاصلاحات له من الداخل، ولا يستخدم هذا المقياس حاليا لقياس الفيضان وذلك لعدم وجود فيضان بعد انشاء السد العالى.


وتعددت المقاييس التى أقيمت على طول نهر النيل، ومنها مقياس «بأنصنا» وآخر «بمنف» ومقياس «بقصر الشمع» وغيرها من المقاييس والتى توقف العمل بها سنة 247 هـ، حيث أقيم مقياس النيل بالروضة وتم الاعتماد عليه.
وعرف قديما الموظف المسئول عن المقياس باسم «صاحب المقياس» وكان يقيس الزيادة بالمقياس كل يوم عصرا، كما كان يقارن مستوى الزيادة فى الماء كل يوم بما قبله من ذلك اليوم فى العام المنتهي، حيث تدون هذه القراءات فى سجل يرفع إلى أولى الأمر (قيادات الدولة) ويظل الأمر سرا إذ انحط مقدار الماء عن المقدار المطلوب حيث يجب ألا يعلم الناس بذلك ولكن عندما يبلغ الماء ستة عشر ذراعا أو 8.4 متر أو 5ر27 قدم تعم البشرى بذلك ويحتفل الناس بهذه الزيادة.