الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قانون الضمير وضمير القانون




كتب : محمد الدويك

الدولة، نظريا، هى الوحيدة التى تحتكر امتلاك السلاح، وتمتلكه لتطبيق القانون وحل المشكلات، ولكن لم يثبت يوما أن مجتمعا خلا من الضمير استطاعت قوانينه وحدها أن تصلح كل مساوئه، فالمجتمعات المتحضرة تملك ما هو فوق القانون. الجينات السلوكية فى الدماغ. يقول الاطباء، لا تؤدى دائما إلى نتائج حتمية، لكنها تتأثر بعوامل أخرى مثل الحلال والحرام، والحب والأمل، لذا يصير الإيمان، بعض الوقت، أقوى أثرا على جينات الإنسان من شرطى المدينة المسلح أو الجندى الذى يرقب الحدود.
الاسلام لم يأت بنظام للحكم، أو قواعد سياسية لتداول السلطة، لكنه أتى بأخلاق سياسية، والالتزام بها ليس أمام الشعب منبع السلطة فقط، لكن أمام الله منبع الضمير، من الممكن أن يخدع الحاكم الشعب ويلجأ لآليات ديمقراطية، شكليا، ليأمن المساءلة، فأسوأ أنواع الاستبداد هو ذاك الذى يحمى نفسه بمظاهر ديمقراطية! والالتزام بالأخلاق الإسلامية ليس أمرا رفاهيا، فالحاكم الذى يكذب على شعبه لن ينظر الله له يوم القيامة، احتقارا، ولو صام وصلى وتهجد فى الليالى العشر، فكيف به لو ظلم وسرق واستبد بالناس!
يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) «ثلاثة لا ينظر الله لهم يوم القيامة ولهم عذاب أليم، شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر» رواه مسلم، لاحظ، ملك كذاب.
الغربيون قضوا قرنين من الزمن يكرسون لمجتمع ديمقراطى قبل دولة ديمقراطية، طريق طويل وشاق بدأوه بالثورة الصناعية والإصلاح الدينى ودعم العلم، حتى آمن الناس بها، فانتقلوا من الثقافة إلى السياسة، ومن القيم إلى الاجراءات.
والقيم لا تأتى بالقمع أو اختصار المراحل، ولكن بالإيمان والتنوير، وهنا دور الإسلام، علاقتك بالله تنعكس على تعاملك مع البشر، وجودة إيمانك تظهر فيما تعطيه للحياة من صدق وعمل وإيثار، فأعظم الاعمال الدينية هو العدل، قال رسول الله، «عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة»، فماذا يفعل الله بجماعة من الزهاد يعيشون فى مدينة ظالمة!
فى مصر من تجاوزت ثروتهم 50 مليون جنيه، للفرد، يمتلكون فى مجموعهم 350 مليار جنيه، وهى ثروة معفاة من الضرائب على الأرباح الرأسمالية فى البورصة، بينما 80% من المصريين يعيشون على أقل من 500 جنيه شهريا، والدولة مترددة فى فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية حتى لا تهرب الاستثمارات، وهنا دور المجتمع الذى يكمل عجز القانون، فالله فى عديد من آيات القرآن نسب المال إلى ذاته، حتى لا نبخل به، ونعرف أن ملكيتنا له ملكية تنمية وتوزيع عادل، يقول الله (وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِى آتَاكُمْ) 33 النور.
ولكى لا يظل المال متداولا بين حلقة مغلقة من كبار المليارديرات، جعل الله موارد الدولة –الفيئ- توزع على الجميع (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) 7 الحشر. فوظيفة المال لا تنتهى عند منح الفقير ما يسد جوعه، بل المساهمة فى توازن نسبى يضمن توزيع الثروة بالتساوي.
يقول الرسول (ص) «احتكار الطعام فى الحرم إلحاد فيه»، فساوى بين احتكار الطعام، كمثال لاحتكار اى سلعة يؤدى الى زيادة الاسعار وإرهاق الناس، وبين الإلحاد بالله، فكم من ملحدين يعيشون بيننا الآن وهم يتلون آيات الله!
الايمان وحده لا يكفى، كما أن القانون البشرى يمكن اختراقه والتحايل عليه، والمراوحة بين الدولة التى تنشئ آليات للحكم وتداول السلطة، وبين الميثاق الايمانى المستقر فى ضمير الناس، هو الذى يضمن التقدم.
كاتب فى الفكر الإسلامى