الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الثقافة بمعنى الكلمة




د. حسين محمود

ربما كان سلامة موسى هو  أول من استخدم كلمة «ثقافة» العربية الأصيلة لترجمة كلمة culture من اللغات الغربية، وهى كلمة لاتينية مشتقة من فعل يعنى «يزرع»، ومن ثم فهى عندما تحيل إلى التعليم والتربية القويمة عند الأشخاص، فهى تستند على ما يبذله الزارع من عناية ورعاية حتى يزهر زرعه ويثمر. أما الكلمة العربية المختارة والتى شاعت فهى مشتقة من فعل ثقف، ومن معانيها  ثَقَفَ صَاحِبَهُ :غَلَبَهُ فِى الخُدْعَةِ وَالْمَهَارَةِ وثَقَفَهُ بِالرُّمْحِ :طَعَنَهُ بِهِ. وثقُف الشَّخصُ: صار حاذقًا فطنًا. وثقِف الشَّيءَ: ظفِر به أو وجده وتمكّن منه. وثقِف الحديثَ: حذَقه وفطِنه، فهِمه بسرعة. وثَقِفَ الرَّجُلَ :صَادَفَهُ وَظَفِرَ بِهِ. البقرة آية 191 «وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم»ْ ( قرآن ). وثَقِفَ الخَلُّ: اِشْتَدَّتْ حُمُوضَتُهُ فَصَارَ حِرِّيفًا لَذَّاعاً. وثِقَافُ الرِّمَاحِ: أَدَاةٌ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ خَشَبٍ تُقَوَّمُ بِهَا الرِّمَاحُ وَتُسَوَّى. وبَيْنَهُمَا ثِقَافٌ: خِصَامٌ. وفى طبقات الشعراء للجمحى (المولود فى البصرة عام 757 بالبصرة)  يقول: «وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم والصناعات منها ما تثقفه العين ومنها ما تثقفه الأذن ومنها ما تثقفه اليد ومنها ما يثقفه اللسان» وهى هنا بمعنى الظفر من العلم والصناعات أى التمكن منها.
وربما كانت هذه الأصول المختلفة للكلمة هى السبب فيما استقر عليه المفهوم العام للثقافة على أنه عندنا بمعنى التمكن، ومن ثم فقد تسبب فى استعلاء النخبة المثقفة، بينما هو فى العالم الغربى بمعنى الرعاية، وينتمى إلى الفلاحة والزراعة، ومن ثم فقد أدى إلى ذيوع الثقافة وتواضع المثقفين.
وسواء كانت ثقافة استعلائية عربية أو رعوية غربية فإن المعنى الاصطلاحى فى الغرب لم يتخذ مسارا محددا إلا فى القرن العشرين، وتحديدا بعد الحرب العالمية الثانية، فى إطار الأزمة الوجودية الكبرى التى أعقبتها والتى أعادت صياغة كثير من المفاهيم.  فعرفها لينتون عام 1945 بأنها أسلوب حياة مجتمع، وتراث اجتماعى لأفراده، وقال عنها وليامز عام 1961 إنها كيان العمل الفكرى والتخيلى الذى يتم بواسطته وعلى نحو مفصل تسجيل الفكر والخبرة الإنسانية، ووصفها هتشسون عام 1987 بأنها طريقة لعمل الأشياء وطريقة للتفكير فيما يتم عمله، وهى طبقا لجارنهام عام 1990 إنتاج وإشاعة المعنى الرمزي، وقال فيها دوكسبرى ولوريمر عام 1994 إنها فى النهاية كل ما يمكن تقاسمه.
والثقافة عند ايجلتون عام 2000 يمكن تلخيصها «بتصرف» على أنها مجموعة من القيم والعادات والمعتقدات والممارسات تشكل أسلوب حياة مجموعة محددة من الناس. وهى النشاط الحسى والفكرى للبحث عن الجمال أو البحث عن هدف فى الحياة عند جريلون عام 2005.
ونستطيع أن نقول إن كل هذه المحاولات التعريفية انتهت إلى اتفاق عام على أن الثقافة هى كل ذلك وأكثر، فإذا نجحنا فى أن ننسى الأصل الاشتقاقى للكلمة فى اللغات المختلفة يمكن أن نعرف الثقافة على أنها: «تعبير عن قيم إنسانية، يمكن أن يكون مكثفا قويا واعيا فى الأعمال الفنية والطقوس الاجتماعية والدينية، ويمكن أن يكون ضمنيا أو فى اللاوعي، فيما يتعلق بتناول الطعام واستخدام الوقت والاحتفالات الأسرية إلى آخر طيف مثل هذه الأشياء. الثقافة هى كل شيء ضرورى  لكى نحس بأننا بشر نحيا حياة إنسانية وليس فقط للبقاء على قيد الحياة». وهذا هو التعريف نفسه الذى وصل إليه ماتاراسو عام 2001.
أستاذ الأدب بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
[email protected]