الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

السفير الأوكرانى فى حواره مع «روزاليوسف»: استفتاء انفصال «القرم» مهزلة و«بوتين» ديكتاتور




أطلق على الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» لقب «دكتاتور»  ومازال مصرا على هذا الوصف، مفسرا إياه بأن بوتين على مدار 14 عاما فى حكم روسيا مارس أعمالا قمعية ضد المعارضين فى بلده، والأكثر من ذلك أنه يرفض أن يتماس مع حدود بلده روسيا بلد حر ديمقراطى مثل أوكرانيا على حد وصفه، كما يرى السفير الأوكرانى بالقاهرة «يفجين كيريلينكو»  فى حواره مع «روزاليوسف» أن موقف دول الاتحاد الأوروبى من أزمة انفصال القرم كان متباطئا، وأن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم لا يعدو كونه احتلال، يحاول به بوتين أن يشغل شعبه عن سوءات حكمه، وأن الاستفتاء الذى تم ما هو إلا مهزلة واحتيال تم تحت تهديد السلاح، بينما قال إن الوضع فى مصر دقيق، وهو سبب عدم وجود موقف رسمى حتى الآن من أزمة القرم، السفير الأوكرانى أكد كذلك أن تظاهراتهم كانت سلمية، تتشابه فى دوافعها مع تظاهرات المصريين فى ثورتهم، ومن ثم لم تخرج عن إطارها السلمى إلا بعد سقوط ضحايا من المدنيين، وقد اندلعت عقب رفض الرئيس الأوكرانى التوقيع على اتفاقية الانضمام للاتحاد الأوروبى.. وعن أمور كثير سألناه فكان هذا الحوار:
 ■ ما أسباب المظاهرات فى أوكرانيا.. وما الفرق بينها وبين التى حدثت فى مصر؟
- فى رأيى.. الأسباب فى البلدين متشابهة، فقد وصلت حالة الضيق والغضب من النظام الفاسد الموجود فى البلاد أقصاها، فالفساد انتشر فى كل مكان: المحاكم، أقسام الشرطة، والجامعات، فأينما تذهب ستجد الفساد.. لذا يشار إلى تلك الثورة باعتبارها «ثورة الكرامة»، إذ بدأت الموجة الأولى من الاحتجاجات بعد رفض الرئيس السابق «يانوكوفيتش» توقيع اتفاق الانضمام للاتحاد الأوروبى، وكانت الاحتجاجات سلمية، حتى شرعت الإدارة السابقة للبلاد فى ذبح الشباب فى الميدان.. وهنا حدثت الانتفاضة، فمن المهم للغاية أن ندرك السمة الأساسية للثورة، وهى أن الشعب ثار ضد الحكومة الفاسدة.
■ وما رأيك فى قرار روسيا بضم شبه جزيرة القرم؟
- روسيا قررت غـزو وضم شبه جزيرة القرم لأسباب مختلفة:
أولا الخوف من وجود بلد ديمقراطى يقع على الحدود الروسية، فالأحداث التى دارت فى أوكرانيا فى عام 2004 الثورة البرتقالية أصابت «بوتين» بالخوف، لذا قرر عدم السماح بتكرارها فى روسيا، ثم    رغبته العارمة فى تصوير نفسه أنه «جامع» الأراضى الروسية، أى إعادة الاتحاد السوفيتى السابق بأى شكل، وكالمعتاد من الطغاة.. تحويل انتباه الشعب الروسى عن المشكلات الداخلية، والبحث عن العدو الخارجي، فالأربعة عشرة عاما التى قضاها «بوتين» فى السلطة لم تجلب أشياء جيدة للشعب الروسى.
وبطبيعة الحال.. فإن بوتين يكرهنا لأننا مختلفون، فالروس يؤلهون قادتهم، بينما نسخر نحن منهم، والشعب الروسى يتوقع من قادتهم إخبارهم ماذا يجب عليهم فعله، ويملى عليهم طريقة معيشتهم، بينما نخبر نحن قادتنا كيف ينبغى لنا أن نعيش، فهناك فتاة أوكرانية تبلغ من العمر 23 عاما كتبت قصيدة «لن نكون أبدًا إخوة»، موجهة إلى الشعب الروسي، عبـرت فيها عن هذا الاختلاف، فـ»الحرية» كلمة مجهولة بالنسبة لكم، «نحن خطيرون بدون أسلحة»، «فأنتم لديكم القيصر.. ونحن لدينا الديمقراطية».
