الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

القعيد: القاهرة مدينة تحتكر الوطنالقعيد: القاهرة مدينة تحتكر الوطن




حوار – تغريد الصبان

«السبعون».. قد تراها رحلة طويلة يصل بعدها صاحبها لكشف الحقيقة، والرؤية البانورامية الشاملة الكاشفة.. وقد يراها صاحبها غمضة عين أو رفة رمش، لم يشعر بها، رغم امتلائها بالأحداث التى استغرقت سنين طويلة ولا يحتاج تذكرها سوى دقائق أو ربما لحظات.  «روزاليوسف» تحتفى بالأديب يوسف القعيد بمناسبة بلوغه السبعين، بحوار يمر فيه على أهم وأغلى تفاصيل حياته، ورؤيته للواقع الذى عايشه منذ حرب 67 وحتى ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وتوقعاته لما هو آت عن العلاقة بين المثقف والسلطة، التى لم تتمكن طوال السنين الماضية من التخلص من وصف «الشائكة».. فإلى حديث يوسف القعيد:


■ كيف ترى المسيرة والمسار خلال السبعين عاما الماضية؟
- أولا أنا منزعج من فكرة بلوغى السبعين، انزعاجا حقيقيا، وكأننى كنت نائما واستيقظت لأجد نفسى قد بلغت السبعين!.. لأن التقدم فى العمر يحمل نوعا من الاكتئاب وليس الحكمة، فهناك مقولة شهيرة هى «بعد سن الخمسين يبدأ الإنسان رحلة العودة»، وحين ذهبت مع الأستاذ هيكل فى دفن أخيه رحمه الله، رأيته كتب على المقبرة «دار العودة» وليس مقابر فلان.. فحين بلوغى الستين لم أشعر بهذا الإحساس، لكن إحساسى بعامى السبعين أن ما تبقى من العمر أقل بكثير مما فات منه، هذا شعورى بصدق.
أردف قائلا: أرى حياتى رحلة استمرت، أهم ما فيها أننى فى كل ليلة حين أحاكم نفسى وأعيد خلق اليوم من جديد، لا أجد فعلاً فعلته أخجل منه وهذا هو أهم شىء للإنسان، فهذا هو مقياسى الأساسى لليوم.. بالقطع أنا لست نبيا، وبالتأكيد هناك أشياء قد تكون مخجلة فعلتها، إنما كلما قلت نسبة الأفعال المخجلة وتدارك الأخطاء، كلما كان أفضل.


■ ما هى النقاط التى تراها مضيئة فى حياتك؟
- نقطة التحول الأساسية بالنسبة لى كانت الانتقال من القرية إلى المدينة، وهو قرار صعب على، فالعشرين عاما الأولى من كانت بالقرية وهى سنوات شديدة الأهمية، حيث تكونت شخصيتى وحددت رؤيتى للعالم وموقفى من الدنيا، حتى أننى أشعر وكأننى مستأذن من أهل قريتى فى مشوار للقاهرة لتأدية مهمة وعائد مرة أخرى، فلازالت عائلتى وإخوتى هناك.


■ لماذا قرار اغترابك عن القرية؟
- حدث ذلك لسببين، الأول كان عند تجنيدى بالقوات المسلحة عام 1965 وكان بالقاهرة، السبب الثانى أن القاهرة هى مدينة تلخص وطنا، ففيها دور النشر ومقار الإذاعات المختلفة والصحف وكل شىء، ولم يثبت وجود اى حركة ثقافية خارج القاهرة، فالإسكندرية بكل وضعها التاريخى الكبير ليس فيها حركة نشر حقيقية، الصعيد المترامى الأطراف لا يوجد فيه حركة نشر، كذلك الحال مع الوجه البحرى وأنا منه، فالقاهرة هى مدينة تحتكر الوطن وتلخصه وتستولى على كل ما فيه.

