الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مصر البلد العربى الوحيد الذى حافظ على إحياء مصطلح «الثقافة العربية»




حوار ـــ رانيا هلال

بين شطآن الشعر تجوب سفينة كل شاعر بحسب همه وشغفه لمرسى دون آخر فمنهم من يطوف بين شطآن الشجن الوطنى والهم العربى والحب والامل ويمضى بلا هدى مراوداً سفينته عن مرساها الذى لا يأتى ابدا فيظل يدور ويدور عبر البحر الكبير باحثا عن المعانى والمفردات التى تنتشله من غربة النفس والارض ببراعة وامل فى الغد، توصف هذه الحالة حالة الشاعر المبدع العراقى ماجد موجد الذى يحمل بين طيات قلبه وشطرات جمله الشعرية هموم وطن وآلام غربة وآمال أمة وجدير بالذكر أن الشاعر ماجد موجد ليس شاعراً فقط بل إنه كاتب وصحفى واعلامى كما أنه عضو اتحاد الأدباء العرب وصدر له خمس مجاميع شعرية أولها «غرابيل» ثم «ماتساقط بل أوشك الشمس» و«فوق القمر تحت الوردة» ثم صدر له هنا فى مصر كتابان هما «الامر بالنار والنهى عن الوردة» والذى تناوله الكثير من وسائل الاعلام العربية وأخيرا كتابه «يصير حجرا يصير هواء» التقيناه فى القاهرة وكان لنا معه هذا الحوار:


■ اطلعت على كتابك الشعرى «الامر بالنار والنهى عن الوردة» أريد أن اسألك عما تميزت به هذه التجربة عن سائر تجارب كتبك الأخرى؟


- هذا الكتاب أخذ اهتماما لائقاً فى مجمل وسائل الاعلام لاسيما بعد ان أعدت وكالة رويترز تقريراً مهما عنه وهو الاصدار الرابع بعد ثلاثة كتب شعرية صدرت من قبل وهى «غرابيل» العام 1997 وكتابان آخران صدرا فى نفس العام 1999 الكتاب الاول صدر فى منتصفه واسمه «ما تساقط بل اوشك للشمس» وهذا الكتاب أيضا تناولته وسائل الاعلام والدارسون بطريقة جعلتنى فى مصاف الشعراء فى تلك الحقبة، أما الكتاب الآخر فقد صدر فى آخر العام واسمه «فوق القمر تحت الوردة» والكتب الثلاثة صدرت فى بغداد، ثم لم يصدر لى شىء حتى العام 2012 ليصدر الكتاب الذى نحن بصدده والذى صدر هنا فى القاهرة عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر، وهنا ثمة مفارقة وهو أن الاجواء والظروف والدوافع مازالت مستمرة، اعنى فحوى سؤالك عن ميزة هذا الكتاب وأقول أن القصائد التى حوتها الكتب الثلاثة كنت كتبتها فى ظروف بمنتهى القسوة كان يمر بها العراق آنذاك، سنوات التسعينيات سنوات الحصار الاممى الذى طال كل شيء منذ مطلع العام 1990بسبب احتلال الكويت، هى سنوات العذاب الامض والاكثر أذى، كان العراقيون يتقلبون على صفائح من جهنم، جوع وحرمان معيشى فى كل شيء ومن ثم كانت هناك أكفُّ تضرب من حديد تسحل الحرية والعافية من اجسادهم وترمى بهم الى ذل السجون او الى سواتر الاعدامات التى شيدها نظام صدام فى كل محافظات العراق وكان عدد تلك السجون وسواتر الموت ربما اكثر من عدد المستشفيات والمدارس وأفران الخبز، من هناك من تلك الاجواء امتاحت قصائد الكتب الثلاثة، لكن الغريب انه بعد زوال نظام صدام، وبمعزل عن موقفى من الطريقة التى ازيل بها، وجدت ان كل تلك المشاعر التى تغلى عن تصورات عذاباتى الذاتية وعذابات ابناء جلدتى مازالت هى هى فى ظل ما يعيشه العراق اليوم وشعرت ان الدوافع المريرة هى هى التى دفعتنى لكتابة نصوص الكتاب الرابع، لم تتغير هواجس الخوف والاضطهاد والحرمان بعد سقوط نظام صدام المستبد ويمكنك ان تشمى رائحة اليأس فى كلِّ نص من النصوص التى جاء بها الكتاب، لكن فقط تغير الاسلوب، تغيرت الفكرة فى معالجة مرارات الخوف والحرمان والاضطهاد، فى زمن صدام كنت اعبر كما يفعل أقرانى عنها بأمل الخلاص اما الان اكتب ذات المرارات وتبدو نظرتى مضغوطة تحت سقف اليأس الثقيل.


