الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أسامة كمال: الشعر هو المادة الخام لكل الفنون وكل مجالات الكتابة




أكد الكاتب أسامة كمال ابن بورسعيد أنه بدأ الكتابة منذ أن كان طالبا بأولى ثانوى تقريبا، ووقع فى غرامها، مما جعله يلتحق بكلية آداب جامعة القاهرة، ليدرس على أيدى أهم أساتذة الأدب وقتها، جابر عصفور، وسيد البحراوى، وأحمد شمس الدين حجاجى، وخيرى دومة، وعبدالمحسن طه بدر وغيرهم، وكذلك نصر حامد أبو زيد، حتى أصبحت الكتابة لديه هى المعادل للحياة، وأصبح طموحه أن يجعل من الكتابة فعلا يوميا حميميا، عن ديوانه الأخير «كتابة بيضاء» كان الحوار التالى..

■ هل تنوعت أساليبك التعبيرية ما بين الشعر وبين القصة وبين أدب الطفل؟


- إننى ابحث عن الشعر فى كل مجالات الكتابة، الشعر هو المادة الخام الاصلية لكل الفنون.. ومشروعى القادم رواية باذن الله.. لاننى لم اخض تلك التجربة من قبل وحان الوقت لكتابتها.. انا فى كل المجالات نفس الشخص، ويلمح القارئ لغتى بسهولة فى كل تلك الفنون.. اكتب كمن يكتب بلمعة الضوء على الماء، لغة ناعمة وقريبة من الروح او اتعشم ان تكون كذلك، فى الغرب ليس هناك تخصص ادبى: شاعر، قاص او ما شابه.. الكتابة مشروع حياة متكامل لذلك انا اعتبر نفسى كاتباً اولا واخيرا.


■ ربما يعتبر بعض المتخصصين أن «المبدع الكشكول» لا يسجل له التاريخ علامات واضحة فى مشواره الإبداعي، لتفرق اهتماماته، فما رأيك؟


- أنا اكتب فى كل الفنون بروح واحدة، والذى سيبقى منى تلك الروح.. او كما قلت: الشعر الكامن خلف كل ما اكتب.. فى أوروبا: كتب الشعراء الواية وكتب الراوائين الشعر وتميزوا فى كل المجالات التى كتبوا فيها، وهناك من كتب فى كل المجالات تقريبا مثل طاغور شاعر الهند العظيم، فالذى تبقى من طاغور، طاغور نفسه وروحه الابداعية العظيمة، ليس مهم فى اى المجالات تكتب، انما كيف تكتب وكيف تصل الى الناس.. رغم الاختلافات النوعية بين الفنون، كذلك حينما بدات الكتابة، كنت اطمح الى كتابة نص عابر للنوعير غير متقيد بتجنيس معين، عابر للنوعية.


■ لذلك نفذت هذه الطريقة بقوة فى ديوانك الأخير «كتابة بيضاء»؟


«كتابة بيضاء» ليست مجرد عنوان، «كتابة بيضاء» طموح روحى وانسانى فى الوصول الى لغة كتابة أقرب الى روحى واقرب الى عينى التى ارى بها العالم، فى كل ما اكتب احاول القبض على ضوء اللغة وشفافيتها، مجموعتى القصصية كانت اقرب الى القصة القصيدة ومجموعة الاطفال كانت لغة حالمة تتناسب والطفل من سن 8 : 12 عبرت فيها عن القضية الفلسطينية بعين الاطفال، وكتابى «رائحة الغياب» رحلة لاستحضار الغائب بنفس تلك اللغة تقريبا، مما يعنى اننى احاول العودة بالكتابة الى بكارتها الأولى.


■ اعتمدت على التكثيف الشديد فى قصائد ديوانك «كتابة بيضا» لتقدم قصائد شديدة القصر، كأنك ترسم اللحظة بشكل الاسكتش السريع، لماذا اعتمدت هذه البنية الشعرية المكثفة؟


- لم اعتمدها قاصدا، القبض على اللحظات الشعرية كمن يقبض على البعيد الذى لم يره احد.. والبعيد دائما قادر على ادهاشك شعريا، التكثيف فى الشعر يمنحك تلك اللحظة المستحيلة، لحظة القبض على البعيد الذى لم يره احد او يتوقعه احد.. الشعر أصل الفنون، وهج الشعر فى تكثيفه والوصول الى كنة الحياة من أجمل الطرق واوضحها.


