الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

بعد اتساع الجدل حول «نهر الكونغو» : النيابة الإدارية تفتح التحقيق فى الترويج للمشروع




 تحقيق ــ ولاء حسين

فى الوقت الذى تواصل فيه إثيوبيا العمل ليل نهار لتنتهى من «سد الألفية»، إذ انتهت بالفعل من 30٪ من أعمال الإنشاءات الخاصة، ليتحول شمال إثيوبيا إلى موقع بناء عملاق على مساحة 1800 كيلو متر مربع، وبتكلفة تصل إلى 4.7 مليار دولار أمريكى، وعمالة بعدد 8500 شخص. يرتفع الجدل داخل مصر حول مشروع بديل بعيداً عن وضع حلول جادة لأزمة سد الألفية.


المشروع البديل يحمل اسم «نهر الكونغو» الذى يهدف لربط نهر الكونغو بنهر النيل، ومع ظهور آراء خبراء تعارض بشدة هذا المشروع بسبب مشكلات فنية واقتصادية وكذلك سياسية وقانونية، فإن حالة من الترويج لهذا المشروع داخل مصر دفعت  الجهات الرقابية إلى فتح ملف للتحقيق فى حقيقة مشروع ربط نهر النيل بالكونغو، وذلك بعدما انتهت فرق عمل من الخبراء بجامعات القاهرة والإسكندرية والمنصورة من إعداد دراسات مبدئية للمشروع توصى بضرورة اغلاق الملف، وبعدما توصلت لنتائج مخيبة للآمال، وفى ضوء ما أثير مؤخراً عن اتجاه الحكومة لتبنى المشروع من خلال إعلان وزارة الرى المشاركة فى الدراسات الفنية الخاصة به.. ورغم أن النماذج والخرائط الرقمية لبحث مسار المشروع للدراسات المختلفة للخبراء بالجامعات المصرية انتهت إلى  استحالة تنفيذ المشروع.


فإن مصادر خاصة كشفت لــ«روزاليوسف» عن أن النيابة الإدارية تعمل على تقصى حقيقة الترويج للمشروع، وبعدما تلقت العديد من الشكاوى وباعتبار أن الأمر يتعلق بالأمن القومى المصرى.


«روزاليوسف» حصلت على النتائج الخاصة بإحدى الدراسات الثلاث التى تثبت وهمية الفكرة، والتى أجراها د.علاء ياسين استاذ الهيدروليكا ورئيس قسم الرى الأسبق بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية، والتى انتهت إلى تسجيل توصية خاصة فى نهايتها بأن تنفيذ مشروع ربط نهر النيل بالكونغو هو أمر «خيالى»، ومن المقرر ان ترفع هذه الدراسة إلى الجهات المعنية بالدولة.
وكذلك أن توصيل 120 مليار متر مكعب سنوياً من مياه نهر الكونغو لنهر النيل وإيصال هذه الكمية الهائلة لمصر هو مشروع خيالى ولن يتم تنفيذه لأسباب فنية واقتصادية وسياسية وقانونية.


وبينت الدراسة أن مسار ربط نهر الكونغو بأحد فروع النيل بجنوب السودان يمر بهضبة جبلية بارتفاع لا يقل عن 200 متر وهو الأمر الذى يتطلب إنشاء مجموعة من محطات الرفع العملاقة لضخ المياه خلال خطوط أنابيب تمتد لمئات الكيلومترات، وتقدر تكلفة محطات الرفع نحو 250 مليار جنيه والتى تحتاج لقدرة كهربية لا تقل عن 20 ألف ميجا وات لتشغيلها وهى قدرة تقترب من القدرة الكهربية المتاحة فى مصر حاليا والتى تبلغ 24 ألف ميجا وات، ونظرا لعدم توافر هذه القدرة الكهربية فى الكونغو فى الوقت الحاضر فإن الأمر يتطلب إنشاء محطات توليد للكهرباء بتكلفة لن تقل عن 140 مليار جنيه.


وأضافت الدراسة  أن نقل المياه من نهر الكونغو سيتطلب استخدام أكثر من 250 أنبوبا بقطر 3.0 متر بطول مئات الكيلومترات وبتكلفة لن تقل عن 1950 مليار جنيه.


وأشارت الدراسة الى أن مسار المشروع بعد ذلك يمر بمناطق السدود النباتية وهى من أكبر المستنقعات التى تتجاوز مساحتها 10 الاف كيلو مترا مربع والتى ينتشر بها ورد النيل والعديد من النباتات حيث تفقد بهذه المناطق كميات هائلة من المياه بالبخر وهى منطقة سيكون عبورها بكمية 120 مليار صعبا ومكلفا للغاية، وبهذه المنطقة تعذر استكمال شق قناة جونجلى منذ السبعينيات رغم حفر أكثر من 75 بالمائة من قناة المشروع، وذلك بسبب رفض القبائل له.


 وتستكمل الدراسة الشرح التفصيلى بأنه بعد ذلك يتجه المسار للمشروع شمالا نحو أسوان عن طريق انشاء مجرى مائى ضخم أكبر كثيرا من نهر النيل بطول أكثر من 1700 كيلومتر مع انشاء مجموعة كبيرة من المنشآت المائية أسوة بنهر النيل ولن يكون متاحا تدفق هذه الكمية الهائلة من المياه إلى بحيرة ناصر وذلك بتكلفة مئات المليارات من الجنيهات. بعد أسوان سيتم أيضا انشاء نهر جديد بطول مئات الكيلومترات يتجه شمالا حيث لا يستوعب نهر النيل فى مصر أى كميات إضافية من المياه.


