الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

اللواء أحمد رجائى عطية وحوار خاص لـ «روز اليوسف»: عشرة أعمدة لصناعة الدكتاتور




حين نطرح تساؤلاً من هو الحاكم الدكتاتور؟ قد تكون الإجابة البديهية انه الحاكم الذى لا يقبل المعارضة، ولكن السؤال يتضمن تساؤلات آخرى من الذى يصنع الدكتاتور؟ هل الشعب ام ضعف المعارضة ام ان الدكتاتور يصنع التواجد لنفسه بنفسه بتحصين قراراته قانوناً ويصنع الازمات لإلهاء الشعب عن الحقائق، ام ان كلا من الشعب والمعارضة والحاكم شركاء فى صناعة الدكتاتور؟
ولاننا على اعقاب انتخابات رئاسية جديدة فإن السؤال الذى يشغل عقل الشعب المصرى هل يكون الرئيس القادم دكتاتوراً آخر أم لا، ولو عرفنا الاجابه عن كل التساؤلات سوف يعى الشعب ما المطلوب منه ويعرف الحاكم مسئولياته اتجاه الشعب، ولأن الرئيس المعزول محمد مرسى هو نموذج للحاكم الذى حصن قراراته ظنا منه ان شعب مصر هو شعب السمع والطاعة.

 

كتبت - سوزى شكرى
حول صناعة الدكتاتور تحدثنا مع اللواء احمد رجائى عطية احد اهم ابطال الوحدة 39 قتال اشهر الوحدات الخاصة وتولى قيادة العمليات الخاصة بمنطقة جنوب سيناء والبحر الاحمر فى حرب 1973 وعلم من اعلام الصاعقة على المستوى العربى والافريقى والدولى، ومؤسس الوحدة 777 مكافحة ارهاب دولى التى اسسها منذ عام 1977، وشارك فى العديد من الحروب، وهو ايضا كاتب وروائى وشاعر ومؤرخ عسكرى واجتماعى .


 فى البداية ذكر لنا اللواء احمد رجائى عطية: «ان الرئيس المعزول محمد مرسى حين اصدر إعلانا دستوريا مساء يوم الخميس 22نوفمبر 2012 كان الإعلان الدستورى يحتوى على بند لتحصين الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية من الطعن عليها أمام أية جهة قضائية، وعدم جواز حل مجلس الشورى الحالى أو الجمعية التأسيسية الحالية من قبل أية جهة قضائية .


فى نفس يوم قرار الرئيس مرسى ادركت خطورة ما سوف تتعرض له مصر فى فترة حكم الإخوان، وبدأت اتابع قراراته طول فترة حكمه وان بالتاكيد هناك العديد من الاساليب القمعية والقيود والاقصاء والمراقبة التى تفرض على الشعب للتخويف والالهاء، واقارن بين افعاله وماتم على مدى التاريخ من حكام صنعوا الدكتاتورية لبقائهم، وتوصلت الى انهم عشرة اعمدة للحاكم الدكتاتور هما: زراعة الخوف فى الأخر، القوة والباطشة والناعمة، القهر النفسى والبدنى، المراقبه العامة والشخصية، الهيمنة حتى الاقصاء، الاعلام لخدمة باقى الاعمدة،  المعارض كائن وكافر، تميز الاقلية على الاغلبية، العدو وتصفية بالمقاتل، القانون وكسر القاعدة .
اضاف «رجائى»: للدكتاتورية أعمدة مثل معابد القدماء المصريين عالية وسميكة يسير الدكتاتور بينهم بالحصان والحصين غير عابئ بأى صوت معارض أو صراخ مظلوم بل أحيانا ينتشى من هذه الأصوات ويزداد غرورا وثقة وخيلاء، وكل ما عبر هذه الأعمدة، أقام أعمدة مماثلة أكثر غلاظه وأعلى ارتفاعا ربما لتغيير أصداء الأصوات والصراخ حتى لا يمل سماعها فالدكتاتور يمل دائما سماع النبرة الواحدة .


