الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مثقفون: محاكمة المبدعين انتقامية ... ولا تتوافق مع دستورنا الجديد




كتبت – تغريد الصبان
 

جاء تأييد الحكم القضائى بحبس الكاتب كرم صابر خمس سنوات لاتهامه بازدراء الأديان، صدمة أذهلت المثقفين الذين وافقت غالبيتهم على دستور مصر الجديد 2014 لإقراره تفصيليا بحماية الفكر والإبداع، قابلوه برفض شديد لعودة عهود القهر والاستبداد والمطاردة والقمع فيما يخص قضايا حرية التعبير خاصة أنها لازمة للدفاع عن الكرامة الإنسانية وعن أمانى الجماهير التى عانت طويلا من البطش والاستغلال، ورغبتها فى أن تشهد فى السنوات المقبلة معالم حياة جديدة تشرق عليها شمس الحرية والرخاء، ولن يكون ذلك إلا فى ظل قضاء عادل ومستنير ونبيل وعطوف.

قال الدكتور مدحت الجيار أستاذ الأدب العربى بجامعة الزقازيق عن محاكمة صابر: إن محاكمة الأدباء والكتاب على نصوصهم هى محاكمات انتقائية انتقامية تأتى على حسب شخصية الأديب وليس على حساب النص وليس النص إلا تكئة لهذه المحاكمات، والتى قد يكون المقصود منها تعطيل الكاتب عن مشروعه وابداعه، سؤال «اين الله» للإمام مالك من قبل حول تأويل آية الكرسى من سورة

البقرة، اهم ما فى هذه القضية وينسفها هو ان الواقعية فى الأدب اختيار ووجهة نظر وليس معنى اختيار الكاتب المشهد أو الشخصية انه متضامن معها لأن المقصود من الاختيار هو تعرية الواقع وفضحه وكشفه، وقد يكون القصد من هذا الاختيار هو ادانة النموذج او المشهد الواقعى ونقده بتعريته، والسياقات التى اختارها الكاتب هى سياقات توضح السخرية مما هو مختار لفضحه وتعريته وادانته فالسخرية والتهكم يعتمدان على وضع المتناقضين فى لحظة واحدة وهذا هو مصدر الفكاهة.


بينما الكاتب والناقد شعبان يوسف يقول: سؤال «أين الله» لم يخترعه الكاتب والأديب كرم صابر عندما أطلقه على مجموعته القصصية ولكن الجديد انه استخدم ابعادا اجتماعية لاثارة هذا السؤال الفلسفى العميق الذى حير الفلاسفة والعلماء من قبل ولكنه كذلك من الممكن أن يطرحه الاطفال وتطرحه النماذج الاجتماعية المطحونة وعند اول كارثة يتعرض لها الانسان يسأل اين الله اين الله الذى يخلص هذ الإنسان من ذلك الظلم الذى يحيق بالبشر ومن يستطيع ان يرفع هذا الظلم سوى الله؟ بالطبع لا احد سواه.


وهنا يستدعى الكاتب كافة ادوات الطبيعة الاولى فهو كاتب يستنهض الحس مباشرة ويجنده ادبيا فى اكتشاف الانسان لذاته وللعالم المحيط به، فالارض والزرع والحيوان والفلاح رباعى مركب ويفرض نفسه بقوة وتدور العلاقات بين هذه العناصر دوما ولذلك فإيمان هذا الفلاح يختلف عن إيمان بقية الناس فالله لا يحتاج منا ان نذهب الى اماكن العبادة لكى نعبده أليس العمل عبادة فعلا؟ ام انها شعارات للاستهلاك؟!


أما الناقدة سامية ابو زيد فتوضح رؤيتها للعمل الأدبى قائلة: فى مجموعته القصصية اين الله والتى اتخذها البعض ذريعة للارهاب الفكرى والتنكيل به وحبسه يحاول كرم صابر ان ينقل لنا مشاعر اهل الريف وتساؤلاتهم وريفيتهم وقد تبدو المجموعة للوهلة الاولى معنية بالشأن الالهى لكنها فى الامر معنية بمسألة العدالة الاجتماعية والحرية والحب، وكلها فى زعم ابطاله وجوه للايمان الحق بالخالق.


إذ يستهل المجموعة بمناجاة للرب وتلمس رحمته فأين الالحاد فى ذلك وإن حملت المناجاة بعض العتاب؟ الا يكون العتاب من المحب للمحبوب؟ ثم يستعرض لنا فى القصة الاولى (النوم فى الصلاة) ثلاثة نماذج من اسرة واحدة يتفاوت لدى كل منهم مفهومه عن الايمان، فنرى البساطة والتسليم بايمان القلب اولا لدى ام عبدالله وعلى النقيض نجد الالتزام الشكلى بالدين وطقوسه لدى ابى عبد الله لينتهى الامر بعبدالله ابنهما منافقا لا يتورع عن الصلاة بغير وضوء لينتهى به الامر مفضوحا بالنوم فى المسجد اثناء الصلاة.