فى نظرة بعيدة تذكر القعيد «رسالة حزينة» قصته التى صورت رسالة لوالدته -رحمها الله- التى وصف فيها رحلته من وقت ركوبه القطار متجها للقاهرة، واصفا الأهوال والأعاجيب التى وجدتها، وكنت قد سجلتها بصوتى لإذاعة البرنامج الثاني.


■ ما أول ما لفت نظرك للمدينة لحظة وصولك؟
- أول اكتشاف هو فكرة المبنى المتعدد الطوابق أو «العمارة» ففى قريتى كل أسرة لها بيتها الخاص والمستقل، فى المدينة اكتشفت أن الموضوع مختلف، فوقفت مذهولا أمام عمارة إفرست، من فكرة سكن ناس فوق ناس، و«عسيل» مختلف، كما أن علوها شاهق، وعرفت فينا بعد أن فندق «إفرست» يعلوها، وهو ما استغللته لمتابعة تشييع مصر لجثمان جمال عبدالناصر، فيما بعد بالأحياء الراقية وجدت الفيللا.


■ حدثنا عن فترة الجندية فى حياتك التى بدأت عام 1965 وانتهت فى 1974؟
- تم تجنيدى فى ديسمبر 1965 كان من المفترض خروجى فى مايو 1967، وبالفعل سلمنا «المخل» فى 15 مايو 67 والمفترض عودتنا بعد 15 يوما، للحصول على شهادة إنهاء الخدمة العسكرية، لكن فوجئنا فى 17 مايو إعلان حالة الطوارئ، حين منعت إسرائيل سوريا من تحويل مجرى نهر الأردن وهو سبب قيام حرب يونيو 67، وصدر القرار الجمهورى بعدم تسريحنا من الخدمة إلا بعد تحرير آخر ذرة تراب من الوطن، وبقينا حتى 1973، فلقد عاصرت «صدمة يونيو» ولا أقول هزيمة أو نكسة، و«يقظة أكتوبر» ولا يتعدى الأمر لدى كلمة «يقظة» لأن الاستثمار السياسى لهذه الحرب أفقدنا جنى ثمارها.
الجندية لم تكن تخرج مطلقا من الوحدة سوى بتصاريح خروج، فكنت طوال الأسبوع جالسا بالوحدة واستثمرت تلك الفترة فى القراءة والكتابة، وهى فترة التكوين الرئيسية بالنسبة لي، أضيفى إلى ذلك إلى أنه بعد 1967 دور النشر المصرية كانوا يقدمون الكتب كهدايا للجنود، تحت مظلة المجهود الحربى آنذاك، فكانت أول مجموعة رأيتها لديستوفسكي، وقرأت تولستوى كاملا وكذلك نجيب محفوظ كاملا.


■ كيف كان استقبال محفوظ لك؟
- وصلت لمقر «ريش» ووجدت الكثير من الحضور، ووقتها قال لى: اليوم أنت ضيفي، لكن غن قررت المواظبة على الحضور فستكون ضيف نفسك، دار الكثير من الأحاديث والمناقشات والجدل، وكنت أجد محفوظ ينصت للجميع وهى ميزة لا نجدها اليوم، حت  لو كان الحديث غير هادف أو غير ذى قيمة له، لكنه كان يحترم الجميع، كان حديثه قليلا جدا، لكنه كان معبرا وموحيا..فى ذاك الوقت لم يكن هناك ما يسمى بالأحزاب، إنما كان هناك الثورة والثورة المضادة، ومن اللافت أنه لم يسالنى أحد إن كنت مع الثورة أم الثورة المضادة. سكت برهة وتذكر: مرة واحدة رأيت فيها محفوظ وقد خرج عن هدوئه وسكونه وانفجر غضبا فى أحد الحاضرين، كان ينتقد شخص سعد زغلول، وكان زغلول بالنسبة له هو بطل طفولته وبطل صباه الذى لا يجب أن يهدمه أحد أمامه، رغم أن محفوظ قال لى ذات مرة انه يميل إنسانيا تجاه مصطفى النحاس لأنه الأقرب إلى الشخصية المصرية أكثر من زغلول.


