الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قناة السويس ممر الـ 120 ألف شهيد




كتب - السيد الشورى - محمد عبدالفتاح

يسجل التاريخ دائما أن للمصريين السبق والريادة فهم أول من فكر فى شق قناة مائية تربط بحرين على وجه الأرض ولم تكن فكرة شق القناة وليدة التاريخ الحديث وعصر ديليسبس، بل إنه بمتابعة التاريخ المصرى القديم نجد أن فكرة ربط البحرين الأبيض المتوسط والأحمر بطريق مائى لاستخدامه فى عمليات التجارة ونقل البضائع بين الشرق والغرب، ترجع إلى الملك سنوسرت الثالث. فمصر هى أول دولة فى العالم فكرت وقامت بشق قناة صناعية لاستخدامها فى أغراض السفر والتجارة


وترجع فكرة حفر قناة تربط بين البحرين الأبيض والأحمر إلى عام 1850ق.م فى عهد الملك سنوسرت الثالث أحد أهم ملوك الأسرة 12 حيث انشأ أول قناة مائية تربط ما بين البحر الأحمر والبحر المتوسط عن طريق النيل سميت هذه القناة «سيزوستريس» وهى التسمية الإغريقية لـ(سنوسرت) وقد أدى إنشاء هذه القناة إلى ازدياد حركة التجارة بين مصر وبلاد بونت وجزر البحر المتوسط وبالأخص كريت وقبرص. وعندما فتح المسلمون مصر جدد عمرو بن العاص هذه القناة تنفيذا لأوامر الخليفة عمر بن الخطاب وسميت يقناة «امير المؤمنين»، وفى رواية للمقريزى أن السفن استطاعت أن تصل من الفسطاط إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة بعد أقل من عام على فتح مصر، وأشاد الفيلسوف والشاعر الفرنسى المعروف فوليتير بفضل عمر بن الخطاب على الملاحة وتجديده لهذه القناة الحيوية التى استمرت فى العمل حوالى مائة وخمسين عامًا.
وعندما اكتشف البرتغال طريق رأس الرجاء الصالح فى بداية القرن السادس عشر الميلادى تغيرت معه حركة التجارة العالمية، ولم تعد مصر والإسكندرية قلب هذه التجارة، وعانت مصر اقتصاديا واستمر ذلك حتى جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر بقيادة نابليون بونابرت سنة 1798م فقامت الحملة بعمل دراسة لمحاولة إنشاء قناة تربط البحرالمتوسط بالأحمر، فقامت البعثة العلمية للحملة بوضع دراسات لهذا المشروع الذى كان العمود الفقرى فى البرنامج الاستعمارى الفرنسى لمصر، غير أن «ليبير» رئيس البعثة وقع فى خطأ علمى هندسى قال فيه بارتفاع مستوى البحر الأبيض عن البحر الأحمر.
وبعد تولى محمد على حكم مصر عرض الفرنسيون عليه مشروع شق القناة، ولكن محمد على أثبت أنه كان أبعد نظراً من أحفاده وأسرته جميعاً، فقد رفض محمد على باشا الكبير المشروع الفرنسى كما عرض عليه وقال «لا أريد فى مصر بسفوراً أخر»، وأصر على ضرورة إشراف الحكومة المصرية على تنفيذه وتمويلها له لكى تخلص القناة لمصر، كما أصر على ضمان الدول الكبرى لحقوق مصر وبهذين الشرطين الذكيين. أثبت محمد على باشا بعد نظره وحرصه على تجنيب مصر ويلات التدخل الأجنبى.
