الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التحرش.. أزمة مجتمع فقد قيمه الإنسانية




كتبت - دنيا نصر

تعددت الأسباب والمعاناة واحدة.. معاناة يومية تعيشها العديد من الفتيات تحت مسمى التحرش.. تنال من كرامتها ومن حالتها النفسية قبل أن تنتهك حرمة جسدها.. يخرج علينا المحللون والخبراء ليكلمونا عن ضعف الوازع الدينى أو إن شئت قل انعدام التربية وانتشار البطالة وارتفاع أسعار الوحدات السكنية ما أدى لصعوبة زواج الشباب ويزيد الأزمة اشتعالاً البنت نفسها التى ترتدى ملابس يصفونها بـ«المثيرة» أضف إلى ذلك ثقافة «الأنامالية» التى جعلت من الحكماء وكبار السن يرون البنت فى عمر بناتهم يتم التحرش بها ولا يتحرك له ساكناً ولا يوجه حتى نصيحة للشاب المتحرش.. لتكتشف فى النهاية أن الأزمة فى حقيقتها هى أزمة مجتمع.. لكنه للأسف مجتمع فقد عقله وضميره ونبله وقيمه الإنسانية.

ازدادت فى الآونة الأخيرة حوادث التحرش الجنسى فى مصر حيث تختلف فى جوهرها عن حوادث المعاكسات الفردية التى تحدث يوميا للسيدات والفتيات.. فاللافت فى الظاهرة هو الاتفاق والمجاهرة وعدم الاكتراث من جهة الشباب وعلى الجانب الآخر ضعف الردع من جهة السلطات ووقوف المارة وأصحاب المحلات دون حراك.. ورغم أن المجتمعات الأوروبية تعانى مما هو أسوأ من الظواهر اللا أخلاقية مثل جرائم الاغتصاب، والاعتداء على الأطفال، وزنى المحارم، إلا أنه لا مقارنة بين مجتمعاتنا الإسلامية والمجتمعات الغربية التى لا تعترف أكثرها بحاكمية الدين على سلوكيات وأخلاقيات الفرد.


وقد أرجعت بعض السيدات انتشار التحرش الجنسى وأسبابه فى مصر إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية وازدياد معدلات الطلاق والكبت الجنسى فى المجتمع وأخلاقيات المجتمع المتدهورة والإعلام غير المستقر فى عرض نماذج بذيئة تسىء لأخلاقيات الشعب المصرى خاصة بعض الأعمال السينمائية التى ظهرت على الساحة الفنية مؤخرا.


فى البداية تقول تهانى عبد العزيز «موظفة باتحاد الإذاعة والتليفزيون»: إن السبب الحقيقى للتحرش الجنسى هو السلوك السيئ الذى انتاب الشعب المصرى خاصة بعد ثورة 25 يناير التى نادت بالحرية وتحسين الأخلاق والسلوك والتى استغلها الكثيرون بشكل خاطئ، وبالطبع لا يمكن أن نغفل عن إلقاء بعض اللوم على الفتاة المتحرش بها وذلك من خلال ملابسها التى ترى أنها حرية شخصية وليس لها فروض والخطأ هنا فى فهم الحرية التى تلزمنا باحترام الاخرين فى آرائهم وأشكالهم.


وأشارت تهانى إلى أن الإعلام أيضا يتحمل جزءا من المسئولية فى انتشار هذه الظاهرة، حيث تتعمد الفضائيات تناول هذه الموضوعات بشكل سطحى من خلال المتحرش فقط ولم تنظر إلى الفتاة المتحرش بها والتى تكون من الأسباب الرئيسية للتحرش، لافتة إلى أن سلوكيات وأخلاقيات الفرد ازدادت سوءا، مؤكدة أن الثقافة المصرية تغيرت حيث إنه لا يوجد شىء يملأ حياة أولادنا اليوم سوى التليفزيون والإنترنت واقتحامهم مواقع التواصل الاجتماعى كثيرا من خلال الدردشة وتبادل الصور والدخول فى بعض الأحيان على مواقع إباحية.


فيما تشير سحر عبدالحميد «ربة منزل» بأصابع الاتهام فى ظاهرة التحرش على  الدولة التى سمحت للأفلام الشعبية التى نراها يوميا وفضائيات الرقص وإعلانات المنشطات الجنسية بالعرض على الشاشات ولاشك أن الشباب فى النهاية هم ضحية هذه الأفعال الفاحشة التى تشجع على انتشار الظاهرة وتساعدهم على زياداتها، كما أن الأوضاع المادية القاسية التى يمر بها الشباب تكون عاملا مساعدا فى التحرش، فإذا قامت الدولة بتوفير عمل ومعيشة محترمة للشباب وساعدتهم فى توفير حياة بسيطة وفى نفس الوقت غنية ومؤهلة للاستقرار لن نرى عمليات التحرش لأن الشباب سيكونون منشغلين بعملهم وبإمكانهم أن يتزوجوا ويبتعدوا عن هذه العادات السيئة.


وتضيف عبدالحميد: إن هناك أزمة أخلاقية فى المجتمع وبدلا من أن يواجه نفسه بهذه الأزمة يلقى باللوم على الفتاة وأنها السبب فى حدوث هذه الظاهرة من خلال ملابسها والتمايع فى الحركة والكلام، ولكن يمكن القول انه فى فترة السبعينيات كان الزى أكثر عريا من الآن، ورغم ذلك كان لا يوجد فى هذا الوقت هذه الظاهرة بهذا الشكل البشع، فالمشكلة فى الرجال وتربيتهم وهكذا يتم تبادل الاتهامات من كل طرف للآخر ولكن للأسف دون نتيجة.


وتشير نرمين مصطفى «مدرسة» إلى أنه لمعرفة من هو المذنب فى هذه المشكلة يجب أولا معرفة أسبابها بشكل صحيح حتى نستطيع أن نحكم على هذه الظاهرة ونجد علاجها، فبعد تحرر المرأة وبالتحديد فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى وكما أطلق على هذا التوقيت من البعض «عصر المينى جيب»، كان بالفعل يوجد تحرش ولكن ليس بصورة  التى يوجد عليها الآن ولم يصبح ظاهرة فى ذلك الوقت ولكن إذا نظرنا إلى اليوم والماضى سنجد متغيرات كثيرة فلا يصح أن نقارن بين وقت وآخر دون تشابه الثوابت فى المجتمع.


وذكرت مها البسيونى ربة منزل أن ظاهرة التحرش ارتبطت مؤخرا بالاقتصاد حيث ارجعت أسباب التحرش إلى البطالة التى يعانى منها 50% من المجتمع المصرى والتى تؤدى إلى العجز فى إشباع الاحتياجات الاقتصادية، وأشارت إلى أن إنفاق الدولة على المواد المخدرة والتى اصبحت منتشرة بشكل كبير هذه الفترة والتى تساهم فى تغييب الوعى وتساعد على انتشار التحرش، وكذلك الفراغ الكبير الذى يعانى منه الشباب، بالإضافة إلى سيادة ثقافة الصمت داخل المجتمع وخشية الأنثى من الإبلاغ عن الحادثة تجنبا للفضيحة، وبعض الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن المناخ العام فى البلاد.