الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إبداع




شعراؤنا شموس فى سماء الإبداع ينيرون لنا ببصيرتهم وبصرهم طريقنا ويخبروننا ما لم نخبره فيما فاتنا من أمورنا الحياتية فهم بمثابة توثيق وشهادة على عصرهم ونحن نخصص هذه المساحة من الإبداع للاحتفال بالشاعر والناقد اللبنانى يوسف الخال (1917 - 1987) درس الفلسفة إلى أن تخرج بدرجة بكالوريوس علوم، أنشأ فى بيروت دار الكتاب، وبدأت هذه الدار نشاطها بإصدار مجلة صوت امرأة التى تسلم الخال تحريرها، بالإضافة إلى إدارة الدار حتى عام 1948، سافر عام 1948 إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعمل فى الأمانة العامة للأمم المتحدة فى دائرة الصحافة والنشر، أنشأ مجلة «شعر» الفصلية التى لعبت دوراً كبيراً فى الحداثة الشعرية وكانت منبراً لنخبة من الشعراء المحدثين والتى صدرت بين العام 1957 والعام 1964 ثم استأنفت الظهور فى أول 1967 وأعيد طبع مجموعتها كاملة بالأوفست فى 11 مجلّداً.
يصاحب قصائد «الخال» لوحات الفنان العالمى فان جوخ (30 مارس 1853 - 29 يوليو 1890) كان رساماً هولندياً، تتضمن رسومه بعضاً من أكثر القطع شهرة وشعبية وأغلاها سعراً فى العالم.

 

يا قمر

لا تسلْ عنى، فماضيَّ طَلَلْ
وغدى أَنقاضُهُ، لا، لا تسلْ
أَنت فى جوّك دنيا أَمل
آه لو تمنحنى بعض أَمل:
أَنا إِنْ لم أَجمع الكون على
راحتى مثلك، فالعمر فشل.
هاتِهِ من كبد الدهر غداً
باسماً أَعذب من رشف القُبل:
فإذا بى شعلة تمحو الدُّجى
وإِذا بى يقظة تطوى الأَزل
وإذا بى أَجتنى الحبّ كما
يجتنى النحلُ من الزهر العسل.
أَنا فى دنيايَ كالليلِ، تُرى
هل يعى نورُك فى دنيايَ هَلْ؟
لا أُبالى : غمرتنى ظلمة،
أَم أَسى الدنيا على قلبى أَطلّ ؟
إِنَّ فى قلبيَ للحبِ رؤىً
هى للنورِ انعكاسٌ ومطلّ

 



 

الموكـب

أُمتى هيّا بنا
ملعب الشمس لنا،
ولنا الرّحبة من كل مدى:
فإذا كلُّ صباحْ
منك فى الآفاق لاح
يغمر الدنيا ضياءً وهدى.
وترانا لم نزلْ
نخبة العلى الأُوَلْ
ويمينَ المجد أَنَّى أَومأَ:
كم رفعنا علما
وبنينا أُمما
وغرسنا شاطئاً وشاطئا.
ملءُ كفِّنا الغدُ:
مشرقٌ مخلَّد.
وبنا تفنى وتحيا أُممُ،
فلنا عزُّ الدنى
ومواسم الغنى،
ولنا فى كل أُفق علم.

 



 

إلى وردة

حملتُ إليكِ أَنداءَ الصباحِ
وأَشواقَ الربيع إلى البواحِ
وملتُ عليك بالإشراق طلْقاً
وبالدنيا على كفِّ السّماحِ
وجِدتُ، فكم سفحتُ من الأمانى
لديكِ، وكم سقيتكِ من جراحى
وكم باعدتُ عنكِ يد التلاشى
وصُنْت جناك فى اليوم المُباح
أَغار عليك من نفسى وأَخشى
على أَقداس طهرك من جماحي
فأَنت من الورود ولست منها
فلونك عبقريّ الظلّ ضاحي
ووجهك ما أَطلَّ على ربيعٍ
ولا هلَّت محاسنه بساحِ
يسربلك الرُّواءُ، فأَيُّ حسنٍ
يراك ولا يهاب من البراح؟
نفحتِ شذىً على الدنيا غريباً
تناقلُهُ الرياحُ إلى الرِّياحِ
فتغرقُ فيه أجواءُ العَشايا
وتعبَقُ منهُ أَردانُ الصباح.

