الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ماركيز المكروه




 

د. حسين محمود

لا يعنى أن العالم كله يبكى الآن رحيل واحد من كبار أدبائه، جارثيا ماركيز، وهو من صار أيقونة الرواية فى الربع الأخير من القرن العشرين، أنه يحوز اتفاق وإجماع كل القراء أو حتى النقاد. فالقراء، بعضهم، أنشأ مدونات يقرر فيها أنه لا يحب جارثيا ماركيز ورواياته الضحلة ويدعون كل من قرأه ولم يستمتع بقراءته أن يعلن ذلك بلا خوف من «الرأى العام» أو «التيار السائد» الذى يفرض بقوانينه الخاصة أسماء وشخصيات بعينها.
وقد قرأت مؤخرا ما كتبه بازوليني، أحد أبرع الكتاب والشعراء ومخرجى السينما فى إيطاليا فى النصف الثانى من القرن العشرين، عن رواية «مائة عام من العزلة»، ويقول فى عنوان فصل فى أحد كتبه عن الرواية إنها «خدعة». فمن رأى بازولينى أن اعتبار «مائة عام من العزلة» من روائع الأدب فكرة سخيفة مضحكة، فما هى إلا رواية سيناريست، أو مصمم أزياء سينمائي، مكتوبة بحيوية كبيرة وأسراف فى الأسلوبية التقليدية لاتجاه باروك (اتجاه فنى أدبى يميل إلى الإغراق فى الزخرفة) أوروبي- لاتيني، تكاد تكون مكتوبة خصيصا لإحدى كبرى شركات الإنتاج السينمائى بهوليوود (لو كانت مثل هذه الشركات الكبيرة لا يزال موجودا منها شيء).
والشخصيات كلها آلية مخترعة، أحيانا ببراعة متألقة لكاتب سيناريو: فلكل منهم «لزمة» شعبية تستهدف انتزاع إعجاب الجمهور. ويضيف بازولينى فى رأيه هذا الذى نشره فى كتابه «أوصاف الأوصاف» عام 1979، أن المؤلف أذكى من نقاده كلهم، وكان يعرف هذا جيدا، حيث قال فى تعليق وحيد خارج السياق اللغوى على روايته إن هؤلاء النقاد لم يجل بخاطرهم مطلقا أن يفكروا فى الأدب على أنه أفضل لعبة تم اختراعها على الإطلاق للاستهزاء بالناس. وكان ماركيز فى رأى بازولينى مستهزئا ساحرا حتى استطاع أن يسقط البلهاء كلهم فى حبائله، ولكن لا تزال تعوزه صفة المخادع الأكبر، والتى ربما كانت لدى دانتى اليجييرى كما يقول أحد النقاد الألمان، وكما كان خورخى لويس بورخيس على سبيل المثال، وعلى نحو أقل تومازى دى لا مبيدوزا فى «الفهد»، والتى تشابه «مائة عام من العزلة» على نحو أخف، من ناحية ما أثارته من «لبس» فى عالم النشر أو بالأحرى فى تلك القوانين التى تملى على سوق النشر أسباب النجاح الأدبى.  
 هذا الهجوم الشديد على ماركيز قبل 35 عاما، عندما كان المؤلف الكولومبى فى أوج تألقه، وهذا الهجوم الأخير من شباب المثقفين عليه، له معنى مهم. فأسباب النجاح ليست الجدارة بكل تأكيد، والمشجعون مهما زادت أعدادهم لا يستطيعون أن يحولوا فريقهم المهزوم إلى فريق فائز، إلا بحل المشاكل الحقيقية التى يعانى منها الفريق والملعب والجمهور نفسه الذى يقف إلى جوارك ولكنه على استعداد لأن يقذفك بالبيض والطماطم إذا لم تحسن اللعب. فلا تركن سيدى إلى «التيار السائد»، وانتبه إلى من يقف ضدك، فهو يراك على حقيقتك ويستحق منك أن تراه وأن تعمل له حسابا.
أستاذ الأدب بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
[email protected]