■ جاء اختيارك للموضوعات بناء على انتقاءك لتفاصيل شديدة البساطة ومنسية فى زخم حياتنا اليومية لتسلط الضوء عليها وتقترب منها تماما، كيف تتعامل مع هذه التفاصيل وما الذى يجذبك إليها؟


- أنا لم اخترها، هى اخترتنى.. القصيدة تكتب الشاعر وليس العكس، والقصيدة تختار شاعرها..أو بمعنى ادق الشاعر الذى يملك لغتها.. وانا ارى العالم الشعرى تحديدا فى «كتابة بيضاء» عالم يعود بنا الى المعنى الاول للشعر والعين الاولى التى رأت الحياة فى شكلها المجرد جدا ومن خلال مفردات الكون فى صورتها الاولى، النص الشعرى فرض نفسه على روحى خاصة اننى فى فى فترة كتابة النص كنت بحاجة الى ترميم روحى بالشعر.. انا بطبعيتى امتلك عينين ترى العالم فى تفاصيله الصغيرة ومنمناته «خلقة ربنا».. كذلك وجدت فى التفاصيل الصغيرة طريقا الى فهم العالم واكتشافه.. التفاصيل مثل الشواهد الدالة والعميقة على فهمنا للحياة وللعالم.. فالطريق الى الجنة او النار مفروش بالتفاصيل الصغيرة.. هناك تفاصيل صغيرة تتكرر كثيرا لكنها تختلف فى كل مرة عن سابقتها، تبقى اللحظة المستحيلة التى حدثت فيها تلك التفاصيل، التفاصيل «عندى» أقرب الى المشهد السينمائى شديد الشاعرية، اللقطة التى لا تزول من ذاكرتك ولو بعد سنوات، هناك افلام شاهدتها ولم يبق منها فى ذاكرتى غير مشهد ذلك المشهد هو ما ابحث عنه، فى فيلم سارق الفرح للمخرج دواد عبد السيد، دخلت الفيلم مرات عديدة لارى مشهدا واحدا، مشهد حسن حسنى حينما اغوته حنان ترك وسار وحيدا حتى سقط تحت تاثير حبه لها واغوائها.. انا سارق للفرح من اللحظات الشعرية المستحيلة، والتفاصيل هى طريقتى فى سرقة الفرح والدهشة.


■ من يقرأ ديوانك «كتابة بيضاء» يشعر وكأنك تهمس له بالشعر، ربما لانتقائك الحساس لمفرداتك، كيف تتعامل مع المفردات التى تعبر بها فى قصيدتك؟ وهل تعيد كتابتها أكثر من مرة لتصل إلى الشكل النهائى أم أنك تدعها تخرج كما أرادها خيالك؟


- فى الشعر تبقى الدفقة الاولى هى الاساس، بعدها اترك القصيدة تحيا وحدها لايام وربما لشهور بعيد عنا محفظة على الكمبيوتر حتى اعود اليها بعين اخرى واكتبها بحس الناقد اكثر من الشاعر، أما من جهة لغى فهى لغتى ومفرداتى فى كل الكتابات التى كتبتها، حتى الموضوع الى ترشحت من خلاله لجائزة الصحافة العربية «رسامو الظل» مؤحرا مكتوب بنفس اللغة او المادة الخام من اللغة التى تسكن روحى منذ كتبت.
■ متى كتبت ديوان «كتابة بيضاء»؟


- «كتابة بيضاء» كان مفترض نشره منذ ثلاث سنوات، وحصلت على جائزة مجلة الثقافة الجديدة وصندوق التنمية الثقافية، وقتها كانت سابقة هى الأولى فى تاريخ المجلة، وكان مفروض يطبع وقتها، إنما للأسف طارق الطاهر ترك منصبه كرئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة، ونسى الديوان فى دهاليز هيئة الكتاب.. بعدها كان سيكون الديوان الأول فى سلسلة «حروف» الجديدة فى هيئة قصور الثقافة لولا تجاوزى الخامسة والثلاثين.. وبعدها قدمته للشاعر شعبان يوسف رئيس تحرير «كتابات جديدة» التى طبعته بعد سنة، اى عام 2011 وليس 2010، أى ثلاث سنوات كاملة.


