الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الاعتدال والوسطية




العدل نظام كل شىء والوسطية سمة هذه الأمة، والإنصاف عز فى هذه الأيام، وسيطر مكانه الخلاف، فصارت الحاجة ماسة إلى المنهج السليم والقسطاس المستقيم، لنزن الأمور ونبتعد عن الجور، والغلو والإفراط والتفريط ليست من صفات هذه الأمة.
معلوم أن الإسلام دين وسطية فى عقيدته وفى عبادته وفى معاملاته وفى تصوراته للكون والحياة، لأنه دين حضارى جاء لنفع البشرية كلها وحملها على الطريق السوى، إن الله تعالى قال: «وكذلك جعلناكم أمة وسطى لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا» فهذه الأية وسط فى كل الأشياء أى أفضلهما والتى منها حدث النبى «ص»: «إذا سألتم الله تعالى الجنة فسألوه الفردوس الأعلى فإنه وسط الجنة ومنه تتفجر أنهار الجنة».
فنحن أمة وسط فى الاعتقاد لاغلو فى الجانب الروحى ولا المادى إنما يعترف الإسلام بحق الجسد كما قال تعالى: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا» وكذلك الجانب الروحى حيث خاطب به المؤمنين تعالى: «يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم».
ومعلوم أن الاستجابة لله وللرسول تعد استجابة لحياة الروح لا حياة البدن وهذا يدل على أن الإسلام ينبذ الزهد غير الحقيقى.. فالزهد ليس أن تلبس الرث من الثياب والملابس وتترك المأكولات وتنام فى العراء وتقول هذا زهد.. بل هذا تنطع فى الإسلام وليس منه فى شىء ولكن الزهد الحقيقى هو الاقتصاد والاعتدال فى هذه الأمور بدون إفراط أو تفريط.
وكذلك ليس من الإسلام الالتزام بالجانب الظاهرى فحسب ويكون الباطن خاويا والضمير مستترًا وإن شئت فقل بلا ضمير أصلا عند قضاء مصالح العباد ويترك العنان لنفسه ويستبيح حرمات الناس وتجده فى الظاهر ملتزما بكل التعاليم وتلك آفة عصرنا ومرض كثير من إخواننا.
الوسطية فى التفكير والشعور لا تقف على ما علمت بل ويجمد تفكيرك على ما تقول وقولك هو الصواب وغيره هو الخطأ.. فإنك بهذا خالفت الأمة جميعًا فهذا هو الشافعى يقول رحمه الله: «قولى صواب يحتمل الخطأ وقول غيره خطأ يحتمل الصواب» فالأمة الإسلامية شعارها «الحكمة ضالة المؤمن أتى وجدها فهو أحق بها» وكذلك فى المشاعر وسطية واعتدال لا غلو فى الحب أو الجفاء بل كما جاء فى الأثر «أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما.. وأبغض بغيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما».
فكم من حبيب صار عدوا.. وكم من عدو صار حبيبا.. وفى هذا يجمع الإسلام بين العقل والعاطفة فلا يترك العواطف تجر الإنسان حتى يصل إلى العشق الممنوع والذى يودى بصاحبه إلىالهلاك والدمار ولا إلى العقلانية بحيث يسير عقلا متجمدًا بلا مشاعر بل لابد أن يجمع بين الاثنين بعقلانية فى الاعتدال ومشاعر فى وسطية تامة حتى لا يندم.