وهذا ما كان قبل كل ثورات الشعب المصرى من أول ثورة 19 إلى ثورة 52 إلى ثورة 2011 أو 25 يناير لأنها حقيقة بدأت فى ذلك التاريخ ولكنها سوف تسمى بالتاريخ الذى يتحقق فيه ما قامت من أجله الثورة حقيقة أن مطالب الثورة كانت (خبز – حرية – عدالة اجتماعية) ولكنها نسيت أن هذا لن يتحقق إلا إذا طالبت الثورة أولاً بالديمقراطية حتى يمكن تحقيق باقى المطالب.
ولـم يتيقنوا أنه كما أن هناك جسماً للثورة فإن الرأس تضمن المسيرة ولكن الكل ركـب رأسـه لينصب نفسه ناشط أو خبير أو مفكر فتعددت الرءوس وانحل الجسم .


وتناولنا مع اللواء احمد رجائى عطية الاعمده العشرة للدكتاتور بالوصف والتحليل والتفسير.
اولاً: الخوف وزرعه فى الآخر
ويعتبر هو العمود الأساس للدكتاتورية بل هو لازم للطرفين الحـاكم والمحكومين، فأهميته للحاكم هو المـبرر الرئيسى لتصرفات الحاكم قبل شعبة لبناء باقى الأعمدة التسعة فما بالنا بحاكم مثل مبارك بدء حياته الرئاسية من أسفل كرسى احتمى به فى المنصة يوم احتفالات أكتوبر،  لقد بدأ حياته وهو خائف من كل ممن هم حوله خاصة رجاله، وما أشبه ذلك بالإخوان المسلمين الذى ظل أكثر من 80 عاماً فى حالة خوف وفزع من الآخر من كثر ما عانى .
لذا فإن الحاكم من هذا النوع يُصدر الخوف إلى المحكومين ويقيم به أول عامود فى الحكم الدكتاتورى فيظل الحاكم يمارس كل الأساليب حتى يضمن قيادته لشعب خائف ويكون حريصاً ألا يسقط هذا الخوف أو هذا العمود من شعبه، وتحتار هل هذا المبدأ هو المتسبب فى إقامة باقى المبادئ أم أن باقى المبادئ هى التى أوجدت هذا الخوف فى وجدان الشعب .
لذا عندما أسقط الشعب فى 25 يناير هذا المبدأ وخرج إلى ميدان التحرير وصمد فأسقط الخوف من وجدانه وصدره إلى الحاكم مره أخرى، على المستوى الدولى فإننا نجد أن بوش الابن والذى جعل هدفه منطقة الشرق الأوسط والأدنى ذو الأغلبية المسلمة فإنه ليقنع شعبه الأمريكى بل ليقنع العالم بسياسته العدوانية التوسعية فصدر الخوف إليهم مما هو كل إسلامى وفعلا صار شعبه متخوف من كل الإسلاميين بل واقنع الغرب بذلك أيضا.