■ كيف رأى محفوظ روايتك «الحداد»؟
التالية أخبرنى بأننى قد وفقت فى الفصلين الأول والثانى إنما فى الثالث والرابع لم أكشف عن جديد!.. الحقيقة وقتها ظننت أن فارق الأجيال وراء هذا الرأي ولم ألتفت إليه كثيرا، إلا أننى قبل صدور الطبعة الثانية من الرواية حين كنت أراجعها، وجدت أن رأى محفوظ صائبا.. كلمة محفوظ كان لها تأثيراً كبيراً على الرواية والاهتمام بقراءتها، وهو من أكثر ما يميز ذلك الوقت، وظل محفوظ يتابعنى كما يتابع كل من يكتبون، فكان قارىء نهم.


■ كيف كان استقبال الوسط الثقافى لك كأديب شاب؟
- كانت مصر افضل من الآن، فأتذكر جيدا أن البرنامج الثانى أقام ندوة دعا إليها الدكتورة سهير القلماوى رئيس هيئة الكتاب والأستاذ سامى خشبة لمناقشة الرواية، وفى هذه الندوة تعرفت إليها ونشرت عندها بالهيئة «أخبار عزبة المنيسى»، التى للأسف لا اعتبرها قد صدرت حتى الآن، لأنها صدرت يوم وفاة عبدالناصر، بالتالى لم يلتفت إليها أحد.. «الحداد» استقبلت جيدا حيث كتب عنها سامى خشبة صفحة كاملة وكذلك سناء فتح الله بالأخبار، وتناولت خارج مصر جيدا، حيث وجدت مقالا نقديا كبيرا للعرودجى بمجلة الطليعة اللبنانية، وبعد نشر الرواية بشهور قليلة وجدت رسالة من جبرة إبراهيم جبرة الناقد العراقى ليخبرنى بأنه قرأ الرواية وسيكتب عنها!


■ هل دعم الدولة للثقافة المصرية فى الستينيات ميز هذا الوقت عن الوقت الحالى؟
- ليس دعما إنما عبدالناصر تعامل مع الثقافة على أنها حجر الزاوية للتنمية، وهى مشروعه الرئيسي، فكان هناك اهتماما كبيرا بالثقافة والمثقفين، بغض النظر عن الجريمة الكبرى وهى اعتقال أعداد من المثقفين، لكن من بعد عبدالناصر مباشرة غاب الاهتمام بالثقافة وغابت الجدية والإدراك عن المجتمع، فاليوم الأجيال الجديدة ذاكرتهم ملعونة لم يقرأوا لمن سبقوهم وعينهم على الخارج... يكفى أن أقول أننى لم أقابل كاتبا شابا مهتما بالحضور لجلسات نجيب محفوظ، هذا الأديب العربى الوحيد الحاصل على نوبل!


■ لماذا تأخر إصدارك لأعمال جديدة؟، كيف؟ 
- منذ شهرين أصدرت دار الهلال روايتى«مجهول» التى قضيت أربع سنوات أكتبها، وهناك إعادة طبع رواية «قسمة الغرماء» الصادرة من لندن التى تتناول الفتنة الطائفية بشكل مختلف، كذلك طبعة جديدة من كتابى عن الأستاذ هيكل.


■ لماذا لم تكتب عن المدينة رغم قضاءك لأكثر من أربعين عاما؟
- بالعكس، كتبت عن المدينة لكن من زاوية أبناء الأقاليم المغتربين بالمدينة، من أبرزها «شكاوى المصرى الفصيح» وهى ثلاثية كاملة تدور بالمدينة تدور ما بين سكان المقابر وبين ميدان التحرير.