وبعد تولى سعيد باشا الحكم نجح «فرديناند ديليسبس» فى إقناعه بشق قناة السويس لتربط بين البحرين: المتوسط والأحمر، وكان لصداقته للوالى منذ الصغر أثر فى هذا الاقتناع، وكان سعيد باشا كما يصفه المؤرخون لين العريكة، سهل الانقياد، يضع ثقته فى الأجانب، فأصدر مرسومًا لصديقه الفرنسى فى سنة1854م بحق امتياز فتح القناة، ثم جدد له امتيازًا ثانيًا بعد ذلك بعامين، ووافق على قانون الشركة التى ستقوم بحفر القناة والإشراف عليها، وأهم ما جاء فى هذا القانون أن القناة ستكون حرة لجميع سفن العالم التجارية دون تمييز أو تحفظ بشرط دفع الرسوم المطلوبة والالتزام بالقوانين، وأن للشركة حق التمتع بالامتياز مدة 99 سنة ابتداءً من افتتاحها، وبعد انتهاء المدة تصير القناة ملكًا للحكومة المصرية.
فى 25 أبريل 1859 أقيم حفل بسيط ببورسعيد للبدء بحفر قناة السويس وضرب ديليسبس بيده أول معول فى الأرض إيذاناً ببدء الحفر وكان معه 100 عامل حضروا من دمياط ولم يتمكن العمال بعدها من استكمال حفرهم بسبب معارضة إنجلترا والسلطان العثمانى لذلك توقف الحفر واستكمل الحفر فى30 نوفمبر 1859 بعد تدخل الامبراطورة «أوجينى» لدى السلطان العثمانى ووصل عدد العمال المصريين الى 330 عاملا والاجانب 80 عاملا، وتم الاستغناء عن فكرة الاستعانة بعمال اجانب بسبب ارتفاع اجورهم واختلاف المناخ واختلاف عاداتهم عن العمال المصريين.
فى اوائل عام 1860 بلغ عدد العمال 1700 عامل ولم يكن ذلك العدد كافياً على الاطلاق فقامت الشركة بتشكيل لجنة لجمع العمال خاصة من منطقة بحيرة المنزلة وواجهت كذلك مشكلة مياه الشرب فقامت باستيراد 3 مكثفات لتحلية مياه البحر.
فى عام 1861 ركزت الشركة على انشاء ميناء مدينة بورسعيد، فأقامت منارة لإرشاد السفن وكوبرى يمتد من البحر إلى الشاطئ لتفريغ شحنات السفن والمعدات اللازمة للحفر وأنشأت أيضاً حوضا للميناء وأقامت الورش الميكانيكية مثل الحدادة والخراطة.
قام الخديوى سعيد فى 12 إبريل 1861 بزيارة الميناء الذى حمل اسمه فيما بعد وزار الورش وأثنى على العمل وتسببت تلك الزيارة فى رفع عدد العمال اللازمين لحفر القناة.
كما أرسلت الشركة 3000 عامل لحفر ترعة المياه العذبة بدءاً من القصاصين الى قرية نفيشة بالقرب من بحيرة التمساح فى 19 إبريل 1861 ووصلت المياه إليها فى 23 يناير 1863.
وفى أواخر عام 1861 قام الخديوى بزيارة مناطق الحفر بجوار بحيرة التمساح واختار موقع المدينة التى ستنشأ بعد ذلك والتى حملت اسم الإسماعيلية وطلب بعدها ديليسبس زيادة عدد العمال الى 25000 عامل شهرياً وقد كان ذلك للوفاء باحتياجات الحفر إلا أن العمال لم يكونوا يحصلوا على مقابل مادى مناسب.
وبسبب كثرة العمال وعدم وجود رعاية صحية كافية لهم فقد انتشر أكثر من وباء بينهم قضى على كثير منهم ومن أشهر هذه الأبئة وباء الكوليرا ووباء الجدرى. وفى 18 مارس 1869 وصلت مياه البحر المتوسط إلى البحيرات المرة. وفى 15 أغسطس ضربت الفأس الأخيرة فى حفر القناة وتم اتصال مياه البحرين فى منطقة «الشلوفة». وبلغ إجمالى عدد العمال ما يزيد عن مليون عامل مصرى، ووبلغ عدد الذين توفوا من العمال أثناء الحفر أكثر من 120 ألفاً.
واقام الخديوى اسماعيل حفلا أسطوريا دعا فيه أباطرة وملوك العالم وذلك للاحتفال ببداء عمليات الملاحة فى القناة فى 16 نوفمبر 1869 وقد بلغ المدعوون للحفل اكثر من ستة آلاف شخصية.
