الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الإسرائيليون شعب اضطهادي




كشفت كاتبة أمريكية إسرائيلية عن أسباب مغادرتها إسرائيل والإصرار علي عدم العودة إليها، قائلة بأنني عشت في مدينة تل ابيب لـ14 عاما، اما الان وقد عدت إلي أمريكا وقضيت فيها عددا مماثلا من السنوات، فانني لا أزال اتوق اليها كل يوم. وفي عيد الفصح، يجثم هذا الشوق بثقله علي صدري.

فروائح الربيع في مدينة شيكاغو ليست مجزية ولا التراث فيها. فانا اريد ان اكون بين اناس يدركون لماذا اكون محمومة الحركة عشية عيد الفصح، وان يتمني لي سائقو الحافلات عيداً سعيداً ويسألني الجيران «اين ستقضين العطلة؟». اريد ان اشعر بأنني في وطني.

لكنني لست كذلك. وبدلا من هذا فانني اعيش في المنفي الهادئ بالضواحي الأمريكية – المنفي السياسي الاختياري الذي قررت ان استقر فيه من أجل ابنائي.

عندما انطلقت الانتفاضة الثانية، كنت وزوجي المقدسي في الولايات المتحدة بصفة مؤقتة، وكنت ادرس للحصول علي درجة ماجستير في جامعة شيكاغو. كنا نؤكد للجميع (مرة بعد اخري) اننا سنعود الي اسرائيل عندما يبلغ ابننا الذي ولد للتو العمر المناسب لدخول روضة الاطفال – إذ فكرنا انه سيكون من الأسهل أن يدخل إلي المدرسة في البلد الذي سينمو فيه.

غير أن الانتفاضة تواصلت في ذلك الوقت، وكان الرد الإسرائيلي يتسم بمزيد من العنف، وبرفض ان يعترف بأي مسئولية، او يفي بالوعود السابقة، أو يتفهم ان الفلسطينيين انما يبدون رد فعل مثلما كان سيصدر عنا لو اننا قضينا عشرات السنين المتعاقبة تحت الاحتلال.
ولقد انتابتنا ــ زوجي وانا ــ مشاعر الخوف لمدة سنة، إلا أن ايا منا لم يكشف عنها للآخر – ثم، في احد الايام بينما كنا نزور البلاد مع ابننا بدأنا نتحدث، وادركنا: اننا لا نريد أن يترعرع طفلنا في ذلك المكان، فالدولة اليهودية لم تعد المكان الذي نريد ان ننشئ فيها عائلة «في الوقت الحاضر».

غير ان «الوقت الحاضر» اضحي يعني حياتنا الحاضرة. وصار لابننا شقيقة، وتوالت مناسبات عيدي ميلادهما. ولم يقنعنا اي شيء يتعلق باسرائيل في العقد الماضي بان طفلينا الإسرائيليين يجب ان يغادرا حياة المنفي.

علي العكس من ذلك، فإنه مع انشغال اسرائيل بصورة اشد في مشروعات الاستيطان، والتزامها بمزيد من العنف والاحتلال اللإنساني، وتعاملها بدرجة اقل من الديمقراطية حتي مع سعداء الحظ بانهم يهود، اصبحنا ندرك ان من غير المرجح ان نخطو نحو العودة قط.

لا ادري ما اذا كان طفلانا اكثر أمنا هنا منهما هناك، ولكني اعرف ما يلي: انهما لن يجبرا علي اداء خدمة عسكرية تكرس الان بدرجة اقل للدفاع عن الدولة من اضطهاد شعب اخر. وهما ليسا عالقين في نظام تعليمي تضاءل بسبب عدم توافر التمويل، رغم ان الحكومة تصب الاموال في بناء مستوطنات غير شرعية علي اراض مسروقة. وهما لا يتعرضان الي شعارات يطلقها قادتهم عن السلام، في الوقت الذي لا تتجه افعالهم الا نحو القضاء علي احتمالات السلام.

انهما يفكران في إسرائيل كوطن ايضا. ونحن نتبادل الحديث بالعبرية في منزلنا، واعضاء ناشطون في مجموعتنا الدينية المحافظة، ونقوم بالزيارة مرة كل عام.

عندما نكون هناك، نعلمهم بين المرح علي الشاطئ والأمسيات في المزارع الجماعية لابناء العم، ما لا يتعلمونه في المدارس اليهودية: نجعلهم يشاهدون الحواجز المنتشرة علي الطرق في انحاء الضفة الغربية. وتتسمر عيوننا نحو الجدار الفاصل الذي يمتد عبر الاراضي الفلسطينية، ونسألهم ماذا سيشعرون لو جاء جنود وطردوهم من منزلهم. ونتجول في القدس الشرقية.

إذا كانت اي شكوك قد ساورتني في صحة قرارنا، فان شريط فيديو بثه التليفزيون الاسرائيلي هذا الاسبوع قضي علي اي شكوك. اذ لدي توجيه سؤال عن ردود الفعل علي حادث مرور مروع ومقتل مجموعة من الاطفال الفلسطينيين، قال شاب بعد اخر بدرجات مقززة من الكراهية «انهم ابناء زني، وليسوا بشراً، ولا يستحقون الحياة» حسب قول احد الشبان. «ويمكن ان يكبروا ليقوموا بهجمات ارهابية». وعندما اشار الصحفي إلي أن القتلي لم تتجاوز اعمارهم الـ4 إلي 5 سنوات، رد الصبي «صبية صغار، وماذا يعني ذلك؟».

ولئلا تغرينا انفسنا بالاعتقاد بان هؤلاء الشبان هم ببساطة مراهقون جانحون، يجب ان نشير إلي أن نحو نصف المراهقين الاسرائيليين الذين سئلوا في عملية مسح اجريت في العام 2010 قالوا انهم لا يؤيدون حقوقاً متساوية للمواطنين العرب في إسرائيل. وقال اكثر من نصفهم انهم يرفضون اعطاءهم الحق في ان ينتخبوا ليكونوا اعضاءً في الكنيست.

ان مجتمعاً صار يركز علي حماية، وإدامة وتشديد الاضطهاد لشعب آخر هي سياسة تنتج، بل وتكافيء الكراهية. وليست هذه صفة مميزة للإسرائيليين وحدهم – هذه صفة بشرية.
ولكني لا اريد ان اربي الآدميين الاثنين الاعز لدي في مثل تلك الاجواء. سأحميهما مما تحولت اليه اسرائيل، وسأربيهما علي معرفة القيم اليهودية التي تقدر الكرامة الانسانية وقدسية الحياة.

وفي كل سنة في مثل هذا الوقت، سيوجعني قلبي وانا اقول «العام المقبل في القدس» لاني اعلم انني في السنة المقبلة سأكون هنا».
موقع ديلي بيست
ترجمة ــ داليا طه