■ هل تعتبر أن الدولة قد اعطتك حقك من التكريم؟
- لا.. لأن كتاباتى مليئة بالانتقادات لفترة عبدالناصر، أما فترتى السادات ومبارك فكان هناك رفضا أدبيا للمشروع ككل، فنظر إلى بأننى كاتب يقف ضدهم بفجاجة.


■ هل التغييرات السياسية الحالية ستلقى بظلال إيجابية على العلاقة بين المثقف والسلطة؟
- هذا سيحتاج إلى وقت طويل بعد استقرار الوضع السياسى كاملا.


■ ونحن مقبلون على الانتخابات الرئاسية ثم البرلمانية، هل أنت متفائل؟
- متفائل إذا استفدنا من الفترة الماضية، بمعنى أن الرئيس هو من يدير شئون الوطن وليس الزعيم، فالزعامة لم يعد لها مكانا، فأنا أريد السيسى أن يعى جيدا أنه يدير شئون الوطن ويلبى مطالب ومطامح شعب، خاصة الأفقر والأبعد والأكثر حرمانا، فأتمنى أن أرى رئيس مصر القادم يخدم الوطن بصدق، المشكلة أن السيسى الآن عليه صراعا كبيرا، فسدة مبارك يريدون صنع جمال مبارك منه، فى حين أن الفقراء وهم جيش السيسى الحقيقى يريدونه ناصر جديد، أنا أرى أن كلاهما سيكون كارثة فأنا أريده أن يكون السيسى فقط، الذى قال أنه يدير شئون الوطن، فوضع مصر الآن بكل أبعاده ومستوياته لا يحتمل سوى البناء فقط.


■ كيف ترى شكل المواجهة مع الجماعات الإرهابية؟
- الحقيقة أن هناك 3 مدارس عاصرناهم، الأولى مدرسة الاعتقال والإقصاء لعبد الناصر والثانية مدرسة السادات الذى جعل منهم ظهير له وقام باحتوائهم أمام الشيوعيون واليساريون، والمدرسة الثالثة وهى مدرسة الاستخدام كفزاعة للخارج التى لعبها مبارك، وأرى أن المدرسة المثلى هى مدرسة عبدالناصر.

 

