الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

انتخابات الجزائر.. الحرس القديم فى مواجهة الشباب




كتب - مصطفى أمين

تستعد الجزائر لاختيار الرئيس الجديد ففى الوقت الذى تؤكد فيه جميع الدلائل على قوة كفة الرئيس «عبدالعزيز بوتفليقة» إلا أن هناك شواهد أنها لن تكون جولة سهلة، خاصة فى ظل تدهور الحالة الصحية للرئيس، والشائعات عن عدم قدرته على الاستمرار ومواصلة الحكم لكن النقطة المحورية هى أن الرئيس الحالى هو «صمام الأمان»، كما يصفه العديد من المحللين، فبدونه ستواجه الجزائر سيناريو أكثر حلكة، فى ظل ما تشهده المنطقة من اضطرابات وثورات وانقسامات فيرى البعض أنه لا يجب ترك الحكم فى تلك الفترة إلا لشخص قادها خلال فترة من أخطر الفترات فى تاريخ الجزائر. ينتظر الجزائريون الرئيس القادم لكن ليس بشوق كبير فهناك حالة بين الشباب باليأس والعزوف عن السياسة فى ظل الاضطرابات التى شهدها الشمال الافريقى فى تونس ومصر وليبيا وفى الحسبان مقتل 300 ألف خلال التسعينيات خلال المصادمات بين الجيش والعناصر الارهابية. ليس فقط الجزائريون ولكن أعين العرب وأفريقيا والغرب فالرئيس القادم تتعلق عليه آمال الحفاظ على وحدة الجزائر وعدم التفريط فى أمن بلاده والحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع الغرب، بالأخص فرنسا ومع الجيران من الأفارقة.

تجربة الإسلاميين الدموية مؤشر على خسارة لـ«بن فليس»