تردف أبوزيد قائلة: وفى ظنى ان جريمة المؤلف الحقيقية هى التحريض على التفكير ومحاولة فهم الاله دون وصاية المفسرين والمبشرين، بل ان معروف لا يتورع عن رمى الصارخين فى الجوامع بالكفر والجهل ورغم ذلك فهم يلجئون له لانهم يحتاجون الى عمله لدرايته الواسعة بالفلاحة التى تمثل محورا رئيسيا فى المجموعة.


تكمل: وفى هذه القصة نلمس ميل الكاتب للعدالة الاجتماعية فى اشارة بارعة حين نفقت جاموسة معروف فى الترعة فصوب وجهه نحو الغرب ليسب الشيطان الذى طمع فى جاموسته، ولكن اى شيطان يعنى؟ فلو انه يوجه كلامه لله لولى وجهه شطر المشرق حيث القبلتين ولكنه ولاه شطر المغرب حيث تقع الشمس بين قرنى الشيطان ليسبه، ولا يفوتنا استحضار عبارة  الشيطان الاكبر الموصومة بها امريكا معقل الرأسمالية المتوحشة.


الناشط الحقوقى والمحامى حمدى الأسيوطى ذو الخبرة الطويلة فى هذا النوع من القضايا وهو محامى الدفاع عن الكاتب، يوضح هذا الالتباس ما بين الحكم وبين النص الدستورى قائلا: القضايا والأحكام التى تعددت فى المرحلة الأخيرة وآخرها قضية الكاتب كرم صابر، تجعلنا نحاول ان نتفهم هذا الالتباس بين النص الدستورى الخاص بحرية الاعتقاد وبين نصوص قانون العقوبات التى تتعارض مع النص الدستورى وتهدمه، فجرائم التعدى على الأديان بخاصة جريمة ازدراء الأديان ترتبط بممارسة الحق فى الاعتقاد باعتباره حقًا من

الحقوق التى نص عليها الدستور المصرى وسنتوقف قليلا فى نظرة سريعة حول حرية الاعتقاد فى الدساتير المصرية وموقف المحكمة الدستورية العليا من هذا الحق وكذلك موقف قضاء مجلس الدولة، فالدستور هو القانون الاساسى للدولة الذى يخضع له الحاكم والمحكوم، ويجب ان يتقيد الحاكم بما تضمنه الدستور وان يستمد سلطاته من الشعب بوصفه مصدر السلطات، لكننا نخرج من كل هذه النصوص بأنها قد  تساوى الحبر الذى كتبت به! أو أنها مجرد أيقونة نتبارك بها وفى الواقع تهدر بأقل مادة فى قانون العقوبات فى حرية للاعتقاد مطلقة ولا حرية لممارسة الشعائر الدينية مطلقة حتى للأديان الثلاثة السماوية المعترف بها.


أضاف الأسيوطي: المحكمة استندت إلى نص غير دستورى لجريمة ازدراء الأديان، وهو نص المادة 98 التى جاءت فى ظرف تاريخى بالغ القسوة وحشرت حشرا فيما أطلق عليه القانون رقم 29 لسنة 1982 بعد اغتيال السادات وتفشى ظاهرة الإسلام السياسى واستخدام منابر المساجد لبث أفكار متطرفة وإذكاء روح التعصب والفتنة الطائفية ولذلك جاءت المادة 98فقرة الخاصة بازدراء الاديان وسط مجموعة من المواد الواردة فى القسم الخاص بجرائم الاعتداء على أمن الدولة (الحكومة) من الداخل ولم تأت من بين جرائم

الاعتداء على الأديان. وهونص يتعارض مع شرعية الجرائم والعقوبات الذى يفرض اختيار المشرع لعبارات محددة وواضحة تمنع أى سلطة تقديرية مطلقة للقاضى فى تحديد أركان الجريمة، حتى يعرف المواطن حقوقه وواجباته بوضوح فلا يرتكب فعلا يكتشف فيما بعد انه جريمة، ولقد انطوى نص المادة 98 على مفردات عديدة اتسمت بالغموض الشديد مثل استغلال الدين أفكار متطرفة – إثارة الفتنة – الإضرار بالوحدة الوطنية، وهذا ما يتعارض مع مبدأ شخصية العقوبة وانه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.


يؤكد الأسيوطى أنه سيستأنف القضية مرة أخرى أمام دائرة قضائية مختلفة، وقد يتبرأ صابر من تلك التهمة المنسوبة إليه، وهو ما تسعى إليه أيضا لجنة التضامن مع الكاتب التى تحشد على كل المستويات من أجل إعادة النظر فى تهمة ازدراء الأديان، التى لا محل لها من الإعراب الآن ولا يجب أن تظل السيف المسلط على رقبة الإبداع والفكر.