 

 

أهـــواكَ

أَهواكَ يا نُعمى ترفُّ
وصدىً لأَحلامى يهفُّ
أهواك، أَنت شذا تضمَّخُ
منك أَجوائى وعَرْفُ
أَهواك أُحجيةً أتيهُ
بها، ولغزاً بى يحفُّ
ومنىً تتاح سدىً ، وتجفو
كبرياء حين أَجفو.
أَهواكَ، أَهوى الغمز في
شفتيك، عن هزءٍ يشفُّ
أَهواك مهما كنتَ: لا
ترعى العهود ولا تعفُّ
أَنا هازئ بالحبِّ بعدك
يا حبيبُ، ومستخفُّ
دعني، وكن ما شئتَ،
لا ارتدّ عنك ولا أَكُفُّ
سيّان عندى حين يغمرك
الجفاء وحين تصفو:
لى فيك مطَّلب أُبيح
لديه ذنْبك لى وأَعفو
لولاك لم يكُ لى يدٌ
تعلو، وأَجنحة ترفُّ

 

الشـاعر

كفَّن اليقظةَ بالرؤيا وتاه
شاعرٌ كلُّ المنى بعض مُناه
تنزف البرهة من أَيامه
أَلماً يعصر للناس جناه
أَيُّ فجرٍ لم يشيِّع مرتجىً
صاغ فى الليل مفاتيح دناه
إيهِ كم مدّ إلى النعمى يداً
وترجَّاها، فمالك عن رجاه
هو فى دنياه كالوهم، فلا
فكرة ضمَّته، أو قلب وعاه
جرّح القلب هواه، فانثنى
شاكياً يفضح للغير هواه
ظُنَّ مسكيناً عرته جِنَّةٌ
فمضى يزحم فى التيه خطاه:
ليتهم يدرون كم من جِنَّةٍ
أشعلت للكون مصصباح هداه!
أَيها الشاعر غنِّ نغماً
أَسكرَ ولم يبرحْ صداه:
غنّهِ إلأياذةً من هومَرٍ
أمرعَتْ، والدهر لم يدرك صباه
غنِّهِ ما شئت، كم قيثارةٍ
أَبدعت فى عالم الفكر إِله:
سائل الاولومبَ من لبنانَ من
ملعبِ الاغريقِ عن أَمسٍ بناه
تتحدّى العبقريات به
صولة الدهر وتملى ما رواه:
صوراً للفتح لم يحلم بها
قائد ركَّز فى النصر لواه:
هوّذا الشاعر رمزُ الحقِّ في
عالم ضلّ عن الحقِّ وتاه
يصلب النفس ليفدى أَنفساً
مرّغت فى شهوة الحسِّ الجباه.

 

أنـامـل

زنابق الجنّة يا أَناملُ
أَم خُصَلٌ من السنى أَوائلُ ؟
تورّدت أَكمامها ، فيا دمى
أَمهل ! وددتُ الموتَ لا يعاجل
حسبى أَنِ اعتلَّت على إهابها
روحى، وحالت دونها الحوائل.
أَناملٌ أَنت : فهلا يا ترى
عرفتِ أَن العاج لا يماثَل
وأَن للبارئِ ، يا سبحانه
فناً ترامى دونه رفايل؟
فأَيقظى الفتنة فى جوارحى
أَو لا: فجودى كيفما أُحاول:
فأَنهل الأَنمُل، كم أُروى بها
هيهات ! جفَّت بعدها الجداول

 



 

حلوتى

حلوتي، يا شذا العشيّات
فى ميعة الزَّهَرْ
حبَّذا أَنت منيةٌ
خلت أَنْ يومها عبر
يا لعَينيك ترغبان
من الغيب ما ضمَر
لهما للخفيِّ شوق
العصافير للسَّحر
ولدى تحلمان، يا
موعد الارض يالسَّمر!
حلوتي، أَيُّ حلَّةٍ
حاكها الحسن واتَّزر
طاولتاه النجوم فانتشرت
دونها دُرر.
يا نعيمي، فأَنت لي
دون أَترابيَ الأُخَر:
نغم الحبَّ جنَّةً
ونضمُّ المنى غُمر
فاذا نحن . يا مناىَ
غريبان فى البشر
يدّعينا الربيع طلاً
على البرعم انهمر
ويعينا الزمن عهداً
من الحب مبتَكَر
لم يلده الخيال قبلُ
ولا طاله الفِكَر
لا ولا حاكت الأَساطير
عن مثله خَبَر.