ثانيا: القوة الباطشة والناعمة
وكى يحقق الحاكم مبدأ الخوف فإن عليه الاستعانة بقوه حاضرة بمختلف إشكالها لتحقيق هذا الهدف وهذا ما فعله مبارك فى تقوية جهاز الشرطة خاصة وحدات الأمن المركزى والتى أصبحت قوتها قريبة من قوة القوات المسلحة، وكذلك تقوية القوات الخاصة بالحرس الجمهورى وإعطاءه المميزات لضمان ولائه، وكان لزاما لإنشاء قوة خاصة خفية لتظهر فى وقت اللزوم فى أشكال غير تقليدية، وهذا ليس بالجديد فقد ظهرت هذه القوة الخفية ابان الحكم الملكى لمصر من الأحزاب الموجودة وقد اشتهرت بأسماء متعددة مثل «ذو القمصان الزرقاء»، «وذو القمصان الحمراء وغيرها».
 ونجد بعد الثورة ظهور هذه القوة الخفية من خلال الإخوان المسلمين والتى تم التلويح بها أكثر من مرة، بل وتعدت إلى مرحلة استخدام هذه القوة فى أكثر من موقف سيكشف عنها التاريخ فى يوم ما، كما كشف التاريخ عما سبق سواء فى أحداث الكلية الفنية أو ممارسة الاغتيالات ابتداء من مقتل النقراشى باشا إلى اغتيال السادات، أنهم فى وقت ما عندما أرادوا إرسال رسالة لحكم مبارك فقاموا باستعراض هذه القوى فى ساحة جامعة الأزهر وهذه القوة دائما غير معلن عنها حتى لا تتم المحاسبة عليها تماما ومع الفارق عندما استعان بوش الابن بقوات (البلاك ووتر (black water ) .
وعندما تحجج الرئيس مرسى بعدم حمايته لحضور جنازة شهداء رفح، وأقال قائـد الأمن المركزى والحرس الجمهوري وعين غيرهما، ولوح بالقوة الخفية التى تصدت لمدينة الإنتاج السينمائى وقتل معتصمين أمام القصر الجمهور،كان المتوقع أنه فى غضون أيام سيكمل باقى السيناريو بالانقلاب على المجلس العسكرى والذى جانب السلامة، ونجح فى ذلك بعد عدة أيام لا تتعدى اليد الواحدة وبالتالى استرد المبادرة فى إلقاء الخوف فى قلوب المناهضين والمعارضين والذى سارع معظمهم فى الإعلان عن عدم المشاركة فى مليونية 24 أغسطس للمطالبة بعزل مرسى .
وأغفل الإعلام عن قتل المتظاهرين أمام قصر الرياسة وعن الإرهاب الذى تم للعاملين أمام الإنتاج الإعلامى، عدا بعض الأصوات المبحوحة والتى سارعت بالصمت، لقد ظهرت هذه القوة الخفية فى عهد مبارك من خلال جماعات فئوية حتى أصبحت مهنة مقننة فى نظر الدولة تستعين بها فى الأوقـات المناسبة، وكانت آخر ظهور لها فى أيام ثورة (25 يناير)، ولكن حلت محلها وظهرت (الفرقة 95) من الإخوان المسلمين والتى ظهرت فى اليوم الثالث للثورة، وهى التى احتلت أسطح المنازل وأوتيل هيلتون المطل على ميدان التحرير، تزعمت وشاركت فى الهجوم على أقسام الشرطة مع العناصر الإجرامية، وهذا باعتراف قياداتهم من خلال منابر ومحطات التليفزيون وإن فشلت فى أعمالها أبان حركة القضاة (النائب العام) فى منتصف شهر أكتوبر إلا أن ذلك لا يعنى أنها أجهضت .


ثالثاً: القهر النفسى والبدنى
قد يختلط عند البعض مفهوم القهر ومفهوم الخوف، فإن القهر هو نتيجة استمرار الخوف أو استمرار الظلم، وهو شعور محبط لكل الهمم ومكبل باليأس، ووقوع الخوف أو الظلم ليس بالضرورة بشكل مباشر فقط، ولكن صورة السلبية قد تكون أشـد وأقصـى، وقد تكون لها صور ناعمة ولكنـها تلقى القهـر فى داخل النفس البشرية، بعض صور المواقف التى تولد القهر سنجد أشياء منها تتميز بالعنف وأخرى ناعمة فى أشكالها السلبية، ماذا لو سمح الحكام لفئة تخصه بل ويدعوهم للوقوف فى ميادين جميع عواصم محافظات مصر لتأييده أو تأييد إجراء له ولعدة أيام، وفى نفس الوقت وبنفس المذيع ليعلن قرار تجريم قطع الطريق لتطبق على فئة أخرى .
وماذا لو سمعنا وشاهدنا تحرك مجموعات من الأفراد باسم «النهى عن المنكر» أو باسم يدعو للإصلاح أو مقاومة التحرش وهى أناس غير مسئولة ويتسبب عن ذلك زهق الأنفس أو الاذاء البدنى أو القهر النفسى، أو لو تحركت مجموعات تسمى نفسها «جهادية» لضرب مؤسسات بعينها أو ترويع السالمين، ثم لا تلاحق هذه المجموعات التى فوضت نفسها على الشعب بدون سند قانونى ثم غض البصر القانونى والإعلامى عنها .
ولولا الاتفاق فى المبادئ لما تشجعت وسمحت لنفسها هذه المجموعات أن تتحرك خاصة أنها تعلم أن النظام سيحميها، فإن فى هذه الحالة سيروع كل من شاهد أو سمع وذلك من مبدأ الخوف ليصبح الكل مقهوراً، وهناك أمثال سلبية كثيرة تشعرك بالقهر دون أن يمارس عليك عنفا أو ظلما مباشرا وهذا هو ما أسمية العنف والظلم الناعم.


