الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الذين جاءوا بالإفك




كتب - محمد الدزيك

سيدنا النبى محمد يخرج للصلاة، يمشى فى الطرقات ويغشى السوق، يتهامس الناس عن الأمر. يرونه فيسكتون. لكن الكلام يبدو فى العيون. فيلتفت والحزن يحيط قلبه. نبى الله يمر بأعنف مشكلة يمر بها إنسان. أن يطعن أحدهم فى عفاف أهله. حماقات البشر لا تنتهي. ظلمهم وعدوانهم وقدرتهم على صناعة الكوارث التى تبدأ بكلمة. هكذا عاش أنبياء الله فلا تحلم بمجتمع من الملائكة. ولتتأهب لمواجهة مصاعب الحياة، بالصبر والشرف والقدرة على العفو. ولترى الله من وراء الغيوم والهموم.
مدينة الرسول تمر بلحظات حرجة. الكلام يتردد أن زوجة الرسول «قائد الدولة» وقعت فى الزنا. وغاب الوحى شهرا. ومن كثرة الهموم ارتاب النبى ووقع شىء فى صدره، وأتى ببريرة، خادمة عائشة، يسألها عن أخلاقها، فأثنت خيرا. وعاد لعائشة يتحدث معها ولا ينظر لها. بكلمات عصرها الألم:
«لو كنت بريئة فيبرئك الله. ولو كنت ألممت بذنب فتوبى إلى الله، فإن العبد إذا اعترف بذنبه وتاب، تاب الله عليه».
لم يهددها الرسول ولم يتوعدها بالقتل كعادة العرب. فالإيمان رحلة شاقة، رحلة الإنسان من التخلف إلى الحضارة. من الانتقام والعنف إلى الرقى والسلام. من وعثاء الدنيا إلى نور الآخرة. ويقرر أن الحدود تسقط بالتوبة والاعتراف بالإثم. فباب التوبة أكبر من باب العقاب. والستر على الإنسان أولى من الوفاء بحدود الله.
كانت عائشة فى صحبة الرسول، ونسيها الجيش، فجاء صفوان واصطحبها حتى المدينة. فتكلم أحدهم عن شرفها. والطعنة أتت من ابن خالتها. مُسطح. وهو رجل شهد بدرا! وكان فقيرا وأبوبكر ينفق عليه. فمنع عنه النفقة. لو أنه أطلق لجاهليته العنان لذهب وقتله ومثل بجثته. لكن الإسلام ترك أثرا فى سلوكهم. وتنزل الآيات تحض أبا بكر على العفو والصفح وإعادة النفقة على الشاب الذى طعن فى شرف ابنته: (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله.. وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) النور 22.
كيف أتخلص يا ربى من أحزانى الخاصة. ورغبتى العادلة فى رؤية الظالمين يحترقون!
الإيمان ليس ترفا، بل مسئولية عميقة لتجاوز الذات وتنقية النفس، والعطاء الأبدى بلا مقابل. ليس نزهة سياحية للحج أو ثمانى ركعات فى قيام رمضان. وعلينا أن نطرح السؤال من جديد: ماذا يريد الله منا؟
ونزلت الآيات بالبشرى: (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل أمرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذى تولى كبره منهم لهم عذاب عظيم... لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين.. لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون.. وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) 17 النور.
تريد اتهام أحدهم بشىء، لتأت بإثبات لا يقبل التشكيك، شهود عدول. وإلا ثمانين جلدة عقاباً فى ظهرك ولا تقبل لك شهادة أبدا وعند الله من الفاسقين. فلا ينشأ المجتمع على الأكاذيب ونقل الفاحشة.
لو حدث ذلك فى أى ثقافة أخرى، أن جرؤ أحدهم وذكر زوجة الحاكم بسوء، لربما قتلوه وأهله والمدينة التى يعيش فيها. لكن الرسول «كمواطن» يخضع للقانون ويطلب الشهود ولا ينتقم لنفسه. ومن اتهم زوجته عاش بينهم، ينفقون عليه.
أكتب ذلك على خلفية أحداث أسوان، 23 قتيلاً و50 جريحاً وحرق عشرات المنازل من أجل شائعة. جملة كتبها أحد الصبية على الجدران، فيتحول الأمر إلى حرب أهلية تتناثر فيها الجثث، ألف وخمسمائة عام على الإسلام ولم نعرف منه سوى الأذان فى أذن المولود، وأربع تكبيرات بلا ركوع أمام جثث موتانا. وبينهما لا شىء.
كاتب فى الفكر الإسلامي