الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مراد ماهر: الناس فى بلادى لا ينظرون إلا تحت أقدامهم




كتبت- رانيا هلال


برواية تمتلك لغة شاعرية متماسكة تنم عن حس شعرى بارز وقدرة على بناء الاحداث المترابطة وسرد جذاب شيق يطلعنا الكاتب الشاب مراد ماهر على أولى كتاباته الروائية برواية «حق اللاعودة» بعد عدد من المجموعات القصصية المتميزة تلك الرواية التى يبحر بنا فيها بين شطآن الحب والحياة والوطن بحس شجى ومحاولات جريئة للبحث عن الامل فى كنف شخصيات تعايش الالم بكل انواعه وتحلم بالوصول للحظة سكينة تردهم لأنفسهم وتبعث فيهم حياة جديدة، عن روايته الجديدة وماذا يقصد بهذا العنوان الذى يخالف المصطلح السياسى المعروف «حق العودة»، تحدث إلينا ليكشف الرمز وراء العنوان والفكرة التى يقدمها فى الرواية  .

■ من الذى يبحث عن حق اللاعودة فى رأيك؟
- أعتقد أن جيلا كاملا وربما أجيال قادمة تبحث وستبحث عن حق اللاعودة، سأتحدث عن جيلى تحديدًا والذى أظنه قد ضاق ذرعًا بتابوهات موضوعة وموروثة تتحدث عن الأرض والقضية والتاريخ، وأنا شخصيًا لست ضد هذه المفردات ولم أعاديها، ولكنى ضد استخدامها لتغييب العقول وتسخيرها بينما القائمون عليها يناضلون فقط لمجدهم الشخصى .
وحق اللاعودة لم أقصد به تحديدا المصطلح السياسى الدارج والملتصق دائما بعرب الشتات، لكنه حق اللاعودة الى حب لا يستحق، الى وطن فضل التناحر عن الحياة، حق اللاعودة الى الحياة إن صار الموت أكثر فائدة ومصداقية .
أعتقد أن كل منا بحاجة فى لحظة ما من عمره أن يبحث عن حقه فى اللاعودة .
■ ما الذى تحاول هذه المجموعة أن تضيفه إلى كتابات الانتفاضة؟
- أنا لا أعتبر الرواية من كتابات الانتفاضة، فأنا لم أسع الى الناس بالكلمات متعمدا تحفيزهم على الانتفاضة والمقاومة،وكذلك لم أقصد تسليط الضوء على نماذج نضالية بعينها، ولكنى أردت أن أقول أن قضيتنا تحتاج الى حياتنا أكثر بكثير من حاجتها لموتنا، أن الحب ليس يتعارض مع النضال، وأن النضال ليس دائما فى ميادين القتال .
أردت القول بأن الحال تحت قيد المستعمر لا يختلف كثيرا عن ذلك الذى نعانيه مع الظلم واستبداد الحكام وتأصل الجهل فينا، وأن ما يحدث هناك ليس منفصلا بالكلية عما يحدث هنا .
■ كتابتك لم تبتعد عن هموم الوطن.. لكن اختلف شكلها من مجموعة لأخرى .. حدثنا عن ذلك؟
- أعترف أن الهم العام (الوطن) حاضر فى كل ما أكتب، والوطن يحتضن فى جوفه بعض معانى الحياة وألوان الكتابة ويلفظ بعضها، الحب (الصداقة، الحرية، العدل، الحلم والمطمح، ......).
لكن القالب عندى لا يثبت على حال، فمجموعتى القصصية الأولى (سلك شايك) تحدثت فى كل قصصها وتمحورت عن الحرية وغيابها والتنقيب عنها، عن معنى الوطن وغيابه، عن الحب الناقص طالما كان الوطن مختبئ وراء جدران الخوف الصامت واعتمدت فى ذلك على العربية الفصحى فى السرد الذهنى الذى خرج ربما مرهقًا بعض الشيء للقارئ غير المحترف .
لكن الأمر اختلف تماما فى الكتاب الثانى (حواديت عيل موكوس) الذى خرج الى القارئ بالعامية (الفصحى أيضًا) أو هكذا أسميها، خرج الكتاب الثانى من غير تحديد لقالبه بقدر تحديد لهدفه، فكان الهدف الوصول الى الناس وان كانوا غير قارئين بلغتهم، محمولة بلون من ألوان الطرب اللغوى لتسليم رسالة بعينها تتعلق بالحرية ومصير الوطن وتفاصيل تجاعيد وجهه المحفورة على صفحة أقدارنا، تحمل تحريضًا صريحًا لرفض الظلم والتنقيب عن الحرية المفقودة والكرامة المغتصبة.