رابعاً: المراقبة العامة والشخصية
من المجحف للإنسان والإنسانية أن يشعر أنه مراقب سواء فى حديثه المباشر أو فى رأى من خلال كتاباته، والأنكى عندما يشعر أنه يحاسب على من يسير معه فى الطريق العام أو فى نزهاته الشخصية أو العائلية أنه شعور بالعرى رغم ارتدائه ملابسه أن الحرية الشخصية هو شىء غال ما دامت لا تؤذى الآخر، أن جميـع دسـاتير وقوانين العالم الديمقراطية المتحضر تمنع أى تنصت أو تدخل فى التصرفات الشخصية والتى لا تؤذى الآخر وقد قامت الدنيا والتى لم تقعد فى أمريكا عندما أراد بوش الابن بفرض قانون لذلك ولكن فى النظم الدكتاتورية فإنها عمود رئيسى لممارسة الدكتاتورية على شعب بأكمله أن شعور المواطن بالمراقبة تخلق شعبا يتلفت حول نفسه ويدب عدم الثقة بين أفراده، وهو أحد الأعمدة الرئيسية لبث الخوف فى الوجدان وقد تكون الوسائل التكنولوجية الجديدة وسهولة الاتصال سهلت ووفرت السبل لذلك، وأن أعمال المراقبة نفسها قد لا تخيف البعض، لان معروفاً ان الهدف الرئيسى من المراقبة ليس إلا بث الخوف لإعلاء هامة الدكتاتور.
خامساً: الهيمنة حتى الإقصاء
وهى العنصر الرئيسى لإظهار القوة وبث القهر ولتحقيق عنصر المراقبة والسيطـرة وهى الزراع الناعمة لتحقيق الخوف من الأعلى وبالتـالى الطاعة والمصارعة للاحتماء فى ظل المجهول، من شروط أن تكون دولة ديمقراطية يجب أن نكون دولة مؤسسات، ولكن إذا سرقت هذه المؤسسات فى قبضة فصيل بعينه فإن المؤسسات المهمين عليها ستكون وستعمل لصالح هذا الفصيل وإن كانت فى بدايتها بصورة أقل وعن استحياء، إلا أنها ومع مرور الزمن أصبحت شارة الفصيل هى المؤهل والجواز للمرور إلى المراتب العليا فى مؤسسات الدولة والطامة الكبرى، إذا كان ذلك فى مؤسسات لها صلة وجدانية مثل الإعلام والثقافة والشباب أو تمس لقمة العيش مثل الاقتصاد والتجارة، ودائما وعلى مدار التاريخ ترتبط بالحزب الحاكم بدء من الوفد أو السعديين والاتحاد الاشـتراكى والحزب الوطنى وصولا بالهيمنة على المؤسسات من الإخوان المسلمين .
وتعـدى الأمر إلى تفصيل القوانين والقرارات الإدارية وهذا ما تم بالفعل وبشكل فاضح بعد ثورة 25 يناير وخاصة فى القرارات الإدارية أو القرارات التى لها صفة القانون، وخاصة بعد أن أجمع الحاكم السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية فى يده، وهذا لا يحدث إلا فى الدول الدكتاتورية،  أركان الدولة المصرية أربعة أعمدة وهى «الجيش والشرطة والقضاء والأزهر» وقد حاول الإخوان الهمينة عليهم وفشلوا رغم ان السلطات بيد الدكتاتور.