شعبان يوسف: يوسف القعيد المتعدد

منذ أن نشر الكاتب الشاب ذو الثلاثة والعشرين عاما روايته الأولى «الحداد» عن دار النشر المستقلة «الطليعة»، وهو لا يتوقف عن الدأب والمثابرة فى إنتاج صور متعددة للمثقف الضرورة، وليس المثقف الزائد عن الحاجة، لذلك لا يستطيع أى باحث جاد يحترم ضميره أن يدرس عطاء جيل الستينيات دون أن يضع القعيد فى صدارة هذا الجيل، مع ابراهيم أصلان وجمال الغيطانى ومحمد البساطى ومحمد روميش وبهاء طاهر وغيرهم،هذا الجيل الذى عانى من السلطات الثقافية الماضية، ومازال يعانى من السلطات الثقافية اللاحقة، هذه السلطات التى تعتبر جيل الستينيات تنظيما وليس جيلا، وأنه يسيطر على كافة المؤسسات الثقافية، لدرجة أن من الممكن تصدر رواية أو مجموعة قصصية أوكتاب لواحد من بعض أفراد هذا الجيل دون أى خبر هنا أو هناك،إنه تنكيل مقصود،وإقصاء متعمد،وأعتقد أن الحركة النقدية حاولت اختصار يوسف القعيد فى روايتيه «يحدث فى مصر الآنى» و«الحرب فى بر مصر»، وهذا خطأفادح، فرغم أن هاتين الروايتين كانتا بوصلة حادة فى توجيه الرواية السياسية، إلا أن القعيد له أعمال أخرى كثيرة تصل إلى درجة عالية من القيمة والجودة، وإذا كان عبدالرحمن الشرقاوى ومحمد عبدالحليم عبدالله ويوسف ادريس، قد صنعوا لقراهم مجدا ملحوظا، فقرية الضهرية، وهى القرية التى أتى منها وتربى فيها وظل يحمل همومها القعيد طوال حياته، خلق منها رمزا أدبيا للحياة الريفية، وظل يرصد تطوراتها المتعددة منذ أن دخل الانفتاح على أهلها،فأفسد طبائعا وتقاليدها وناسها بشكل كبير، وتعتبر روايات القعيد جرس إنذار لتوغل الرأسمالية المتوحشة فى القرية، وإفساد لأخلاق الانسان الطبيعى، ويتجلى هذا فى روايته «24 ساعة فقط»، هذه الرواية التى تشكل جحود الأبناء على الآباء لأسباب مادية بحتة.. لا نستطيع أن نختصر القعيد فى كونه كاتبا روائيا فقط، بل إنه كان أحد الكتاب الصحفيين الذين أثروا الصحافة الثقافية فى مجلتى المصور والهلال، ومجلات أخرى، وهذا كان عبر حوارات وتحقيقات ومقالات كثيرة،وكتابه الحوارى مع هيكل يشهد على ذلك، وهناك كتاب آخر عنوانه أصوات الصمت، ولو فكر القعيد فى انتقاء عدد من هذه المواد الصحفية، ونشرها فى كتاب لأعطت صورة واقعية للثقافة المصرية فى أرعين عاما أو أكثر،كذلك للقعيد مواقف شجاعة، وآخر هذه المواقف هو موقف لجنة القصة التى هو مقررها بصدد قضية كرم صابر، وأعلم أن القعيد هو من كان خلف التقرير الذى أصدرته لجنة القصة، كل سنة وأنت بخير وإبداع وتألق ياعم يوسف.

 

