الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كلام منزوع السياسة




كتب: محمد الدويك


 اتخذت قرارا منذ زمن أن أكف عن الحديث فى السياسة، فالكلام فى السياسة فى الفترة الأخيرة لا يفيد إلا فى مزيد من العداء.
 لا أحد يستمع إلا لمن فى خندقه ولم نعد نتبادل وجهات النظر فى السياسة على قدر ما نتبادلها فى الأب والأم والعرض والدين، أنت مختلف معى فأنت كافر أو عميل أو شاذ جنسيا، وربما الثلاثة فى وصفة واحدة.
فى تاريخ مصر عشرات الثورات. بعضها قارب النجاح وبعضها عاين الفشل. وعندما ثار عرابى سانده الفقيه جمال الدين الأفغانى والأديب عبدالله النديم، وكانت مطالبهم تدور حول تغيير الوزارة وإقرار الدستور وتقليل صلاحيات الملك، واستعان الخديو بقوات الانجليز المرابضة على حدود الأسكندرية لتحميه، فظن البعض أن عرابى كان السبب فى الاحتلال، وفى نهاية حياته كان يجلس منكسرا على مقهى صغير فيمر عليه الشباب يبصقون فى وجهه، كخائن!
الإمام محمد عبده لم يجد أن الثورة هى الحل الفورى لمشاكلنا، إنما البداية تكمن فى التعليم الجيد وإصلاح الخطاب الدينى، هنا يصير لديك شعب مؤهل ذهنيا وروحيا لصناعة التقدم والانتقال من التخلف إلى التحضر، وانشاء النظم السياسية التى تحترم الديمقراطية وتطبق القانون.
فالديمقراطية، ممارسة وسلوك تنبع من حياة الناس وقناعاتهم الخاصة. قبل أن تصير نظريات تملأ الكتب.
الثورة كانت لحظة حتمية لإسقاط منظومة حاكمة أصابتها كل أمراض الشيخوخة والفساد. ثم اكتشفنا بعدها تعقيدات الوضع الذى يفرض علينا تبنى وجهات نظر أكثر مرونة وعملية.
كتب الدكتور عبدالمنعم سعيد منذ شهور مقالا، أن النظام الاسبق فى عام 2001 جمع الخبراء والمتخصصين لدراسة النظام الإدراى فى الدولة لإدخال بعض الاصلاحات، فيما يمثل شرعية يستند عليها للتواجد فى المشهد، لكنه اصطدم «بمصر الكبرى»!. مصر الذى جعل الفراعنة شعارها الكاتب «الموظف» الجالس القرفصاء.. خمسة آلاف سنة مرت ولم يغادرنا هذا الموظف.. ولتغيير دولة الموظف كان عليه أن يشتبك مع 60 ألف لائحة وتشريع داخلى منظم للهيئات. ولن يحدث هذا إلا لو نسفت المنظومة بكاملها، لكن لا تنس أنها أول ما تسقط ستسقط على رأسك أنت.. فنصحوه بالتراجع، والتكيف مع الفساد. الذى يحميه القانون..!
هذا هو الجزء الغاطس من جبل الثلج والذى لا يظهر منه سوى قمته الصغيرة، والذى يتحطم عليه البحارون المبتدئون فى الابحار ليلا..!
الحل، على المدى الطويل، بالتطور evolution  وليس الثورة revolution والتطور يعتمد على التدرج والتراكم. وليس التغيير الفجائي. برفع معدلات التنمية إلى نسبة معقولة 8% لعشر سنين، ورفع متوسط دخل الفرد إلى حد آدمى (10 آلاف دولار سنويا) وتحسين مستوى الصحة ورفع متوسط العمر إلى 70 سنة.
مقالاتى القادمة، سأحلق بها خارج دائرة الصراع الضيق الذى أنسانا آدميتنا. وجعلنا دائمو التوتر والصراخ فى وجوه بعضنا. لدينا مشاكل فى بنية الإنسان؛ روحه وعقله وتكوينه النفسي. هناك تراجع ملحوظ فى مستوى التحضر يصيب الجميع ولم يعد مقصورا على طبقة بعينها، أخشى أن نعتاد القبح فنصير مرضى متوائمين مع ثقافة الكراهية والاضطراب النفسى.
ربما أحكِ عن الإنسان العادى المرهق من أعباء الحياة والمعبأ بأطنان المشاكل.. ربما حدثتك عن القط الذى يقاسمنى وجبة الفطور. أو عن زهور الصباح الندية لدى بائع الورد. وسأخوض كثيرا فى مسألة اصلاح الخطاب الدينى واعادة استكشاف المنابع الأولية التى ضاعت بين الجهل والسطحية والتشوه.


 كاتب فى الفكر الإسلامى