الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الكنيسة الكاثوليكية بين البابا يوحنا بولس الثالث والعشرين والبابا يوحنا بولس الثانى




ضمت الكنيسة الكاثوليكية الباباويين يوحنا الثالث والعشرين ويوحنا بولس الثانى ضمن قديسى الكنيسة اليوم الأحد، فقد تمكن الباباوان من الدخول إلى قلوب الناس وفتحا أفقا جديدا أمام مسيرة الكنيسة الجامعة، كما تركا بصماتهما فى تاريخ العالم المعاصر.
فهما باباوان جاءا من بيئتين مختلفتين وتلقيا تنشئتين مختلفتين، لكنهما كانا رجلين عظيمين ونبيلى النفس، نظرا لغناهما البشرى وروحانيتهما وذكائهما الخارقين.
البابا يوحنا الثالث والعشرون
هو بابا الكنيسة الكاثوليكية الحادى والستون بعد المائتين بين 28 أكتوبر 1958 و3 يونيو 1963 فى أقصر بابويّة خلال القرن العشرين بعد يوحنا بولس الأول غير أنها كانت حافلة سيّما بعد دعوة البابا لعقد المجمع الفاتيكانى الثانى؛
ويعتبر من الباباوات الأكثر شعبيّة فى التاريخ المعاصر. ويلقب بـ«يوحنا الجيد» وكتب خلال حبريته عددًا كبيرًا من الرسائل والدساتير العامّة وعمل إلى تغيير وانفتاح الكنيسة الكاثوليكية على العالم. غير أنه لم يعش لير ختام أعمال المجمع الذى دعا إليه بل توفى بعد ختام الدورة الأولى منه مباشرة، ليكمل خليفته بولس السادس سائر دورات المجمع.
أعلن طوبايًا وهى المرحلة التى تسبق مرحلة إعلان القداسة وفق العقائد المسيحية، فى 3 سبتمبر 2000 على يد البابا يوحنا بولس الثانى
ولد باسم أنجيلو جيوسيبى رونكالى عام 1881 فى إيطاليا وانخرط فى سلك الكهنوت باكرًا وأصبح أسقفًا ثم زائرًا رسوليًا فبطريركًا للبندقية عام 1953. خلف البابا بيوس الثانى عشر فى رئاسة الكنيسة الكاثوليكية عام 1958.
بغض النظر عن المناصب التى كان يتبوؤها فقد عرف عنه امتناعه عن مساعدة العائلة للحصول على أية مكاسب مادية، وبعد أن اعتلى رأس  «الكنيسة الرومانية الكاثوليكية» الكنيسة الكاثوليكية كتب فى إحدى رسائله لشقيقه كزافييرو «العالم لا يهتم إلا بجمع المال...»، وعند وفاته لم يرث منه إخوته الذين كانوا لا يزالون على قيد الحياة إلا مبلغًا رمزيًا يقدر بأقل من «20دولار أمريكي» دولار للفرد كانت كل ثروته الشخصية
بعد وفاة البابا بيوس الثانى عشر عام 1958 تم انتخاب رونكالى بابا صاحب الشخصية المحببة التى تملك روح الدعابة واللطف، مكنته من نسج علاقات جيدة مع أغلب العالم.
عند انتخابه، اختار رونكالى اسم «يوحنا» وكانت تلك هى المرة الأولى منذ نحو 500 عام يتم فيهااختيار هذا الاسم، فآخر بابا دعى يوحنا هو يوحنا الثانى والعشرون بين 1316 و1334 وقبله يوحنا الحادى والعشرون بين 1276 و1277
ودعا البابا لعقد مُجمع مسكونى جديد للكنيسة الكاثوليكية عام 1959 على أن يستمر التحضير له ثلاث سنوات. وكان لها الكثير من التغييرات والإصلاحات فى بنية الكنيسة حتى إنها «أعادت تشكيل وجه الكاثوليكية»، من خلال مراجعة الطقوس ومنح دور أكبر للعلمانيين والحوار مع العالم وغيرها من القضايا المرتبطة وكانت الفكرة من هذه الدعوة إصلاح الكنيسة الكاثوليكية بما يتوافق مع متطلبات العصر الحديث
 أصدر البابا ثمانى رسائل عامة خلال حبرية قصيرة نسبيًا، اثنتان منهما اعتبرا شديدتى الأهمية فى تاريخ الكنيسة الكاثوليكية المعاصر، هما السلام فى الأرض وأم ومعلمة. حاول البابا خلال رسائله العامة، تقريب الكنيسة الكاثوليكية من العالم الحديث، وتكييفها مع متطلبات الزمن المعاصر.، كما نشط فى تحفيز الإصلاحات الاجتماعية للطبقة العاملة والفقراء والأيتام والمنبوذين، وحث على التعاون مع الديانات والمذاهب الأخرى، من بينهم عدد من القادة البروتساتنت ورئيس الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية ورئيس أساقفة كانتربرى الأنجليكانية والكاهن الأعلى للشينتو وهى ديانة اليابان الرسميّة..