■ وما التداعيات والنتائج المترتبة على ضم القرم إلى روسيا؟
- التداعيات والعواقب من الممكن أن تكون خطيرة للغاية بالنسبة لروسيا، وستتمثل تلك التوريطات فى صورة عزلة دولية وركود اقتصادي، وخيـر مثال على ذلك، التورط الأول بالتصويت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار لـ»السلامة الإقليمية لأوكرانيا»، حيث وجدت روسيا نفسها فى شراكة حكام مستبدين آخرين، أو غيرها من البلدان الأقل نموًا مثل كوريا الشمالية وكوبا، ومن المعلوم أن روسيا دولة تعتمد على الاستيراد، وإذا تم إيقافه، فستعانى بشكل كبير. والسلع الثلاث الوحيدة التى تدخل العملة الصعبة إلى روسيا هي: النفط، الغاز والتسليح، فإذا انخفضت أسعارها، فإن ذلك يعنى انهيار روسيا.
■ سبق أن أطلقت على الرئيس بوتين لقب «ديكتاتور» فما السبب؟
- نعم.. بوتين ديكتاتور، لأنه فى خلال 14 عاما مسيرته فى السلطة قال إنه نجح فى السيطرة وخنق كل المعارضة فى روسيا، والمواطنون الذين أبدوا أى مظاهر للعصيان.. تم استهدافهم بالقتل، وأى وسيلة إعلامية كانت تقدم تقريرا موضوعيا، تغلق ويستبعد محرروها، وبكل تأكيد هذا الفساد الرهيب «الذى يرافق دائمًا الطغاة»، قد عمّ كل طبقة من المجتمع الروسى.
■ وما رأيك فى دور الاتحاد الأوروبى تجاه أزمة القرم؟ وهل يعد الغاز الروسى أداة ضغط على دول الاتحاد الأوروبى؟
 - الاتحاد الأوروبى كما هى الحال دائما كان بطيئا جدا لتقييم الوضع فى أوكرانيا وتقديم المساعدة؛ إذ كان مئات من الناس قد ضحوا بأرواحهم قبل بدء الاتحاد الأوروبى فى التحرك، وحتى الآن رد الفعل مازال ضعيفا مثل «لدغة بعوضة لفيل»، لأن العقوبات ليست موجهة ضد البلاد، ولكن ضد بعض الناس. وبطبيعة الحال، فالاعتماد الأوروبى على إمدادات الغاز الروسى كثيرا ما يجعل هذه العقوبات غير مجدية. ولكن إذا ما طبقت بشكل صحيح، يمكن أن تصبح فعالة جدًا، ولكِ أن تتذكرى أزمة قناة السويس عام 1956، عندما أجبرت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على الانسحاب.
■ فى هذه الحالة.. ما مصير أوكرانيا إذا انقطع عنها الغاز الروسى الذى تعتمد عليه؟
- من جهة انقطاع إمدادات الغاز الروسى إلى أوكرانيا.. فهو شيء سلبى بالتأكيد، لأنه سيسبب مشكلات، سواء بالنسبة للصناعات أو حياة المواطنين. لكن من الجهة الأخرى، فإنه سيجبر حكومتنا للبحث عن مصادر أخرى، سواء فى منطقتنا أو مناطق أخرى أجنبية؛ فمثلا، وافقت سلوفاكيا وإحدى الشركات الألمانية على توريد الغاز إلى أوكرانيا.
وهنا.. أود أن أضيف أن أحد دوافع بوتين لضم شبه جزيرة القرم، كان اكتشاف احتياطيات الغاز الهائلة على شاطئ البحر الأسود على طول شبه الجزيرة. وهذا لا يعنى أن تصبح أوكرانيا دولة ذات اكتفاء ذاتى من الغاز، بل إنها تستطيع توفير الغاز الرخيص إلى أوروبا، الأمر الذى لم يكن فى خطط بوتين على الإطلاق.
■ وما تعليقك على ما حدث فى استفتاء انفصال القرم؟
- الشىء الذى يطلق عليه «استفتاء»، ما هو إلا مهزلة، واحتيال وإهانة لمن لديه قدر قليل من الوعي، فأى نوع من الاستفتاء هذا الذى يتم تحت تهديد السلاح؟ وكيف يكون استفتاء حقيقيا إذا قاطعه السكان الأصليون؟ وكيف يكون استفتاء حقيقيا إذا كان من حق أى شخص يحمل جواز سفر أجنبيا التصويت؟ إن من المثير للدهشة أن 96 % من المشاركين صوتوا لصالح «انفصال القرم»، والأكثر دهشة أنها طبعت 3 ملايين استمارة استفتاء لكى يصوت عليها 2 مليون مواطن من الشعب، فالأكيد أن ما سُمى بـ»الاستفتاء» أمر غير شرعى.
■ وماذا عن مستقبل للقرم؟
- مستقبل القرم حتى الآن غير واضح، فالموسم السياحى الذى يعتبر مصدر الدخل الرئيسى دُمر تماما هذا الصيف. ولا يوجد مستثمر واحد حتى الآن قرر الاستثمار هناك، إضافة إلى توقف جميع شركات الطيران الدولية عن الإقلاع إلى القرم. والمزيد من التداعيات السلبية الأخرى لضم القرم إلى روسيا.