وعندما خرجنا فى يناير 2011 لنترجم حلم الكلمات إلى خلاص واقع، خرج الكتاب الثالث (ثورة الغضب ... صنع فى مصر) بالعربية الفصحى يحكى متفاخرًا فرحًا بشباب جيلى الذى حقق الحلم وأبهر التاريخ فى غفلة من وعى المتشائمين والمستسلمين لقدر القمع والاستبداد .
وفى البداية والنهاية فأنا لست مهتمًا كثيرًا بشكل الإصدار وقالبه فأنا دائمًا أردد :
(لست قاصًا ولا روائيًا ولا حكاء ولا شاعرًا ... فقط أجسد تأملاتى فى ثوب يصطلح عليه ويتقبله الآخرون ).
■ اقترب أسلوب السرد بالحكى المباشر الذى يمارسه أبطال الرواية.. هل كان ذلك متعمدا أم كان ذلك توحدا بين الحاكى والحكاية؟
اعتمدت فى الحكى نظرية تعدد الأصوات المتناغمة داخل النص، وصنعت مباراة فى الحكى ما بين البطل والبطلة، كل منهما يحكى من زاويته التى تختلف أحيانًا وتتكامل أحيانًا مع زاوية الآخر، ثم يأتى أحد شخوص الرواية الثانويين ليكمل لنا الحكى بعد اختفاء البطل والبطلة.
قطعًا كان ذلك متعمدًا لإضفاء شكل من أشكال الواقعية وكذلك صنع حالة من الحراك بين الراوى والقارئ وهو ما أسميه ديناميكية الحكى .
■ هل نبحث عن رموز البطولة لنعتنق رسائل الأمل؟
- نحن شعب ورث منذ مئات بل آلاف السنين منهج التبعية والبحث دائمًا عن رمز يقوده حتى ولو كان هذا الرمز مزيفًا او حتى خياليًا.
ليس لدينا ثقة فى الذات تدفعنا لاستنساخ البطولة فى دخائلنا ومن يخرج من أصلابنا، تلذذنا القهر لعقود من وراء عقود، وتلذذنا كذلك استسهال الخلاص واقتباس الأمل من أشخاص نمنحهم قدسية المخلص، ونمنحهم كذلك حق التصرف فى مصائرنا، وفى الأغلب يكشف لنا التاريخ أننا نصنع طائرات ورقية ونحاول جهلا منا الطيران بها فى فضاء أحلامنا.
■ هل نفتقر فى واقعنا الحالى إلى رموز البطولة أم أن احتياجنا للأمل يخلق رموزه الخاصة؟
- نعم نفتقر الى رموز مقنعه للبطولة، وهو ما اكتشفه البسطاء فجأة بعد اقتلاع نظام مبارك، وكان صعبًا على العامة فى بلادنا البقاء طويلا دون رمز أو بطل أو زعيم أو ملهم أو مخلص، أو على أقل تقدير شخصية يستطيعون من خلالها ممارسة هواية متأصلة فى سلوكهم الشخصى فى البحث عن شخص يمنحوه قدرتهم على الحلم والرغبة فى العيش دون تعب .
فى كل الأحوال أستطيع أن أقول أن الناس فى بلادى لا ينظرون إلا تحت أقدامهم، وليسوا يمتلكون القدرة على الصبر لأجل اكتمال حلم أو رعاية جيل صاعد يخرج منه ألف ألف بطل، فقط يؤلهون أول محلق فى سمائهم، ثم يكتشفون أنهم تعجلوا.
■ إلى أى مدى يمكن أن تنجح تهم الإرهاب فى إصابة البعض بالاغتراب.. وإلى مدى يمكن أن ينجح الفن فى كسر ذلك الحصار؟
- فى عالمنا الحديث صارت تهمة الإرهاب فزاعة للشعوب الراغبة فى العيش الآمن حتى ولو على حساب مقدار من حريتها، ولابد لنا أن نعترف بواقعنا المشوه، نحن أمام أكبر عملية إقصاء سياسية وفكرية واجتماعية فى تاريخنا الحديث لفصيل ليس بالهين،
ولست هنا أدافع عن طرف وأهاجم آخر، فقط أحاول أن أتقمص دورًا غاب عن معظم من ينتسبون لحقل الفن والفكر، وهو النظر بفوقية أكثر على المشهد الحالي، والنظر للأطراف بنظرة أكثر تفهمًا للدوافع والأهداف، حتى يمتلك الوطن فئة من فئاته قادرة على صيانة العطب المتوغل فى النسيج العام ومحاولة إصلاحه.