ومنذ ذلك الحين اصبحت القناة هى اهم ممر مائى وتجارى فى العالم وصار الاستيلاء عليها احد اهم أغراض السياسة الإنجليزية، خاصة بعد دخول ألمانيا وإيطاليا ميدان المنافسة الاستعمارية وتكوينهم لوحدتهما السياسية، مما ادى الى التأثير على مركز بريطانيا فى حوض البحر المتوسط، وكان ذلك كفيلاً بأن تتحول أطماع بريطانيا نحو مصر عامة والقناة على وجه خاص باعتبارهما مفتاح السيطرة على البحر المتوسط والمدخل للتوسع الاستعمارى فى إفريقيا، فضلاً عن أن بقاء القناة تحت السيطرة الفرنسية أمر لم يكن يطمئن إنجلترا فى حركتها التجارية أو فى الوصول إلى مستعمراتها فى الهند.
ولم تستخد إنجلتر القناة فى تجارتها الا بعد أن فرضت سيطرتها التامة على القناة ومصر فى عام 1888م، وقبل هذا التاريخ لم تكن ترسل غير سفينتين كل شهر، بهدف إظهار مشروع القناة فى صورة خاسرة، ومضاعفة متاعب الشركة، بل أرادت أن تشترى القناة بسعر زهيد، وتمكنت فى النهاية من شراء أسهم مصر فى القناة فى نوفمبر 1875م واعتبر هذا البيع ضربة موجعة شديدة للمصالح الفرنسية، أما بريطانيا فطالبت بحقها فى إدارة القناة.
ولم يمض وقت طويل حتى رأت بريطانيا أن مصالحها التجارية والسياسية مرتبطة بالقناة، لذلك استغلت الأزمة المالية الخانقة التى تعرضت لها مصر فى أواخر عهد إسماعيل، وتدخلت فى الشئون السياسية والمالية فى البلاد، وهو الأمر الذى انتهى بالاحتلال البريطانى لمصر فى 1882م.
أثار استيلاء بريطانيا على مصر مشكلة مع فرنسا التى كانت ترى ضرورة تنظيم استخدام القناة، وتمت الموافقة بين الدولتين على أن تستند دراسة التنظيمات الخاصة بالقناة للجنة دولية فى باريس وتضم ممثلين لدول أوروبية ومعها تركيا ومصر، وبعد مفاوضات تم توقيع اتفاقية الاستانة الخاصة بتنظيم إدارة القناة فى أكتوبر 1889م وأقرت هذه الاتفاقية حياد القناة.
أما من الناحية الواقعية فإن إنجلترا ظلت تحتل مصر والقناة معًا، كما حرصت على أن تجعل سيطرتها على مصر والقناة أمرًا معترفًا به من جانب الدول الكبرى، وتم لها ذلك بتوقيع الاتفاق الودى مع فرنسا فى 1904م.
استمرت السيطرة البريطانية على مصر والقناة، واستمرت معها مطالب الوطنيين بالجلاء حتى تم توقيع معاهدة 1936 التى نصت على احتفاظ بريطانيا بقاعدة حربية وجوية لها فى منطقة القناة، واستفادت بريطانيا من قواعدها فى القناة أثناء الحرب العالمية الثانية.
وقامت ثورة يوليو 1952 ضد الحكم الملكى، وسعت حكومة الثورة بعد إلغاء الملكية إلى مطالبة بريطانيا بالجلاء عن منطقة قناة السويس، وأدت تلك المطالبات المصرية إلى التوصل للاتفاقية المصرية– الإنجليزية للجلاء عام 1954م، ونصت على أن يتم انسحاب القوات البريطانية على مراحل خلال عشرين شهرا، ونصت على بقاء مناطق محددة فى قاعدة قناة السويس فى حال تشغيل تتسم بالكفاءة والصلاحية للاستخدام الفورى بواسطة بريطانيا فى حال وقوع هجوم مسلح من دولة خارجية على إحدى الدول العربية أو التركية، مع ضمان حرية الملاحة فى القناة.