■ لكن بين سطور نصوصك على الرغم من الشجن الوطنى والهموم القاسية تظهر لغة تبدو رقيقة كيف ذلك؟


- نعم تنوعت النصوص بين تلك التى تراجعُ او تعيدُ تركيب ذاكرة خراب واضطهاد زمن ذلك النظام وبين تلك النصوص التى فيها مسحة من عتب وتساؤل، الصوتُ فى بعضها بدا متغير النبرة بين الصراخ وبين المناجاة الهامسة كما فى قصيدة «من الولى آنيم الى الاله ياهو» هذه قصيدة انشاد طقسى فى معبد الوجود برمته، فَرشةٌ من التجديف والجراح والمظالم والرجاءات والحب والنكران والسجود، كما قلت انه نوع من الكتابة اليائسة نوع من الالتفات الى المحراب الذى من المفترض ان يقف خلفه او فوقه القانون الذى تقود قوتُه التنفيذية حياتنا لكن اينما ولينا بآمالنا لا نشعر الا بالفوضى والاجحاف.


■ وماذا عن الواقع الثقافى العراقى الراهن.. اعنى هل حالة اليأس التى تنتابك خاصة أم انها جزء من حالة وتفكير المثقف العراقى ونظرته الى المستقبل؟


- لا يمكن أن اعطى رأياً واحداً عما يفكر به جميع المثقفين العراقين وكأنهم روح وجسد واحد وعقلية واحدة وبالتالى يصبح الحديث اذا عن نماذج من الافكار والتوجهات والتطلعات والحالات البارسيكولوجية التى يشعر كلُّ واحد او كل فريق منهم ازاء مايحدث لاسيما بعد انهيار نظام صدام والفوضى التى حدثت جراء انهياره بالتدخل الاميركي، أعنى على صعيد اليأس والامل فثمة فريق متفائل وآخر متشائم واخرون متشائمون، لكن هناك تصورات عامة يمكننى ان اوجزها لكِ، اولاً دعينى أقول ان الجميع بمن فيهم اولئك الذين كانوا يبغضون صدام بشدة ويحلمون بانتهاء حكمه بأية طريقة لم يكن يخطر فى بالهم ان يصل بلدهم الى ما وصل اليه، لقد رأوا ان الثمن كان باهضا ومروعا للغاية بدءاً من الانتهاكات الوحشية التى طالت الإنسان العراقى روحه وجسده واحلامه وتهشم بنية مجتمعه وفى ضياع موارده وتشتيت ذهنه فى صدمات مرعبة يتلقاها من كلِّ شىء حوله وفى كلِّ يوم، لكنهم اى المثقفين وعلى الرغم من كل ما حصل ويحصل لا يملون فى محاولاتهم بكل السبل لاثبات ذاتهم الثقافية من خلال نتاجهم أو مزاولتهم لاعمالهم فى مؤسسات ثقافية واعلامية، وبطبيعة الحال مثلما حصل ايام النظام السابق فقد حصل فى الوضع الراهن،إذ ان كل فريق منهم، عن رغبة وطمع او قهر وقلة حيلة، يشرك نتاجه الثقافى بما تريده المؤسسة، بعضهم يستمريء الامر حدَّ أن تمسخَ روحه، وآخرون يبقون يناورون دون ان يحسم مقصد العبارة التى يقولونها وثمة غيرهم تأخذه حالة من الانكسار وبالكاد ان تسمع له صوتاً، لكن من المهم الالتفات الى ان ثمة فروقات لايمكن حصرها بين ما كان يمارسه المثقف العراقى فى زمن النظام السابق موقفا وأهمية فى الانتاج الثقافى وكمه وتفاعله..الخ. وبين ما يعيشه ويمارسه فى الزمن الراهن، على أقل تقدير كان نظام صدام هو الطرف الواحد أمام المثقف إما ان يكون عدوه أو ان يتصالح معه وفى كلا الحالين يشعر المثقف انه سينال جزاءه إما مكانة لائقة فى العيش او مكانة لائقة فى منزل التأريخ النظيف الذى كان الناس يقدسون ساكنيه، أما فى الوقت الراهن فان امام المثقف العراقى اطراف همجية لاحصر لها ومن المحال ان تتميز قيمة المكاسب ان كانت صالحة او طالحة مهما كان سلوك المثقف وموقفه..فلم يبقى طعم فى معيشة ولا منزل «التاريخ النظيف» بقى على حاله فقد انهار سقفه ونهب اللصوص أحلامَ ساكنيه.


