الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التحرش بالمرأة الذى ذاع صيته




كتب :محمد جلال

الرجل جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع البشري، الذى لا يتصف مطلقاً بالمعصومية من الخطأ، فمن البديهى أن يكون هناك خروج من بعض الرجال عن المألوف من تعاليم الدين، أو العرف.
وما انتشر فى أيامنا الأخيرة عن تحرش بعض الرجال بالنساء فى الحدائق والمتنزهات والأماكن العامة، إنما يعد ظاهرة شديدة الإيلام فى جسد أمتنا،  فلا ندرى هل تعد الأنوثة خطيئة، حتى تدفع المرأة ثمنها عند خروجها؟، أو دخولها، أو عند احتكاكها بهذا المجتمع؟ على الرغم أن المتحرش بها تعيش فى مجتمع مسلم حث على حفظ الاعراض وصونها إذ يقول الله عز وجل» « فَلَا يُؤْذَيْنَ»
التحرش بالمرأة يمثل اعتداء حقيقياً على محصن أمتنا ونصف مجتمعنا ويعد تعبيراً عن انحراف سلوكي، ونوعاً ٍمن أنواع الإجرام والعنف الاجتماعي، فوجود تلك الظاهرة فى المجتمع المصرى المسلم يرتب أمراً واجباً على كل ذى دين غيور يتمتع بخلق الرحمة والرأفة، من عدم السكوت عليه.
ولا شك أن ظاهرة التحرش تمتد عن عوامل كثيرة منها قصور التربية من الأسرة،  فالأسرة هى المتهم الأول، خاصة أن حتمياتنا الوراثية العربية، تقرر فى ابسط ما تحتوى عليه من فضائل، أن للأعراض حرمة، لا بد من صيانتها، حتى أن شاعر الجاهلية عنترة بن شداد، دل على ذلك فى قوله: وأغض طرفى ما بدت لى جارتي/ حتى يوارى جارتى مأواها.
وكان العرب فى جاهليتهم قبل الإسلام يتحاشون التصريح بذكر المرأة، فيكنّونّ عنها بالشاة، أو النعجة «استحياءً وتعففاً وخوفاً عليها»، فالحياء قد منع جريراً من رثاءِ زوجه صراحةً، وزيارة قبرها جهاراً. وقال مالك بن الريب لما عدّ من يبكى عليه من النساء: فمنهن أمى وابنتاها وخالتي/ وباكية أخرى تهيج البواكيا.
أما فى أيامنا الحالية ينتهك عرض المرأة العربية المسلمة، رغم أن نسبة النساء المحجبات فى مصر تقريباً 80 %  إلا أن نسبة التحرش بلغت 71% ..، لكن يذهب البعض إلى أن سبب إنتشار هذه الظاهرة هو عدم ارتداء النساء للحجاب.
وهناك اسباب اخرى للتحرش مثل شبكة الانترنت وما تقوم به من دور سلبى فى بعض الاحيان بعدما اصبحت فى متناول الكثيرين، من خلال انتشار مواقع تجارة الاباحية الذى يؤدى إلى إثارة غريزة الشباب وتأجيج عواطفهم، فعلى حسب تقديرات معهد فور ستر للابحاث أن مكاسب المواقع التى تنشر الصور الفاضحة فى عام 1998، بمبلغ 800 مليون دولار، وفى عام 2000 تجاوزت مبلغ البليون دولار. ويذكر من بعض الدراسات التى اجريت على المجتمع المصرى أن  68% من مجموعة المبحوثين يرون أن هناك علاقة بين الانحراف والجرائم المرتكبة وبين مشاهدة أشرطة الفيديو الجنسية.
إن علاج تلك المشكلة التى تمثل الخروج الصارخ من بعض أبنائنا عن نطاق الشريعة الإسلامية بما تستوجبه من حسن الخلق وصيانة الأعراض تقتضى على الجميع أن يتحدث فيها، لأن الصمت هو السبب فى تنامى هذه المشكلة الاجتماعية، ومن ناحية أخرى يجب أن تسن القوانين، أو التشريعات، وأن يحدث تلافى للقصور الذى نعانيه فى العقاب على تلك الظاهرة الإجرامية، خاصة أن أول حكم صدر لمعاقبة متحرش جنسي فى مصر كان فى عام 2008،  والذى كان بحق مواطن تحرش بمخرجة أفلام وثائقية، علماً بأن هذا النص ظل إستثنائياً لعدم وجود نص فى قانون العقوبات المصرى يعرف التحرش بشكل دقيق، بل إن هذا الحكم قد صدر بناء على اجتهاد من القاضى قياساً على جرائم اخرى.
إن الصمت على هذه الظاهرة الاجرامية المستحدثة الغريبة عن مجتمعنا المتحضر يرسخ لوناً من ألوان إهانة المرأة، وصورة من أبشع صور الظلم لإنسانيتها التى حذر الله من وقوعها على المرأة، كما أن فى الصمت على تلك الانحرافات اعتداءُ يفوقها، فالأمر  اذن يستلزم نظرة تشريعية لشمول المرأة فى هذا الشأن بالحماية الجنائية من لون جديد من الوان الانهيار اخلاقى الذى ذاع صيته وانتشر.

مستشار قانونى وباحث
 HYPERLINK «mailto:[email protected]» law_