 وقال د.علاء ياسين: إن تكلفة المشروع التى تتضمن نقل كمية هائلة من المياه تبلغ أكثر من ضعف حصة مصر الحالية لمسافة نحو 3000 كيلو متر هى تكلفة ضخمة للغاية علاوة على العديد من المشاكل الفنية والسياسية والقانونية وعلى ذلك فإن هذا المشروع لن يرى النور، وينبغى التركيز الآن على إيجاد حل لمشكلة سد النهضة وعدم إلهاء المصريين بمشاريع خيالية تشغلهم عن المشكلة الرئيسية مع ضرورة الاستفادة من أخطاء السنوات الثلاث الماضية فى أسلوب التعامل مع مشكلة سد النهضة الإثيوبى.


وزير الرى الأسبق د.محمد نصر الدين علام  أوضح أن المشروع هو بمثابة بيع الترماى للمصريين فمن الناحية الفنية للمشروع فنهر الكونغو حوض دولى تشترك فيه عشر دول،  ويتطلب المشروع  رفع المياه بارتفاع من 200 متر إلى 300 متر باستخدام طلمبات تطلب طاقة كهربائية غير موجودة بالكونغو لانها تطلب طاقة كهربائية تقدر بمرتين ونصف المرة مثل سد النهضة أى اننا نحتاج إلى بناء ثلاثة سدود فى الكونغو من اجل رفع المياه فقط، وتكلفة هذه السدود تقدر بعشرين مليار دولار فوق منطقه جبلية امتدادها 600 كيلو متر ويتم الرفع لكمية مياه تقدر بـ «110 مليار متر» مكعب اى ضعفى نهر النيل.


ولفت إلى أنه اذا تمكنا من الوصول بالمياه من الكونغو الى السودان وتخطينا بها الجبال سنحتاج الى المرور  فى منطقة البرك والمستنقعات والذى يتطلب حفر نهر مثل نهر النيل مرتين لمسافة 2500 كيلو متر، او توسعة النهر فى هذه المنطقة، مشيرا إلى أن الأمر لا يعقل ان يتم فى ثلاثين شهرا وبتكلفة 7 مليارات جنيه مثلما هو مطروح من خلال المروجين للمشروع، وهذا المشروع تكلفته لا تقل عن تريليون جنيه ويستمر لعقود عديدة.


وأضاف وزير الرى الأسبق: إنه لو افترضنا تذليل جميع العقبات الفنية والمالية لتنفيذ هذا المشروع فسنكون أمام مأزق قانونى خاص بأننا نخالف مبدأ وقاعدة دولية تمنع نقل مياه حوض نهر إلى خارج أراضى الدولة التى تجرى بها، وحوض نهر الكونغو له روافد بعدد من الدول الإفريقية هى الكاميرون وغينيا وأفريقيا الوسطى، وهو ما يعطى الحق لأى من دول منابع النيل بتصدير وبيع مياه النيل إلى أى دولة، ولقد طالبت إسرائيل من قبل بتوصيل مياه النيل الى اراضيها وشرائه باعتباره سلعة تباع وتشترى وتحدثت اثيوبيا حول امكانية بيع اى دولة لحصتها المائية خلال مفاوضات اتفاقية النيل التى رفضت مصر التوقيع عليها، ومحاضر الاجتماعات مثبت بها هذا الأمر.


وشدد على انه يطالب الجهات المعنية والنائب العام بمحاسبة من جعل هذا الوهم حلم للمصريين، وباعتباره أمراً يمس الأمن القومى لمصر، وحيث أن المشروع غير مدعوم  بدراسات جدوى، ويعتمد تنفيذه على  صور خرائط من موقع جوجل تكلفتها ربع جنيه، وأما على الجانب السياسى فإنه يتطلب موافقة دول عديدة كما لا نستطيع ان نغفل الحرب الأهلية فى جنوب السودان والمشاكل المتعلقة بشمال السودان والخطر الأكبر هو مطالبة إسرائيل بمياه من حوض النيل مثلما اخذت مصر مياه من حوض الكونغو.


 وكانت هيئة الثروة المعدنية قد أعلنت قبل عامين عن دراسة شاملة أجرتها  من خلال مراجعة الخرائط الجيولوجية الخاصة بحوض نهر النيل، والتى كشفت وجود تلامس فعلى بين حوض نهر النيل ونهر الكونغو، وهى الدراسة التى يعتمد عليها فريق الدكتور ابراهيم الفيومى فى طرحه للمشروع ، والتى كانت قد وضعت 3 سيناريوهات مقترحة لتحديد مسار المياه، وانتهت الى المسار المعلن عنه حالياً.


وزير الموارد المائية والرى د.محمد عبد المطلب أكد لــ «روزاليوسف»: إننا ندرس المشروع فنيا، ونعمل مع فريق الدكتور ابراهيم الفيومى فى اطار الدراسات الفنية والتقنية الخاصة بامكانية تنفيذ المشروع  من عدمه، بينما الامور الأخرى والمتعلقة بالقوانين الدولية فهى ليست من اختصاص وزارة الرى، وسنعمل فقط على وضع التصور والتصميمات لمعرفة امكانية التنفيذ بينما سنترك الأمور الأخرى للمتخصصين والجهات المعنية بدراسة الأمر من الناحية القانونية، ونحن لم نغير موقفنا من المشروع من الرفض إلى القبول، وانما نحن نمر بمرحلة تتطلب منا أن نكون مع أى شيء من شأنه أن يعمل على زيادة حصتنا.