■ ماهو تصورك للواقع الثقافى فى العالم العربى فى ظل التحولات الجديدة؟


- اعتقد بل انه مؤكد ان المثقف العربى اليوم يفتقد الى تبين هوية الحالات التى يمر بها المجتمع العربى كما وصف انسى الحاج حالة لبنان ايام الصراع الاهلى ومانتج بعده، إذ ان كل شيء اليوم خارج الواقع او بمعنى اصح الحياة العربية تهيم فى واقع بلا ضفاف، ثمة ركام من الخطابات والصراعات يشبه الهلوسة، وبالتالى يبدو الواقع الثقافى هو الآخر متشرذما ولايمتلك نسقا معرفياً يمكن على وفق معاييره تمايز النتاج الادبى الابداعى والفنى الفعال، بل حتى الدرس النقدى غاب عنه همُّ التفكر فى تغذية مناهجه وتطويرها، لو نظرنا الى العقود الثلاثة الماضية سنرى ان ما يسمى بالمشاريع الثقافية دروسا ومدارسا انتهت بنهاية الاديولوجيات الكبرى، كل الأشياء من حولنا اليوم تتحول بسرعة ويعتمل فيها غليان تتشظى منه أحيانا بعض الرؤى والأفكار لكنها خجولة وتفتقد الى الشجاعة، ربما نشعر أحيانا بحركتها لكن دون أن تترك نظرة واحدة الى ما يمكن ان نسميه مشروعا ثقافياً مبدعاً وحياً ومؤثراً يبيح لنا معرفة ملامح من يدخل فيه أو يخرج عنه، حسنا هذا ليس يأساً من وجود نشاط إبداعى فردى هنا وهناك يمكن التوقف عنده لكن بالمحصلة حين ننظر الى مستقبل كل مايكتب اليوم سوف لن نجد ما يمكن تسميته أثر النتاج الثقافى أو أثر الكتابة الإبداعية على الفرد أو يمكن إحداثه من تغيير فى حركية الفكر المجتمعي، المجتمعات العربية اليوم وحتى بعد الهدم الذى حصل لبعض الأنظمة أو ما يسمى الربيع العربى والتى غدت هذه التسمية استهجانا، اقول حتى ذلك الذى حصل فى صراعاته ودمويته كان تحت رايات العقائد والطوائف والعواطف ومنها من ذاك العبث الوجدانى المسموم تشكلت حكومات دعمت اساليب الانحطاط والعبثية واصحاب هذه الحكومات وازلامهم لا يعتبرون الثقافة أو منتجيها أو المؤسسات الثقافية سوى أقانيم وديكورات فى سياساتهم المليئة برائحة الموت والفساد والتخلف فكيف فى ظل كل ذلك ان نتحدث عن مشروع ثقافى عربي.


■ حسنا حسب ماهو متوفر من أنشطة ثقافية كيف ترى الحركة الأدبية فى مصر مقارنة بتلك التى فى العراق؟


- بالرغم مما قلته عن الحالة المربكة فى مجمل النشاط الثقافى العربى وافتقاره الى مشروع واضح المعالم الا اننى وحليف واسع من مثقفى العرب يرون ان مصر هى البلد العربى الوحيد الذى استطاع من خلال مؤسساته الثقافية العديدة والمتنوعة أن يحافظ على احياء مصطلح الثقافة العربية عند اوساط الثقافات الانسانية الاخرى وهذا ماجعل المؤسسات الثقافية المصرية، حتى بعد هدم نظام مبارك وبعده حكم الاخوان، لا تتأثر كثيرا وظلت الى حد بعيد محافظة على نشاطها، كل المؤسسات الثقافية فى البلدان العربية الاخرى ينقصها الكم والنوع والعمق التاريخى الذى يؤهلها ان تكون بمستوى ماقدمته مصر ثقافيا وفنيا عبر عقود طويلة من الزمن، لكن فى حدود سؤالك اقول لك ان العراق فيه كل ما يؤهله ان يكون بمصاف ماتقدمه مصر لما يمتلكه من عمق تاريخى إنسانى كان نواته الأولى هو الثقافة كتابة وفناً وفكراً الخ والعراق منه انطلقت كل الحركات والحداثات الشعرية العربية فضلا عن وجود ابداعات فائقة لمبدعين فى مجالات ابداعية وفنية كثيرة معروفة ومشهود لها لكن الفارق مع مصر ان العراق لم يكن يوما بلد مؤسسات فعالة وحقيقية تدعم الجهد الثقافى او الفنى بايمان واخلاص وكل النتاج الثقافى العراقى على اهميته لكنه قليل وفردى يطول الحديث ان اردنا تفحص واستقصاء الاسباب، لكن لنتذكر ان شاعرا مثل السياب الذى غيّر بوصلة الشعر العربى شكلا ولغة فى تأسيسه لحركة الشعر الحر عاش ومات فى أقسى الظروف واكثرها قهراً وقمعاً، وأظننى أجبت عن واقع الثقافة العراقية فى سؤال فائت.