حلمى النمنم: وجوه يوسف القعيد

يوسف القعيد له أكثر من وجه عندى، الوجه الأول هو وجه الروائى والأديب، والوجه الآخر هو وجه الصحفى، الوجه الثالث هو وجه الإنسان عموما فى الحياة.
فيما يتعلق بالأديب والروائي، يوسف القعيد من أفضل الروائيين المصريين والعرب الذين كتبوا عن القرية المصرية والريف المصري، وفى ذلك كان مخلصا لبيئته وحياته التى عاشها، كتب عن الريف من زاوية الفقراء والمهمشين بهذا المجتمع، والقهر الذى يمارس عليهم، وهو فى تناوله للتهميش والقهر والفقر الذى يعيشه أبناء القرية المصرية يرقى بهذا الهم ويجعله هما مصريا ووطنيا عاما، وأكاد أقول إنسانيا، فى ذلك يكفى أن نقرأ رواية «الحرب فى بر مصر»، وهى رواية القرية المصرية وهى تعكس سطوة العمدة فى القرية حتى بعد قيام ثورة يوليو 1952، هى من زاوية أخرى تعكس حجم التضحيات والجهد الذى قدمه أبناء مصر فى حرب الاستنزاف 1967 وحرب أكتوبر 1973، ومع ذلك فهى تحقق النصر وجاء منح النياشين والجوائز وتلقى المكافآت، لم يكن لهؤلاء الذين ضحوا أى نصيب من التكريم أو الجوائز، ذهبت إلى غيرهم.
نأتى إلى الوجه الصحفي، ففى وجه الروائى أنا تعاملت معه كقارىء فى المقام الأول، ولكن فى وجه الصحفى تعاملت معه تعاملا مباشرا فى مجلة المصور، كان هو مديرا لتحرير «المصور» وكنت أنا المحرر الثقافى والأدبى للمجلة، وأشهد فى العمل الصحفى أنه كمدير تحرير كان كريما ومعطاءا إلى أبعد الحدود، ما احتجنا مصدرا إلا وساعدنا فى الوصول إليه، ما احتجنا معلومة إلا وتدخل لتوفير سبيل حصولنا عليها وهو مدير للتحرير، كان يبذل جهدا كبيرا فى تجهيز المواد للنشر، احيانا كان يعيد كتابة بعض الموضوعات لبعض الزملاء من الألف إلى الياء لكى تظهر بصورة جيدة.. ذات مرة كنت أقوم بتحقيق حول محمد مهدى الجواهرى الشاعر العراقى الكبير، حين أسقط صدام حسين الجنسية عنه، وأردت الاتصال به، كان الجواهرى يقيم فى سوريا وكان صعب الاتصال به، طلبت من يوسف مساعدتى فى الوصول لوسيلة اتصال بالجواهري، فإذا به يجرى اتصالا بوزيرة الثقافة السورية ثم وزير الإعلام السوري، حتى حصل لى على رقم التليفون وأمكننى الاتصال مع الجواهري، لا أظن أن هناك مديرا للتحرير يفعل ذلك، ولقد فعل ذلك مع كل أبناء جيلى حتى من خارج «المصور».. ذات مرة أرادت زميلة فى مؤسسة الأهرام مقابلة د.جمال حمدان، ولم يكن حمدان يأنس لأحد أو يطمئن لأحد لا يعرفه، فلجأت ليوسف القعيد ليساعدها..وساعدها بالفعل، والتقى بها جمال حمدان.هذا هو وجه الصحفى والذى أظن أنه يتسع لكتاب كامل، أما وجه الإنسان فهو إنسان ريفى بسيط إلى اليوم وتلقائى وخدوم إلى أقصى حد، فهو إلى اليوم منحاز إلى الفقراء والمهمشين فى أعماله كلها، وبحكم عمله كصحفى كان مدركا للواقع الصحفى والاجتماعي، ولم يغير انحيازاته ومن يقرأ رواياته «24 ساعة فقط» وهى عن يوم الزلزال فى أكتوبر 1992 يجد مصر فى عصر مبارك وعصر مبارك نفسه ملخصا فى هذه الرواية.

 

محمد الشافعى: يوسف وخزائن الوعى الوطنى

تفرقت السبل بأهل الثقافة، فمنهم من ارتضى أحضان السلطة ومنهم من ارتضى أحضان الأجندات الغربية ومنهم من ارتضى التشرنق فى برجه العاجى، أما أولو العزم من المبدعين فرفعوا دوما راية «المثقف العضوى» ويأتى فى مقدمة هؤلاء يوسف القعيد، ذلك المبدع المهموم والمهتم دوما بقضايا أمته ومشاكل وطنه كما أنه من القلة المبدعة التى استطاعت أن توازن وتعدل ما بين الإبداع وبين العمل العام، فلم ينسى القعيد أبدا إبداعه الذى راح يجدد ويجود فيه، كما أنه كان دوما فى طليعة المبدعين الذين انشغلوا بالعمل العام، سواء فيما يخص الثقافة أو قضايا الوطن بشكل عام، وربما تلك الحيوية والديناميكية فى الإبداع أو فى العمل العام، هى التى أضفت عليه تلك «الروح الشابة» لدرجة أننا جميعا قد فوجئنا أنه قد صار شابا فى السبعين من عمره، مع بداية شهر إبريل الحالي، وتلك الروح الشابة تجعلنا نشعربالاطمئنان غلى أن «يوسف» سيظل دوما أحد الحراس الأشداء على «خزائن الوعى الوطنى» وعندما نحتفى بهذا الشاب السبعينى فإننا ننتصر لكثير من القيم النبيلة والتى يأتى فى مقدمتها حتمية الشكر والتقدير لذلك المثقف العضوى، الذى يقف دوما فى مقدمة الصفوف لمواجهة المخاطر التى تهدد هذا الوطن العظيم.