وفى يوم 23 سبتمبر 1962 كان أول تشخيص للبابا المصاب بسرطان المعدة. استمر المرض، الذى خفى على الإعلام، ثمانية أشهر وعمد إلى إحداث نزيف فى المعدة بعض الأحيان وقلل من ظهور البابا الإعلامى، وتوفى البابا نتيجة التهاب الصفاق وسرطان المعدة فى 3 يونيو وله من العمر 81 عامًا، ودفن يوم 6 يونيو بعد حبرية أربع سنوات وسبعة أشهر.
وفى يوم 3 ديسمبر 1963 منحه الرئيس الإمريكى ليندون جونسون وسام الحرية الرئاسى، وفى السابع من سبتمبر 2000، قام راؤول والنبرج المسئول عن «المؤسسة الدولية لشكر وتقدير الأعمال الإنسانية» بتوجيه شكر وتقدير للبابا، على الأعمال التى قام بها لإنقاذ ضحايا الهولوكست على يد النظام النازى خلال الحرب العالمية الثانية كما أنه نال جائزة نوبل للسلام وقيمتها مليون فرنك سويسرى قال: «وخصصها لإنشاء مكان يضم ضحايا الثورات والحروب»، فى 11 مايو 1963 منحه الرئيس الإيطالى أنطونيو سينى جائزة بالزان لمشاركته فى صنع السلام العالمى.
يوحنا بولس الثانى
يوحنا بولس الثانى هو بابا الكنيسة الكاثوليكية الرابع والستون بعد المائتين منذ 16 أكتوبر 1978 وحتى وفاته فى 2 أبريل 2005 فى حبرية طويلة دامت ستة وعشرين عامًا.
ولد فى 18 مايو 1920 باسم كارول جوزيف فوتيلا فى بولندا وانخرط فى سلك الكهنوت عام 1946 وأصبح أسقفًا عام 1958 ثم كاردينالاً عام 1967 وأخيرًا حبرًا أعظم للكنيسة الكاثوليكية خلفًا للبابا يوحنا بولس الأول؛ وعند انتخابه كان البابا غير الإيطالى الأول منذ عهد إدريان السادس (1522 - 1523) كما كان البابا البولندى الأول فى تاريخ الكنيسة الكاثوليكية.
اعتبر البابا يوحنا بولس الثانى واحدًا من أقوى عشرين شخصية فى القرن العشرين، وقد لعب دورًا بارزًا فى إسقاط النظام الشيوعى فى بلده بولندا وكذلك فى عدد من دول أوروبا الشرقية.
وكذلك فقد ندد «بالرأسمالية المتوحشة» فى تعليمه الاجتماعي؛ ونسج علاقات حوار بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية والكنيسة الآنجليكانية إلى جانب الديانة اليهودية والإسلامية،
على الرغم من أنه انتقد من قبل بعض الليبراليين لتسمكه بتعاليم الكنيسة ضد وسائل منع الحمل الاصطناعى والإجهاض والموت الرحيم وسيامة النساء ككهنة، كذلك فقد انتقد من بعض المحافظين بسبب دوره الأساسى فى المجمع الفاتيكانى الثانى والإصلاحات التى أدخلت إثره على بنية القداس الإلهي، ولكسره عددًا وافرًا من التقاليد والعادات الباباوية.
كذلك فقد كان البابا واحدًا من أكثر قادة العالم سفرًا خلال التاريخ، إذ زار خلال توليه منصبه 129 بلدًا. وكان يجيد الإيطالية والألمانية والإنجليزية والإسبانية والبرتغالية والروسية والكرواتية إلى جانب اللاتينية والبولندية لغته الأم.