■ كيف ترى دور مصر تجاه أزمة القرم؟
- مصر الآن فى وضع دقيق، وهذا هو السبب لعدم وجود موقف مصرى رسمى على حد سواء تجاه أوكرانيا أو شبه جزيرة القرم. وأنا أفهم هذا، ولكنى لا أفضله. فقد كانت مصر فى وضع مماثل عندما احتُلت سيناء، وأعتقد أنه على مصر فهم مشاعرنا تجاه شبه جزيرة القرم. كما أن هناك شيئا آخر، إذا كان المَرْءُ يعمل وفقًا لمبدأ "عدو عدوى صديقي".. فإنه على المرءِ أن يغير الأصدقاء فى كثير من الأحيان.
■ وكيف ترى العلاقات المصرية الأوكرانية الآن؟ وهل ستتأثر بعد أزمة القرم؟
- على الأغلب.. العلاقات الثنائية فى هذا المجال سوف تتأثر لأنه لا يوجد شيء فى هذا المجال، ففى خلال العامين والنصف التى أمضيتها سفيرا هنا.. لم يحدث حتى تبادل زيارات ذات جدوى ولو لمرة واحدة، فقد حاولت ترتيب حضور وزير خارجيتنا إلى مصر فى فبراير من عام 2012، ولكن فى الأسبوع الأخير قبل الزيارة، قرر وزير الخارجية المصرى وقتها محمد كامل عمرو بشكل مفاجئ أنه سيكون بعيدًا عن القاهرة، ومنذ هذا الحين حوارنا السياسى فى حالة جمود، أما فى المجال الاقتصادي.. فتعاوننا كان جيدًا جدا، أما الآن.. فنرى اتجاها لإحلال المنتجات الأوكرانية بأخرى روسية.
■ هل ترى أن روسيا بعد ضم القرم ترغب فى استعادة هيبتها وعودة الاتحاد السوفيتى؟
- الوضع السياسى فى أوكرانيا الآن خطير للغاية، فما حدث فى شبه جزيرة القرم يتكرر الآن فى المناطق الشرقية من البلاد، حيث إن السائحين الموالين لروسيا يبثون العنف والمشاعر الانفصالية بين السكان الأوكرانيين، لحثهم على اتباع تجربة القرم والانفصال والانضمام لروسيا.
فالوضع أيضًا يوضح أن "المرء لا يمكن أن يدخل فى نفس المياه مرتين"، فالذين جاءوا من قبل إلى السلطة مع موجة من السخط الشعبى، وأثبتوا عدم قدرتهم على تنفيذ الإصلاحات، الآن هم أيضا يثبتون عدم قدرتهم فى الدفاع عن بلادهم بسبب عدم كفاءتهم وترددهم وفقدهم الشعور بالمسئولية، الأمر الذى أدى إلى ضم شبه جزيرة القرم، والآن هناك تهديد مباشر بفقدان جزء آخر من البلاد لصالح روسيا.
■ وما قولك فى محاكمة المتهم الأوكرانى "إدوارد تشيكوس"، المسجون بـ"ليمان طره"؟
- فى 12 مارس 2012 أقـرت محكمة الإسماعيلية السجن لمدة 25 عاما على "إدوارد تشيكوس"، وهو مواطن أوكرانى الجنسية. ونحن نعتبر الحكم ظالمًا ومتحيزًا، وغير عادل، وعلى هذا النحو يتعارض مع مبادئ سيادة القانون. لكن القاضى كان يحكم بأى حال من الأحوال اعتمادًا على العنصر القانونى فى القضية، التى كانت ملفقة ولم تحتوِ على أى دليل إدانة ضده، لكن بناء على العقائد الدينية والسياسية.
لقد أدار "إدوارد تشيكوس" أعمالًا سياحية فى مصر بنجاح لمدة دامت لأكثر من 5 أعوام، وألقى القبض عليه على أساس تقرير «بدون أى اسم أو توقيع» من أحد الأجهزة الأمنية فى مصر، وتمت أبحاث وتحريات أمنية واسعة النطاق فى مكتبه، والمنزل، وسيارته لم تسفر عن أى دليل على الإطلاق على ارتكابه جريمة.
ومع ذلك، فقد ظلت فى السجن لمدة عامين؛ وكل نداءاته تم رفضها. لقد حكم عليه وفقا لقانون الطوارئ، وقد رفع القانون مرتين فى هذا البلد، لكنه لا يزال هناك فى سجنه. وقد تم العفو عن العديد من السجناء، لكنه لم يكن من بينهم، وفى رأيي.. فإن النظام القانونى فى مصر يحتاج إلى إصلاح، ويجب أن تكون أكثر انفتاحا، أكثر يسرا للتدقيق العام.