الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تراث مصر فى مبادرة وطنية (1)




بقلم: د. خالد عزب

 يعد تراث مصر العريق بجميع رقائقه الحضارية ومراحله التاريخية المختلفة من أعظم وأثمن ما أنتجته البشرية عبر تاريخها الطويل والذى تفخر به جميع شعوب الأرض، ولهذا فإن حمايته والحفاظ عليه للأجيال القادمة هو احتياج إنسانى مُلح، وفريضة وواجب وطنى لا جدال حولهما.
وإذا كان الشعب المصرى العظيم قد هبّ مرتين خلال الثلاثة أعوام الماضية مطالباً بحقوقه المسلوبة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، فكان لزاماً أن يطال التطوير والتحديث حزمة سياسات وخطط إدارة التراث المصرى بجميع أنواعه «المادى واللامادى» بسبب تفاقم معاناته بما يهدد أثمن ما يمتلكه الشعب المصرى وهو تراثه العتيد.
عانى التراث المصرى بجميع أنواعه منذ عقود من مشاكل متراكمة، تزايدت بصورة ملحوظة بعد ثورة 25 يناير واستمرت حتى اليوم بدون رؤى واضحة وفكر ثورى للتغيير.. فكانت سياسات القائمين على هذا التراث بجميع القطاعات أشبه بإجراءات تسيير الأعمال.. دون احتواء حقيقى أو مواجهات حاسمة وإدراك حقيقى لحجم وطبيعة الكارثة التى يتعرض لها التراث، والتى تهدده بصورة خطيرة يصعب السكوت عليها أو غض الطرف عما آل إليه الوضع.
لذا.. فقد اتفق حوالى 26 من المتخصصين والمهتمين بحماية التراث المصرى بكافة أنواعه على ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة وحاسمة نحو التصدى لمشاكل وتعقيدات الوضع القائم، ومحاولة البحث عن بدائل وحلول غير تقليدية.. بعضها عاجل فورى لوقف نزيف هدر التراث، وبعضها الآخر طويل الأجل لإصلاح منظومة الاختلالات القائمة هيكلياً وإدارياً ومالياً وبشرياً وغيرها.. فكان الاتفاق على إنجاز هذه المبادرة.
لذا اجتمع العديد من المختصين فى مختلف مجالات التراث وأصدروا بيانا حول مستقبل تراث مصر جاء فيه: يؤكد المشاركون مبدئياً على عدة أمور.. منها أن هذه المجموعة لا تمثل أفضل العناصر المتاحة فى تخصصاتها المختلفة فى مجالات التراث.. وأن هناك الكثيرين من خارجها ممن يتمتعون بكفاءات وخبرات متميزة. لكن الاختيار قد وقع فيما بينهم على مجموعة متجانسة، يجمعها حد أدنى من التفاهم الفكرى المدعوم بقدر من الخبرات العملية والمعرفية، بما يتيح للمنتج النهائى وهو هذه المبادرة، قدراً من الاتساق فى المبادئ العامة الحاكمة والأفكار والحلول المطروحة.. وذلك بعيداً عن أى انتماءات سياسية أو خلافات فكرية أو عقائدية.
كما يؤكد أيضاً المشاركون فى هذه المبادرة على أن مشاركاتهم هى بصورة شخصية وليس بحكم وظائفهم أو مناصبهم التنفيذية، وأن ما تحتويه من أفكار ورؤى مختلفة، ليست هى بالقطع القول الفصل فى قضايا العمل التراثى المختلفة.. لكنها مجرد حجر ألقى فى مياه راكدة بهدف توسيع دائرة الاهتمام بالتراث المصرى وناقوس خطر لإيقاظ المجتمع والمسئولين ولفت الانتباه إلى حجم الكارثة وخطورتها على الإنسانية جميعاً وعلى مستقبل هذا الوطن. كما أن المغزى الأكبر للمبادرة هو أن تكون بنك أفكار مستعد لاستيعاب كل رؤية أو مبادرة أو فكرة من شأنها أن تصب فى صالح حماية تراث مصر ورفع شأنه وتعديل مسارها فى المستقبل.
إن الأهداف الأساسية التى تقوم عليها المبادرة هى أن تحقق نوعاً من التكامل الغائب فى الرؤى والسياسات العامة.. بل والقوانين التى تحكم وتنظم عمل مجالات التراث المختلفة، وأن تزيل التضارب بل والتناقض القائم بين تلك القوانين والسياسات.
فلم يعد مقبولاً على سبيل المثال السكوت على نزيف المبانى المعمارية التاريخية بسبب القصور التشريعى الذى يفرق بينها وبين المبانى الأثرية التى يحكمها قانون ثانٍ.. فى حين يوجد قانون ثالث للمخطوطات!! وهو ما تحاول المبادرة معالجته بتعديل وتجميع القوانين الحاكمة للتراث فى قانون واحد جامع ينظمها ويحميها جميعاً.
اعتمدت المبادرة مجموعة من المبادئ العامة أهمها: اعتماد المفاهيم الدولية المتعارف عليها بشأن التراث وأنواعه، وكذلك ضرورة مشاركة جميع الأطراف المعنية بالتراث من مجتمع مدنى ومؤسسات حكومية وإعلام وغيرها فى صياغة وتنفيذ ومتابعة تنفيذ برامج التطوير والتحديث. بالإضافة إلى اعتماد مجموعة حلول مرنة شاملة للمشاكل تكون قابلة للتغيير والإحلال والتطوير تبعاً للمستجدات والظروف الحاكمة أو الطارئة، وكذلك إنشاء قواعد بيانات شاملة للموارد البشرية المتاحة والتركيز على تنميتها وتدريبها والتعامل معها كقيمة مضافة للعمل، وليس كعمالة زائدة لا لزوم لها.. مع الاهتمام بصورة خاصة بشفافية ومعايير اختيار القيادات موضوعياً حسب احتياج العمل.
وقد توصلت المبادرة الى عدد من النقاط المهمة سوف أستكملها فى المقال المقبل.