■ نخرج من ديوانك إلى كتابك «رائحة الغياب» الحائز على منحة الصندوق العربى للثقافة والفنون، هل توقعت له هذا الصدى ووصوله لجائزة عربية لها ثقلها؟


- نلت عنه المنحة لأكتب عن المنسيين والمهمشين، ومنهم «رسامو الظل» الذى ترشحت عنه مؤخرا لجائزة الصحافة العربية، فكرة الكتاب عندى من فترة، كتبت بعضها خلال عملى كمحرر ثقافى حر فى جريدة الاهرام ويكلى، وفى مجلة السياسى اللى طلعت لفترة محدودة عن مؤسسة المصرى اليوم.. الفكرة جذبتنى جدا وعشت فيها، وقدمتها لافاق.. ويبدو اننى كتبت عن مشروعى بشكل جيد كما ان النماذج الى ارسلتها أقنعتهم بعدها تفرغت سنة للكتاب، وكانت من أجمل الفترات، لاننى عشت فيها كاتبا فقط، لأن حلمى الأساسى فى الحياة أن أعيش كاتبا 24 ساعة!.. وذلك طبعا مستحيل.


■ من هى أهم الشخصيات التى أردت أن تحفظ لها ذاكرتها؟


- على فكرة انا كتب حاليا ملف بعنوان الذاكرة فى موقع «السلم والثعبان» وهو عن شخصيات واماكن معروفة، اما شخصيات «رائحة الغياب» فكانت عن المنسيين والمهمشيين، المصور القديم الذى يحمض الفيلم الحساس بالمياه، الكلوباتى، أشهر كاتب بريد للقراء فى مصر، حارس البواخر، العرضحالجى أو ما شابه، فى الكتاب، عم سعد، فى موضوع ستديو الرصيف، احببت هذا الرجل جدا، عنده ما يقرب من تسعين عاما وما زال على مهنته، وكل شىء تغير حوله الا هو، وكتبت عنه فيلم تسجيلى، أتمنى أن يخرج للنور، والكلوباتى والعرضحالجى وأشهر كاتب بريد محمد حسين حجازى رحمه الله، وعن «رسامو الظل» المنسيين ايضا، وكتبت ملف عن السمسمية، من خلال حديثى مع شاعر السمسمية الكبير محمد عبد القادر، وصانع السمسمية محمد غالى، وعائلة سمسمية عائلة المرسى، وعازف سمسية من رأس غارب عمرو رواى، فمن خلال هذه الشخصيات تحدثت عن تاريخ السمسمية كله.


■ وأنت مصنف أنك مبدع من أبناء الأقاليم كيف ترى هذا التصنيف ما بين مبدع العاصمة ومبدع الأقاليم؟


- أظن أن تصنيف «أدباء الاقاليم» قد انتهى، فالانترنت ألغى كل المسافات، الحقيقة أراها نكتة، لقد كتبت فى كل الجرائد والمجلات المصرية والعربية وانا فى بورسعيد، ولازلت أعمل بالصحافة الثقافية وأنا فى بورسعيد، آخرها مقالى فى الأهرام عن الشاعر السورى الكبير محمد الماغوط، فأنا أزور القاهرة بانتظام، الانترنت الاب الحقيقى للكتاب الحاليين، ولولا تأخره لكان شأن جيلنا قد اختلف فى التعرف عليه، المشكلة وهو الأهم فى رأيى ليس تصنيف «أدباء الاقاليم»، بل فى ان التيارات الادبية المهمة فى مصر كانت تصنع على مقاهى القاهرة، إنما أعتقد الفترة المقبلة سيتم إعدادها على الفضاء الافتراضى.