كما أنّ أحد محاور تعليمه اللاهوتى كان يستند على «القداسة الشاملة» وفى سبيل ذلك أعلنت خلال حبريته قداسة 483 شخصًا وفق العقائد الكاثوليكية وطوباوية 1340 آخرين، أى أن ما رفع خلال حبريته يوازى حصيلة أسلافه خلال القرون الخمسة السابقة.
وفى 19 ديسمبر 2005 طلب البابا بندكت السادس عشر فتح ملف تطويب يوحنا بولس الثانى، واحتفل بإعلانه طوبايًا للكنيسة الكاثوليكية الجامعة فى 1 مايو 2011.
أبدى يوحنا بولس الثانى اهتمامًا خاصًا بالشباب الكاثوليكي، ومن المعروف أنه قد لقب «بابا الشباب». أبدى البابا قلقه من تناقص أعداد الشباب المنخرطين فى سلك الكهنوت وقام مرات عديدة بزيارة المعاهد الرومانية لإعداد القسس ولقاء أوائل المعاهد، كما قام عام 1984 بتأسيس «أيام لقاء الشبيبة الكاثوليكية»التى تجرى دوريًا كل عامين أو ثلاثة بحيث يلتقى الشباب الكاثوليكى من جميع أنحاء العالم فى لقاء «للاحتفال بالإيمان» ويستمر لمدة أسبوع، ترافقه نشاطات مختلفة. أقيم خلال حبريته 19 يومًا من أيام الشباب شارك بها الملايين منهم، وقد أطلق أيضًا عام 1994 الاجتماعات العالمية للعائلات.
فى 13 مايو 1981 كان البابا يجول على حشود من المؤمنين فى ساحة القديس بطرس فى الذكرى السنوية لظهور العذراء فى بلدة فاطمة فى البرتغال عام 1917 وفق العقائد الكاثوليكية، حينها أقدم مسلح تركى هو محمد على أغا، بإطلاق النار على البابا وقد استقرت الرصاصات فى الأمعاء الغليظة والأمعاء الدقيقة.
خلال العشر سنوات السابقة لليوبيل الكبير الذى أعلنه البابا لمناسبة «مرور ألفيتين على تجسد المخلص» قرر إعلان سلسلة اعتذارات عن «الأخطاء» التى اقترفتها الكنيسة الكاثوليكية خلال تاريخها وقد شمل الاعتذار اليهود وجاليليو والمسلمين والنساء، وقدم اعتذارًا عن تورط الكاثوليك فى تجارة الرقيق فى أفريقيا وقدم اعتذارًا عن الاضطهادات والحروب الدينية التى تلت قيام البروتستانتية فى القرن السادس عشر، وقد أعلن ذلك من جمهورية التشيك قدم من خلال الرسالة الباباوية «إلى كل امرأة» قدّم البابا اعتذارًا عن انتهاك حقوق المرأة خلال القرون الوسطى على يد محاكم التفتيش، قدم اعتذارًا من اليهود عن تقاعس الكنيسة الكاثوليكية فى ألمانيا عن مساعدتهم خلال الهولوكست وقدّم البابا اعتذارًا عن المآسى التى رافقت الحروب الصليبية.
بالرغم من أن البابا كان رياضيا الا انه صحته تدهورت عقب محاولة اغتياله وفى مارس 2005 أصيب البابا بالتهاب بالمسالك البولية، وشخصت حالته على كونها حمّى شديدة مع انخفاض بشدة فى ضغط الدم.
يوم السبت 2 أبريل 2005  قال البابا كلماته الأخيرة بالبولندي» ومعناها «اسمحوا لى أن أغادر إلى بيت الآب»، قال ذلك لمساعديه، ثم دخل فى غيبوبة دامت أربع ساعات، وكان من بين الحضور إلى جانب البابا الكاردينال ستانيسلو وكاهنان من بولندا مع الراهبات اللاتى يخدمن القصر الرسولي، ومدير القصر. وقد توفى البابا فى شقته الخاصة، بسبب قصور فى نبضات القلب وانخفاض شديد فى ضغط الدم، بعد 85 عامًا.