الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الأمن الجامعى




كنب : د.حسين محمود

قبل عامين قضيت فى أكسفورد أسبوعا، وهى مدينة فى إنجلترا تقوم فى نشاطاتها وعمرانها على وجود جامعة أكسفورد فيها. بدت المدينة كأنها «فردوس» أكاديمي، لا متعة فيها إلا للعالم والدارس، تسير فى ردهاتها تحيطك المكتبات ومقار الجامعة ومستشفياتها. تشم فى كل ركن فيها رائحة العلم. مدينة مفتوحة، ليس عليها حراس ويندر أن تعثر على عسكرى مرور فى شوارعها. وهى مع ذلك كثيفة النشاط، بما فى ذلك النشاط السياسي، وكثيفة السياح.
 ومنذ أربعين عاما ارتاد جامعات أوروبية شتى، منها جامعة موسكو أيام العهد الشيوعى (أواخر عهد بريجينيف، آخر سكرتير عام للحزب الشيوعى السوفيتي)، وأزور على نحو خاص الجامعات الإيطالية عدة مرات فى العام الواحد. ولم أر فى كل تلك المرات شرطة داخل الجامعة. ولا حتى أمنا إداريا. بل أيضا لا توجد بوابات فى بعض الجامعات.
فى إحدى محاضرات الأدب الإيطالى بجامعة روما قابلت أشخاصا مسنين، يحضرون محاضرات الأستاذ الكبير الذى كان يتحدث عن الأدب الإيطالى المعاصر، وسألتهم بعد المحاضرة إن كانوا لا يزالون طلابا فى مثل هذه الأعمار، فقالوا إنهم ليسوا طلابا، ومعظمهم على المعاش، وأنهم مهتمون بشكل شخصى بقضايا أدبية ويحضرون هذه المحاضرات لإرواء عطش المعرفة لديهم. أنا نفسى كنت أحضر هذه المحاضرات دون أن أكون طالبا، ودون الحاجة إلى استئذان الأستاذ المحاضر.
وفى جامعة نابولى الشرقية كان الطلاب ثائرين ثورة عارمة على الحكومة وعلى وزارة الجامعات التى توازى وزارة التعليم العالى لدينا، وعلى سياساتها الاقتصادية واستقطاعها من ميزانية الجامعات مما يضر بمصلحة الطلاب، واحتل الطلاب المبنى الإدارى للجامعة، فاحتلوا مكتب رئيس الجامعة ونوابه وطاقمه الإداري. ولم يحضر عسكرى واحد للجامعة، بل انطلقت موجة من المفاوضات بين الطرفين، إدارة الجامعة والطلاب، انتهت إلى العثور على حل وسط أنهى الأزمة.
وفى جامعة موسكو، أيام الشيوعية، كان هناك وجود محسوس – غير ملموس – للمخابرات، ولكنها لم تكن تعترض أحدا داخل الجامعة، بل لم تكن تستطيع أن تميز بين رجل المباحث أو المخابرات من ناحية والطالب أو الأستاذ العادى من ناحية أخرى.
وفى جميع هذه الحالات لم أر غصنا فى شجرة يقطع أو مقعدا يكسر، أو ورقة تحرق. والمعادلة التى يمكن أن تستخلصها فى كل هذه النماذج هى أنه كلما زادت الحرية فى الجامعة كلما زاد أمنها. الأبواب المفتوحة هى التى تمنح الجامعة حصانة من التخريب، لأنها فى هذه الحالة تجد من يدافع عنها، ومن يدافع عنها هو صاحب المصلحة فى وجودها، هو المستفيد الأخير، الذى يحس بأنه ملكه، ينتمى إليها كما تنتمى هى إليه. جامعة يملكها طالب العلم مهما كان وضعه الاجتماعى أو اتجاهه السياسي. حياة الأمة فى حياة جامعاتها، وحياة الجامعة فى حريتها واستقلاليتها.
أستاذ الأدب بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
[email protected]