■ هل ترى ان الاتجاه الآن هو للفضاء الإلكترونى والتعامل معه كواقع أو عالم بديل أم تحديد التعامل معه لتجاوز البعد المكاني؟


- بالنسبة لمن ينشر الكترونيا أو على حسابه أنا مع حرية الاختيار لكل شخص.. لكننى اتحدث عن تجربتى ومفهومى للنشر وقيمته فى مصر، نحتاج لعقد أو عقدين من الزمن لإلغاء الورق او الكتاب أوالجريدة، هناك اجيال ونحن منها تربت على الاحساس بالكتاب واحترامه واقامة علاقة معه، المسألة الان متداخلة بين الاثنين حتى يأتى جيل يعتمد منذ المهد على القراءة الالكترونية، فالقراءة مثل الكتابة تاريخ من التفاصيل، وعلاقة المرء بالكتاب لأ تأتى بين يوم وليلة، لكننى أتوقع اللجوء فى النهاية للكتاب الالكترونى بعد فترة.. قانون الزمن والتطور يقول ذلك، لكن ليس الآن.
■ ما تقييمك لحركة النشر بجناحيها الرسمى والخاص؟


- أرى أن المشكلة فى مصر فى ليست فى النشر بقدر ما هى فى معدلات القراءة فى مجتمع  يعيش تحت وطأة الفقر والجهل، الى جانب الخراب الذى ألم بمؤسساته التعليمية فى مستهل السبعينيات وحتى الآن.. هناك عناوين مهمة جدا فى سلاسل الدولة سواء الصادرة من هيئة الكتاب او هيئة قصور الثقافة او المجلس الاعلى للترجمة، لكن المشكلة فى قراءتها، خاصة أن هناك محاولات دؤوبة من بعض دور النشر ووسائل الإعلام، لتعليب بعض الكتب وتصديرها لنا باعتبارها أهم الكتب وأكثرها رواجا تحت ضغط الالحاح الاعلامى المستمر، لو ان هناك مجتمع مثقف مستنير لتمت عملية الفرز فى شروط افضل ولاختفت كتب وكتّاب من على الساحة، كما لا يمكن ان ننكر ان هناك بعض المبدعين من استطاعوا الوصول الى القارىء العادى


■ ما ملامح الحركة الثقافية فى بورسعيد الآن خاصة بعد رحيل المبدع قاسم مسعد عليوة؟


- منذ فترة وانا منفصل عن «نشاط» الحركة الادبية فى بورسعيد، خاصة فى ظل ترميم قصر ثقافة بورسعيد لفترة طويلة، كذلك لاننى اقتنعت بل وتيقنت ان الادب «مشروع فردى» وليس جماعى، واكد الفكرة لدى ان بورسعيد مثلها مثل كل المدن المصرية، تعانى الحركة الادبية والثقافية فيها من نفس المشاكل تقريبا، والتى مبعثها الوحيد -فى رأيي- عدم تحقق الادباء بشكل يرضيهم، ومن ثمة محاولتهم فرضه بطريقة او باخرى فى مجتمعات صغيرة، قاسم عليوة أخر اجيال الثقافة الجماهيرية الكبار، لان الثقافة الجماهيرية تراجع دورها بشكل واضح فى ظل تنامى العمل الاهلى والمدنى والتجمعات الثقافية المستقلة، كذلك طبعا لتنامى الفضاء الافتراضى الانتر نت.. قاسم عليوة ومثله خمسة او ستة مبدعين كانوا معبرين عن دور الثقافة الجماهيرية منذ السبعينيات وحتى انتفاء دورهم مؤخرا.


■ هل تتوقع مستقبل ثقافى أفضل لمصر فى الفترة المقبلة، وما هى شروط تحققه؟


- نحن نعيش واقع مجتمعى وسياسى متأزم وفى مجتمع أبعد ما يكون عن المناخ الطبيعى والصحى لتنامى الثقافة ودورها، لكن لم يعد هناك أسوأ مما مررنا به.. نحن فى مرحلة اعادة صياغة، أما ان نعود فيها الى موقعنا فى التاريخ وأما أن نغرق فى الظلام لفترة طويلة، لم تعد هناك خيارات.. التطور او الدخول فى نفق مظلم بلا نهاية.. فى داخلى متفائل لكن ليس على االمستوى القريب.. الثقافة رصيد إنسانى كامن سيظهر عند الوقت المناسب.


■ هل لديك مشروع أدبى سيصدر قريبا؟


- لدى ديوان غير مكتمل، وبدأت كتابة رواية تحمل عنوان إلى سماء أخرى -حتى الآن- ان لم يتغير العنوان.. أتمنى أن تتوفر لى الظروف والوقت لاتمامها، لاننى بالفعل اعيش تفاصيلها بكل كيانى.