أثار إعلان»حركة مجتمع السلم»، التى تُعتبَر الحزب السياسى الإسلامى الأول فى الجزائر، مقاطعة  الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقرّر إجراؤها ضجه بدعوى إن قاعدته الانتخابية لاترغب فى رؤيته يشارك فى انتخابات تعتبر أن نتائجها ستكون محدّدة سلفاً وأنها مجرد تمثيلية لإضفاء شرعية على مرشح السلطة من الأحزاب الإسلامية الأخرى، «النهضة» أو «الإصلاح»،ضعيفة وغير قادرة  بل وعاجزون عن حشد قواهم خلف مرشّح توافقي. وهذا مؤشّر قوى عن انعدام آفاقهم الانتخابية فى المستقبل.
فالإسلاميون لم يُجمعوا منذ أكثر من عشر سنوات على مرشّح للانتخابات الرئاسية ويقودوه إلى الفوز (الإجماع الوحيد كان فى العام 2009 عندما ترشّح جهيد يونسى من حزب «الإصلاح» للانتخابات، لكنه نال نسبة ضئيلة من الأصوات لم تتعدَّ 1.37 فى المئة)، ومن المرشّحين الإسلاميين الآخرين الذين لم يتمكّنوا من الفوز عبدالله جاب الله الذى ترشّح مستقلاً فى العام 1999 قبل أن ينسحب بسرعة من السباق. ثم عاد جاب الله وترشّح عن «حزب الإصلاح» فى الانتخابات الرئاسية للعام 2004، وهذه المرة كانت حظوظه ضئيلة أيضاً، ولم يحصل سوى على 5 فى المئة فقط من الأصوات. فكانت هذه محاولة الإسلاميين الأخيرة للتنافس فى الانتخابات الرئاسية.
 معظم الأحزاب الإسلامية، منذ عام 1995، تنأى بنفسها عن التيارات المتشدّدة للحرب الأهلية، وتبنّت استراتيجية تقوم على المشاركة. وعقب هزيمة «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» فى الحرب الأهلية الجزائرية فى التسعينيات، اندمجت تلك الأحزاب من جديد فى المشهد السياسي، لكن صفوفها ترزح تحت وطأة الخلافات الشخصية والإيديولوجية التى يعود الجزء الأكبر منها إلى الانتخابات الرئاسية فى العام 2009. فقد تسبّبت استراتيجيات الأحزاب الإسلامية خلال تلك الانتخابات، والنتائج التى حقّقتها، بأزمة فى داخل «حركة مجتمع السلم»، ما أدّى إلى عدد من الانشقاقات وظهور أحزاب فرعية صغيرة. فقد قرّر أبو جرة سلطاني، زعيم «حركة مجتمع السلم» آنذاك، المشاركة فى حكومة ائتلافية ودعم ترشّح الرئيس بوتفليقة، فكانت لهذه الاستراتيجية تداعيات كارثية على الحزب، إذ أسفر القرار عن صراع على السلطة بين سلطانى والرقم الثانى فى الحركة، عبد المجيد مناصرة، الذى اتّهم أنصاره سلطانى بتقديم تنازلات كبيرة للحكومة - بما فى ذلك تأييد التعديل الدستورى الذى أتاح للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الترشّح لولاية ثالثة - من دون أن يحصل على الدعم من قاعدته الشعبية.
وتعانى أحزاب إسلامية أخرى، ولاسيما «حزب النهضة»، انقسامات مماثلة، مايسلّط الضوء على المسألة الأساسية التى تواجهها هذه الأحزاب: هل يجب العمل مع الحزب الحاكم أم لا؟ فـ»حزب النهضة» الذى تأسّس فى العام 1989 تحت اسم «حركة النهضة الإسلامية» واستُلهِم من جماعة «الإخوان المسلمين»، مزّقته فى أواخر الستيعنيات حرب داخلية بين الحبيب آدمي، وهو قيادى فى الحزب دعا إلى الحوار مع الحكومة، وعبدالله جاب الله، أحد المؤسّسين ومن أشدّ المعارضين للنظام. قاطع جاب الله الانتخابات الرئاسية فى العام 1995 ورفض المشاركة فى الائتلاف الحكومى فى العام 1997. ثمّ أطيح من منصبه فى العام 1998 واستُبدِل بآدمى الذى غيّر اسم الحزب إلى «النهضة»، وحوّل خطّة من معارضة النظام إلى التعاون معه، ما أتاح للحزب دخول أروقة السلطة.
فى غضون ذلك، أسّس جاب الله حزباً إسلامياً جديداً أطلق عليه اسم «الإصلاح»، وقد طُرِد منه أيضاً واستُبدِل بجهيد يونسى الذى حمّل جاب الله مسؤولية فرض آراء «غير متماسكة» و«فوضوية» على الحزب وغياب الهيكلية والتنظيم. لكن ذلك لم يثنِ جاب الله عن محاولاته فأنشأ حزباً ثالثاً فى 10 فبراير 2012 يُدعى «جبهة العدالة والتنمية» ويتبنّى خطاً إسلامياً إصلاحياً. وكذلك ساهم إنشاء أحزاب إسلامية أخرى أصغر حجماً، مثل «تجمّع أمل الجزائر» و»حركة البناء الوطني»، فى انتشار الأحزاب الإسلامية.
فضلاً عن ذلك، فإن القرار الذى اتّخذته بعض الأحزاب الإسلامية بمقاطعة الانتخابات هو على الأرجح ذريعة لتفادى انتكاسة جديدة، كما أنه يفشل فى إخفاء الانقسامات والتفكّك وغياب القيادة التى يعانى منها التيار الإسلامى فى المجمل. فعجز تلك الأحزاب عن وضع استراتيجية واضحة، كتيارات أو أحزاب منفردة، تسبّب لها بخسارة الدعم على الأرض. فى غضون ذلك، وبعد أن عانى الجزائريون ويلات النزاع المسلّح بين المجموعات الإسلامية المسلحة وقوات الأمن، ويخشى كثرٌ أن يقود الإسلاميون البلاد، فى حال وصولهم إلى السلطة، إلى «عقد أسود» جديد.