فهذا الصدع والشرخ المتوغل فى نسيج الأمة لن يلتئم إلا بخروج نخبة حقيقية غير مسيسة تتحمل مسئوليتها تجاه الوطن والتاريخ فى التنوير وتحمل الآخر دون تحيز أو تجبر حتى ولو كنا موقنين من خروج فصيل عن السياق الوطنى العام .
فنحن لا نكتب إلا لهؤلاء الذين يحتاجون لما نكتب .
■ هل تحدثنا عن ثنائية الجنون / الموت التى تسيطر على أجواء الكتابة؟
- شخصيًا لا أرى أن هذه الثنائية تسيطر على أجواء الكتابة عندى على إطلاقها، اللهم إلا فى رواية (حق اللاعودة) تحديدًا، لكنى فى هذا السياق أعتقد أن الكاتب يحتاج لقدر من الجنون ليختلف، وكلما زاد قدر الجنون زاد الإبداع اختلافًا وتميزًا، وربما أعنى هنا بالجنون القدرة على الخروج عن المألوف والمتوقع.
الانتصار للتجديد، البحث عن لغة تختلف، وقالب يختلف، وفكرة تتوج الحالة ليصير للكاتب صبغته المختلفة والمتفردة على الأوراق.
■ كل منا يحمل تابوته الشخصي.. سواء داخل فلسطين أو خارجها.. هل تغذى تلك الفكرة الرغبة فى الأمل أم تجهضها؟
- دعينى أعترف إنى فى فترة سابقة بحياتى كنت أعتقد فى أن فكرة أن كل منا يحمل تابوته الشخصى تغذى الأمل، لكن وبدون الحاجة لذكر مبررات أظننى قد استبدلت الاعتقاد بأنه لا يغذى الأمل إلا أن يحمل كل منا حلمه الشخصي، ويرعاه وينميه ليتكاتف مع حلم آخر فآخر فآخر لنصنع حلم المجتمع وهدفه المرتقب .
■ إلى أى مدى ارتبطت «كتابة الاغتراب» بهذا الجيل من الكتاب؟
- نعم، لا بد وأن نعترف بأننا جيل تشتت فكره وانتماءه منذ سنوات، فكرة الوطنية تفتت تحت وطأة ثقافة المر الواقع التى تسيدت المشهد الفكرى للعامة والمنتفعين فى بلادنا لعقود طويلة،
نعم، لابد وأن نعترف أننا جيل كفر أو كان على وشك أن يكفر بوطنه وفى القدرة على التغيير وتبصير البسطاء .
ولا بد وأن نمتلك الآن الشجاعة الكافية لأن نعترف أن ثورة يناير وملحقاتها لم تغير كثيرًا من الواقع الأسود الذى يلون المشهد المصرى حاليًا، ولا بد وأن نعترف أو ننتبه أن ميادين النضال الحقيقية للنخبة والمبدعين ليس فى ميادين التظاهر ولا على عتبات قصور الحكام،
ميدان نضال النخبة الآن إن كان لدينا نخبة حقيقية قابع فى عقول الناس، فى مدارس الأجيال الناشئة، فى المساهمة بخلق حوار دينى منفتح على الآخر ويتقبل الإختلاف .
أعتقد أن كتابة الاغتراب مستمرة فى الالتصاق بهذا الجيل وفى أجيال قادمة إلى أن يسعفنا الحظ ونقابل يومًا انتماءنا الحقيقى ونتقبله .
■ ما الذى يميز التجربة الحالية لك عن التجارب القصصية السابقة؟
هى التجربة الروائية الأولى، يميزها دون شك ما يميز الرواية عن البنية التحتية للقصة، هناك مساحة أكبر للسرد وتجسيد المشاعر والتأملات .
وأظننى قد اعتمدت لغة أكثر بساطة فى مفرداتها من تلك التى استخدمتها فى تجاربى السابقة .
أضيف أن رواية (حق اللاعودة) كتبت فى معظمها منذ سنوات ولها فى قلبى معزة خاصة .
■ ماذا ستبحث عنه فى مجموعتك القادمة؟
- أعمل الآن على رواية تفاعلية مختلفة فى الشكل والقالب وأسلوب السرد، تعتمد على تفاعل القارئ مع الكاتب مباشرة باستغلال وسائل الكترونية مبتكرة، يساعدنى فى التجربة فريق عمل أشبه بورشة كتابة يضم 4 كتاب وكاتبات شباب لديهم القدرة على التفكير والابداع خارج القوالب المنحوته والمتجمدة.
وأعتقد أنه من السابق للأوان الإعلان عن تفاصيل المشروع، لكنى أعد باختراع أدبى لا يقف عند حدود المحلية.