سادساً: الإعلام لخدمة باقى الأعمدة
واخطر ما فيه هو فرض الأمر الواقع وتجميله فإن الآلة الإعلامية تخاطب الوجدان سواء بالإقناع ووسائلها كثيرة أو بالأكاذيب وتكرارها حتى تصبح حقيقة، وهى آلة تدخل جميع البيوت وقادرة على التثقيف وعلى نشر الانحطاط والجهالة، لذا يحرص الدكتاتور والنظام الشمولى بأن يسيطر على كافة وسائله سواء من صحافة أو إذاعة وتليفزيون وسينما، وللسيطرة على الإعلام فإن الدكتاتور يلجأ دائما للسيطرة عليه بتعيين أتباعه للهيمنة عليه. وليس المهم أن يكون من الاتباع فإن هناك من المنافقين يتطوعون لعون الدكتاتور لتحقيق مصالح وهذه الفئة أكثر حرفية عمن هم الاتباع لتيار ما .
ولدينا المثل الأكبر فى تجسيد بطولة الدكتاتور عندما اختصر السادات معركة 73 فى أنه اصدر أمر بدء المعركة، وتجاهلت كل وسائل الإعلام من أعاد بناء الجيش بعد معركة 67 ومن درب الجيش ومن وضع الخطة، وتم تجاهل أى أخطاء أو تخبط فى إدارة المعركة، بل وقلبها إلى بطولات، وجاء من بعده مبارك لتختصر معركة 73 فى الضربة الجوية الأولى فقط، ولم يذكر الضربة الجوية الثانية وإلغائها، وليجىء من بعده الإخوان المسلمين والمحاولات المستميتة فى أنهم أصل ثورة 25 يناير، يسعى الدكتاتور دائما لتكميم الأفواه والاستعانة بأعمدة القهر والتخويف والتخوين لتحقيق السيطرة على الإعلام .


سابعاً: التميز للأقلية على الأغلبية
أشك فى هذا العمود على أنه عنصر مساعد لإقامة الدكتاتورية مع بدايات القرن 21 ومع سهولة التواصل فى التعاملات، إلا أننى مضطر لذكره لأنه مازال وبجهالة، مبدأ من مبادئ إقامة الدكتاتورية فى العالم الثالث،. وأننا نجد هذه الصورة واضحة فى البلاد العربية بعد تقسيمها حسب اتفاقية (سيكس – بيكون) والتى انتدب على هذه البلدان الانجليز والفرنسيين، وقد ظهر جليا هذا الأمر فى البلدان تحت الحكم الانجليزى، فاختارت العلويين للحكم فى سوريا والهاشميين على الأردن، والعـراق وأسرة الشاه بهلـوى فى إيران، الأروام النصارى فى لبنان والصهاينة بفلسطين، وأن كان للصهيونية العالمية شأن آخر، ولم تتمكن من مصر فى هذا الأمر حيث كان هناك حكم ملكى راسخ وأحـزاب ذات تجارب ومعايشة ديمقراطية من الصعب اختراقها.
لقد رفعت هذه الأقليات على رؤوس هذه البلاد والتى هى فى الأصـل مستضعفة من قبل شـعوبهم ولكنها تقويهم بالسلاح والمال وتشعرهم بأنها هى السند الوحيد لهم وبالتالى تضمن ولاءهم وتشعر هذه الأنظمة بخطورة أن تتخلى عنهم الحماية والمستعمرة لهذه البلد، ولكى تدافع هذه الأنظمة المستضعفة عن نفسها فإنها لا تقوى على حماية نفسها إلا بحكم الحديد والنار أى النظام الدكتاتورى.
لذا عندما تحكم فئة قليلة فإنها تجمع شتاتها ومجموعاتها فى أعلى المناصب وتعطية من المميزات ما يجعلها حريصة ألا يضيع هذا التميز وتشعر أنه إذا انهار هذا الحاكم الدكتاتورى فإن فيها نهايتهـم، وللأسف هذا ماتسعى إليه دائما هذه الفئة المستضعفة، وهى التيار الدينى فى مصر والذى ربط بين الدين والحكم أو أخذ حجة الدين للوصول للحكم.
وان الأجهزة السيادية هى (الجيش والشرطة والقضاء) والجهاز الرابع هو الأزهر وهو موجود وتختص بها مصر فقط والذى كان سابقا منتشراً روحياً فى جميع الدول العربية والأفريقية.
وبما أن أقوى سلاح فى العصر الحديث هو المال، فإنك تجد دولة بل إمبراطورية بلا وطن وانحصر الوطن فى الكرسى الجالس عليه هذه الفئة المتميزة. على مستوى العالم هناك إمبراطورية عالمية وطنها الدول الكبرى يتحكم فى امكانية دولها لتتحكم فى شعوب العالم الثالث بهدف إعلاء هذه الإمبراطورية المالية والتى لا وطن محدد لها بل إنها تدير أكبر مؤسسة دولية لحسابها ألا وهى الأمم المتحدة.


