الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

فن الخسارة.. وخسارة الفن




كتب: محمد الدويك

على كلمات المطربة الفرنسية، سوكو، «إن لم تكن جاهزا للحب، كيف تكون إذن جاهزا للحياة!» أكتب.
يقول المثل، الحرب أولها كلام. لذلك كان الشعراء، قبل الفرسان، هم من يعلنون بيان الحرب. بالذم والهجاء، والأكاذيب أيضا. وضخ الحماسة فى النفوس ليهيئوها للقتال. وكان كعب بن زهير، الشاعر الجاهلي، أحد أهم المحرضين على حرب الرسول. فأهدر الرسول دمه بوصفه أحد أمراء الحرب. يقول الجنرالات، عليك أن تخوض حربا كبيرة لإنهاء الحرب. وتتمكن من بدء السلام. ولكن كعب ذهب للرسول، معتذرا، يريد الدخول فى الاسلام. فقابله الرسول بحفاوة وفرش له بردته،عباءته، ليجلس عليها تشريفا، وأنشد كعب قصيدة مطلعها يتغزل فى جمال إمرأة غزلاً صريحًا يداعب بواطن النفس المختلطة بين الجمال والرغبة والألم.
يقول: هَيْفاءُ مُقْبِلَةً عَجْزاءُ مُدْبِرَةً .. لا يُشْتَكى قِصَرٌ مِنها ولا طُولُ / تَجْلُو عَوارِضَ ذى ظَلْمٍ إذا ابْتَسَمَتْ .. كأنَّهُ مُنْهَلٌ بالرَّاحِ مَعْلُولُ
الهيفاء هى المرأة الممشوقة نحيلة الخصر. والعجزاء جميلة الأرداف. والبيت الثانى يصف أسنانها الناصعة التى تبدو إذا ابتسمت كأنها غسلتها بشراب الخمر.. لم يصفه الرسول بالمجون والانحلال. لم يقل أنت تحض الناس على الرزيلة والغواية. ولم ينهره لأنه تحدث عن الخمر.. الرسول قدر موهبة كعب. وأعلى من شأن فن الكلمة التصويرية التى تعبر عن الانسان. بل جعل الفن بداية دخول الرجل لدين الله! عندما جاء وفد من الحبشة. حيث افريقيا بطبولها الضخمة ورقصاتها الاقليمية المبهجة. استقبلهم الرسول فى المسجد. وتركهم يرقصون بالحراب واستدعى زوجته لتشاهد. كان الرسول رجلا مستنيرا واسع الأفق. يحترم ثقافات الناس ويترك مساحة من الإباحة يعبرون فيها عن مشاعرهم. ويجعل المسجد، رمز القداسة، يفوق مسرح البولشوى. الفنان عمر الشريف يقول إن المنتجين اليهود يسيطرون على 90% من سينما هوليود. ولا يستطيع مخرج أو ممثل أن يصدر تصريحا أو يتبنى موقفا يعادى الصهيونية وإلا تم حصاره ومنعه من العمل. بل قد يجعلوه شحاذا يتسول أدوارا جانبية.. مارلون براندو صاحب أشهر شخصية فى تاريخ السينما، رجل المافيا فى godfather قال تصريحا مضادا لاسرائيل فاضطروه للبكاء والندم والزحف على ركبتيه كى يسامحوه ويمنحوه دورا جديدا بعد الحصار القاتل. لا تستخف بالأمر، فخمسون فيلما أنتجتهم هوليود تمثل العرب المسلمين على أنهم همج، رعاع متخلفون، هى التى شكلت الذهنية العالمية عن الإسلام. هؤلاء هم أمراء الحرب الجدد. ولمواجهتهم يجب أن نمتلك أسلحة موازية. بالفن. والصورة. والكلمة. كوريا الجنوبية بعد أن غزت العالم بسامسونج وهيونداى. أنتجت أغنية خفيفة «جانجام ستايل» والتى شاهدها مليار انسان حول العالم لا يفهمون الكورية. لكنهم فهموا أن الكوريين على الطرف الآخر من العالم أكثر تحضرا من الأوروبيين. عندما أنشأ طلعت باشا حرب مصانع الغزل والنسيج والبنوك وشركات الطيران فى العشرينيات صنع الى جوارها سينما مصر. وكانت عزيزة جلال هى أولى الممثلات. فالانسان الذى لا يصنع الفن لن يصنع العلم. لن يزرع الأرض أو يدير المصانع.. فحركة صعود وهبوط مصر الحديثة ربما يماثل صعود وهبوط الفن فى مصر. راقب الفن تعرف أين مصر. الفنانون الإيرانيون استطاعوا كسر الحصار الفقهى الخانق وصنعوا سينما ذات تنافسية عالمية. بفيلم «انفصال» للمخرج أصغر فرهادى والذى حصل على الأوسكار فى 2012. وفى ايران عقوبة لمن تظهر فى الاعلام بدون حجاب!. والسعودية بدأت أولى خطواتها بفيلم «وجدة» الفتاة التى حلمت أن تمتلك دراجة لتقودها فى حارتهم الصغيرة.. فهل نجد الفن سلاحا عالميا يدافع عن قضيتنا أم أننا احترفنا فن الخسارة.!


كاتب فى الفكر الإسلامى