دول الغرب والقناة
كانت الدول الغربية المنتفعة بقناة السويس تحاول التكهن بمستقبل القناة بعد انتهاء الامتياز وعودتها إلى مصر، وكانت ترى أن يكون لها رأى فى تقرير طبيعة تنظيمها وكفاءة تشغيلها فى المستقبل، إلا أن تدهور العلاقة بين مصر والغرب انعكس على شركة قناة السويس، فقد اعترضت مصر على الانحياز الغربى الشديد لإسرائيل، واعترضت على التحركات الغربية لإقامة دفاع إقليمى فى الشرق الأوسط، وانعكس هذه الاعتراض المصرى فى منع بعض السفن من المرور فى القناة، واحتجت السفارة الأمريكية فى القاهرة فى يوليو 1956م على اشتراط توفير سفن الولايات المتحدة بعض البيانات كشرط لعبورها.
كان لاتجاه مصر للحصول على السلاح من الكتلة الشرقية، ونجاح عبد الناصر فى الحصول على أول شحنة من الأسلحة التشيكية فى أكتوبر 1955م صداه الكبير فى الغرب، انعكس ذلك فى رفض البنك الدولى تمويل مشروع السد العالى؛ حيث سحب البنك عرضه بتمويل المشروع؛ فلم تجد مصر بُدا من الرد على هذا القرار، فأعلن الرئيس عبد الناصر فى خطاب ألقاه فى 26 يوليو 1956م تأميم الشركة العالمية البحرية لقناة السويس، التى وصفها بأنها (شركة نصب) اغتصبت حقوق المصريين، وأكد أن التاريخ لن يعيد نفسه، وأن يوجين بلاك رئيس البنك الدولى لن يلعب نفس الدور الذى لعبه ديلسيبس، وأن مصر سوف تبنى السد العالى؛ لذلك ستقوم بتحصيل الدخل السنوى للقناة والذى يقدر بمائة مليون دولار.
وكان الرئيس عبد الناصر قد كلف شخصا كان يوليه ثقة خاصة وهو زميله فى هيئة الأركان قبل الثورة محمود يونس بالاستيلاء على شركة قناة السويس وكان عليه إعداد كل شىء انتظارا لخطاب الرئيس فى ليلة 26 يوليو، وكانت كلمة السر فى خطاب الرئيس هى ذكر كلمة ديليسبس وكان متفقا عليه إن محمود يونس عندما يسمع هذه الكلمة يبدأ ومعاونوه التحرك ويبدو أن الزعيم كان متخوفا من أن تمر الكلمة دون أن يفطن الرجل لها فرددها خلال الخطاب 16 مرة وتحرك محمود يونس ومن معه بعد سماع هذه الكلمة وكان قائد المنطقة الشرقية قد وضع نفسه تحت إمرة محمود يونس بناء على أمر الرئيس، واستوليا على مقر الشركة وقد أكد محمود يونس فى مذكراته انه اخذ قليلا من الرجال لأنه كان يرى أن السرية هى العامل الأكثر أهمية الكفيل بنجاح هذه العملية، وذكر أيضا انه لم يكن يعلم من معاونيه بحقيقة المهمة غير ثلاثة أفراد، والباقون قيل لهم ان لديهم عملية سرية لا يمكن أن يسألوا خلالها عن أى تفصيلات وما أن انتهى الرئيس عبد الناصر من خطابه حتى كانت شركة قناة السويس تحت السيطرة المصرية وقد ذكر الرئيس عبد الناصر فى وقت لاحق كيف أن العملية تمت بسهولة قائلا: لم اعرف شيئا مر بهدوء كما مرت هذه العملية فما أن فرغت من إلقاء خطابى حتى كانت العملية كلها قد نفذت.
وفى اليوم التالى للتأميم أعلنت كل من بريطانيا وفرنسا رفضهما الاعتراف بتأميم القناة، وأعلنتا أنهما ستتخذان جميع التدابير اللازمة لسلامة رعاياهما وحماية مصالحهما، وقامت بعد بريطانيا بتجميد ارصدتها فى مصر، وأقدمت فرنسا والولايات المتحدة على إجراءات مشابهة.