ثامناً: المعارض عدو أو خائن أو كافر
فى جميع الدول الدكتاتورية فإن المعارض عدو وليس مناظراً أو ناقداً، وفى صفة أخرى أنه خائن حيث خان ما لقن به حتى لو لم يسمع عن هذا التلقين، كما أن صفة الكفر تضاف للدكتاتوريات الدينية حيث إن المناهضة فى هذه الحالة ليس لها صفة غير الكافر لأن الموالى هو المؤمن أبيض أو أسود وبالأحرى إيمان أو كفر.
وأن كانت وبعد ثورة 25 يناير من الصعب إطلاق أى من هذه الصفات لأى معارض حيث إن من عادة الدكتاتور أن تستمر بلده فى أزمات مفتعلة حتى يضمن الهاء الشعب عن دائرة حكمه وهذا يتوافق أيضا مع اتجاه الغرب الصهيونية وأيضا مع الحكم السابق.
فانطلق العفريت من القمقم ومن الصعب حبسه مرة أخرى لأن الدكتاتور ليس وحده فى الساحة بدليل أنه وبعد 80 يوما من حكم مرسى وباقى 20 يوماً على وعد الاستقرار، قد سجل فى إحصائية أن هناك 1410 أعمال شغب بين اعتصامات وقطع طرق وخروقات أمنية جماعية أى بمعدل (18) عملاً فوضياً فى اليوم الواحد.
يخلق النظام الدكتاتورى معارض للتخلص من معارض أقوى أو راسخ فى التواجد، وكان هذا واضحا عندما استعاد السادات ظهور الإخوان للقضاء على الناصرية وكما فعل مبارك عندما استعان بالإخوان المسلمين كفزاعة للشعب المصرى والعالم الغربى وأمريكا لكن الشعب للأسف استعان بالتيار الدينى ليقوى بهم على الدكتاتورية وهم لا يعلمون أن اللاحق استنساخ للسابق .
أما أمريكا فإنها دعمت الإخوان للاهداف أخرى معلومة فى المخطط الأمريكى الصهيونى، وهو لخلق الفوضى، وبالتالى خلق عدواً له ليبرر دخول تدخله السياسى والعسكرى فى المنطقة وقد استغل ذلك من خلال ما يسمى «بثورات الربيع العربى»، والدكتاتور لا يتفاوض أبدا مع المعارض، فنجد فى أمريكا أنها تتفاوض فى أقل الأمور مع شعبها بديمقراطية وحرية،  وفى نفس الوقت لا تتفاوض مع المعارض من الشعوب الأخرى، وتستخدم جميع الأعمدة الدكتاتورية إلا الديمقراطية لأنها تعتبر فى ذلك هزيمتها لدرجة أنها وضعت معارضها فى سجن خـارج بلادها ذات القوانين الديمقراطية وهو سجن جوانتانامو وعندما يتفاوض الدكتاتور مع معارضيه فإن فى ذلك نهايته لا محالة مثل ما فعل مبارك مع التيار الإسلامى وكما كان سوف يفعل الإخوان مع المعارضين باسم الدين والجهاد .


