الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شم النسيم المصرى .. عيد للحياة




بقلم: د. زين عبدالهادي

الكلام عن شم النسيم يبدو أنه كلام فى دائرة لم يتخلص منها المصريون منذ زمن طويل، ولكن لأنى اطلعت على الكثير مما كتب حول شم النسيم فى الصحف والكتب وعلى الإنترنت أردت أن ألفت النظر لمجموعة من الملاحظات التى أراها فى غاية الأهمية بالنسبة للمصريين كشعب وكقومية متفردة، هذه القومية التى استطاع التاريخ أن يعصر فيها الكثير من الأجناس والقيم الثقافية، التى تحاول بعض الفرق الدينية المتطرفة إهالة التراب والظلام والفكر السلفى الذى أراه يمينيا متطرفا لا يهمه سوى البحث فى الموت، ولا تهمه الحياة على الإطلاق، لأن زاوية الرؤية لديه ضيقة للغاية، ولا يمكن أن تمرر ضوءا ولا نورا، إنها تمرر أمراضا نفسية وعقدا يمكن أن تنال من الناس ذوى الحظ القليل من التعليم فيتحول المجتمع كله إلى كرة من النار الملتهبة التى ستقضى سريعا على الكثير من أشكال الحياة التى نمت فى النور لصالح أشكال من الحياة تفضل الظلام وتعشق فكرة الحياة فى الموت، وليس الموت فى الحياة، كما أحب أن اسميها!
يحتفل المصريون كل عام بمجموعة من الاحتفالات سواء بشكل اسرى أو بشكل قومى، وكلها احتفالات تتعلق بالحياة والنماء والسعادة، كاحتفالات المواليد الجدد، والاحتفال بمقدم الربيع، والاحتفال بالمولد النبوى والاحتفال بعيد القيامة للمسيح، والاحتفال بعيد الفصح سواء لدى المسيحيين او لدى اليهود، هذه الاحتفالات لدى المصريين تحديدا يختلط فيها الطبيعى بالمقدس بالدينى بالفردي، فلا يمكنك بسهولة إدراك ما يرتبط بالخرافة بما يرتبط بالدينى بما يرتبط بالفردي، فشم النسيم احتفالية كان يجب أن توليها وزارات الثقافة المتعاقبة اهتماما أكبر لكن ذلك لم يحدث، وربما نظرة سريعة على الاحتفال بعيد الربيع فى الصين، والهند (لدى الطائفة الهندوسية فيما يعرف بمهرجان الألوان)، وعيد حصاد الشعير لدى بلاد ما بين النهرين (فى التاريخ القديم)، وعيد الربيع فى اليابان، سنرى كيف استطاعت دول مثل الهند والصين واليابان جعلها احتفالات تدفع بملايين من السائحين للمشاركة فيها.
أما نحن فقد انتشر شيوخ الإفك فى الزوايا والحارات فى ربوع مصر، وهؤلاء القادمين من احراش الصحراء الذين يقدمون آلاف الفتاوى ضد هذه الاحتفالات، إيمانا منهم بأن قتل الحياة يحافظ على الحياة من أجل الأخرة، فيما يعتمدون دائما على فتاوى ابن تيمية فى التكفير والإتهام بالبدع وفى قتل كل مظاهر الحياة الإنسانية، ناسين ان الرسول نفسه كان جميلا يحب الجمال، واعتقد جازما أن متابعة هؤلاء مهمة، لإعادة الصفاء، وحب الحياة الذى لا يجب أن يتعارض مطلقا مع القيم الإسلامية والمسيحية والانسانية النبيلة.
إن المعنى الجميل لاحتفال المصريين الآن هو أمر آخر ومختلف عما يفهمه هؤلاء الشيوخ، إنه اعتداد بمصريتهم، واحتفالا باجدادهم وتراث هؤلاء الأجداد، وليس لذلك علاقة الآن بتقديس القديم، وانما احتفاء بالتراث الحضارى الذى أنشأ أمة كبار الزراع، إن لفظة «شم» التى كانت تعنى فى الهيروغليفية «بعث الحياة» أو «عيد الخلق»، والتى تحورت فى القرن الرابع الميلادى إلى شم النسيم او «بستان الزروع» كما يحب أقباط مصر أن يسموه، والذى تحول فى العصر الفاطمى إلى مصطلح شم النسيم تخلصا من فكرة التقديس التى أهالها المصريون على فكرة الاحتفال بمقدم الربيع، كل ذلك يدعونا إلى التفكير فى الأمر، فلا يمكن لنا أن ندخل دائرة الفتاوى الجهنمية التى تنتشر على الإنترنت كالنار فى الهشيم.
يا سادة عودة الثقافة المصرية إلى جذورها ومناهج جديدة فى التفكير الإسلامى هى الحل الوحيد لعودة المصريين إلى القيمة الحقيقية التى يحملها تاريخهم وقوميتهم!
استاذ المعلومات بجامعة حلوان
 HYPERLINK «mailto:[email protected]» [email protected]