تاسعاً: العدو وتصنيفه بالمقاتل
أن المعارض هو درجة من درجات العداء بالنسبة للدكتاتور وإذا صنف الدكتاتور أن المعارض عدو له فسيكون ذلك سقطة غبية منه وقد وقع فيها مبارك أكثر من مرة ولكن غالبا ما يكون الدكتاتور بالذكاء لتحويل المعارض إلى عدو للشعب وأنه أى الدكتاتور ونظامه هو حامى الشعب، ولكى يقضى عليه فيجب أن يمارس عليه معظم أعمدة الدكتاتورية من قهر وبطش وهيمنة وفى هذه الحالة يجب وصفه وتصنيفه فى الإعلام على أنه عدو مقاتل وليس بالمسالم.
ومن هذا المنطلق تكون المعاملة بالمثل أى الاقتتال حتى السجن والتنكيل والقتل أحيانا (الإعدام) وذلك كله مدعياً أنه يحمى الشعب، بل ويستغل ذلك لتحقيق مبادئ وأعمدة الدكتاتورية على الشعب نفسه بشكل غير مباشر.
فى مصر فقد ضمن الجيش سلامة الشعب قبل أن تراق دماء كما حدث فى ليبيا أو سوريا والتى اعتبر الحاكم فيها أن المعارض عدو ومقاتل رغم أن المعارض لم يرفع السلاح إلا دفاعاً عن نفسه.
أما ما حدث فى العراق من قِبل أمريكا أو إسرائيل قبل الفلسطينيين سواء فى الضفة أو غزة أو فى لبنان، فإنها الدكتاتورية على مستوى دولى يغض المجتمع الدولى عنه للمصالح المشتركة، ودائما ما يستعمل الدكتاتور سواء على المستوى العالمى أو مستوى الدول بما يسمى الضربة الاستباقية للتدمير، بل وتبلغ البجاحة أنه يؤكد تصنيف عدوه بأنه مقاتل بدليل أنه يقتله ويدمره .


عاشراً: القانون: وكسر قواعده
إذا شاهدت شخصية مخالفة ونكسر القوانين والآداب العامة فأعلم أنك أمام دكتاتور، حيث إنه يعتقد أنه بذلك يقهر ما دونه وما حوله، وأنه فوق القانون، ولكن لماذا يلجأ الدكتاتور إلى كسر القوانين ؟ ذلك ليظهر بمظهر القوة، وأهم عمود فى الدكتاتورية ألا وهو الخوف وبذلك يصـدر الخوف للجانب الآخر وغالبا ما يكون هو نفسه الشعب المحكوم، إن للدولة مؤسسات سيادية وأهمها القانون فماذا لو تجاسرت على القانون، أكيد أن ذلك سيرفع وبناءً على هذه النظرية فإن الإخوان المسلمين عندما اعتلوا الحكم فقد دأبوا على تبنى هذه النظرية، بل وكانت أول قرار جمهورى هو عودة مجلس الشعب، رغم علمهم تماما أن أعلى سلطة قضائية فى الدولة قد حكمت ببطلانه، ولكن التعمد فى إظهار كسر القانون أو إصدار قوانين لا يقبلها المنطق والعرف هى قاعدة كى يبدو الحاكم كأنه الإله العاطى المانح المهيمن الجبار، واستغفر الله!.