ثم اجتمع بعد ذلك وزراء خارجية الدول الثلاث فى لندن وأصدروا بيانًا عارضوا فيه قرار التأميم، وقالوا إن القناة كانت لها دائمًا صفة دولية، وأنه يجب لهذا الغرض ضمان دوليتها بصفة مستديمة، واقترحوا عقد مؤتمر دولى للدول الموقعة على معاهدة الأستانة والدول الأخرى، وفى الوقت ذاته قامت حكومتا بريطانيا وفرنسا بعدد من الإجراءات العسكرية مثل دعوة الاحتياط، وتحركت قواتهما إلى شرقى البحر المتوسط.
ورفضت مصر حضور مؤتمر لندن واعتبرته القاهرة تدخلاً فى شئونها الداخلية، وأبدى الاتحاد السوفيتى تأييدًا كاملاً للموقف المصرى خاصة بعد تعهد مصر باحترام حرية الملاحة فى القناة، وبدفع تعويض لحملة الأسهم.
وعرضت مشكلة القناة على مجلس الأمن الدولى الذى اعتمد قرارًا لتسوية المشكلة، واشترط له ستة بنود، منها ضمان حرية الملاحة، واحترام سيادة مصر، وضرورة أن تبتعد إدارة القناة عن سياسة أى دولة، وصرحت وزيرة الخارجية الإسرائيلية جولد مائير أنها لن تقبل بأى صياغة عامة للملاحة فى القناة لا تذكر إسرائيل صراحة.
وتطورت الأحداث سريعًا وزادت شراسة المعركة الدبلوماسية التى تكتل فيها الغرب بقيادة الولايات المتحدة لمشاركة مصر فى حقها المشروع فى إدارة القناة، وفى هذه المرحلة تلاقت وافترقت كثير من خطط ونوايا الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وكانت المعركة فى حقيقتها معركة إرادات سياسية يحاول كل طرف فيها إملاء إرادته على الطرف الآخر، إلا أن قدرة مصر على الصمود أعطى لها ثقلاً فى العملية التفاوضية.
وكانت الولايات المتحدة تعلم أن التحرك الدولى لبريطانيا وفرنسا ليس إلا مجرد غطاء للتحرك لتوجيه ضربة عسكرية لمصر بالاتفاق مع إسرائيل، والذى بلغ ذروته بالعدوان الثلاثى على الحدود المصرية فى (29 أكتوبر 1956م)، الذى فشل بسبب الموقف الأمريكى المعارض له، والموقف السوفيتى المؤيد لمصر الذى هدد بضرب لندن وباريس بالصواريخ، وهو الموقف الذى وقفت حياله الولايات المتحدة صامتة، فلم تستطع بريطانيا وفرنسا تنفيذ مخططهما لاستعادة السيطرة على القناة، فانسحبتا من المنطقة، وتمت إعادة فتح القناة مارس 1957م) تحت إدارة مصرية، وكان من نتائج ذلك تقوية المركز السياسى للنظام المصرى ولعبد الناصر، واستعادة إسرائيل حرية الملاحة فى مضيق تيران، وحصلت بريطانيا وفرنسا على تعويضات مالية لحملة أسهم القناة.
فقد كانت الشركة الأجنبية لإدارة القناة قبل التأميم بمثابة دولة داخل الدولة لا تعمل لصالح مصر.. كانت نسبة المصريين العاملين بها عند التأميم 28٪ فقط والباقى أجانب.. ولم يكن فـى نية الإنجليز أو الفرنسيين إعادة القناة لمصر، بل كانوا يخططون لمد فترة الامتياز وإذا أخفقوا خططوا لتخريب القناة قبل تسليمها.. ولذلك كان رد فعلهم على قرار التأميم فـى منتهى العدوانية ودبروا المؤامرات وخاضوا حربا لاستعادتها تمثل فـى العدوان الثلاثى على مصر فـى محاولة من الشركة والدول المؤيدة لها لاستعادة القناة مرة أخرى، لكنهم فشلوا فـى تحقيق ذلك، نعم كان القرار يتضمن نسبة مخاطرة عالية ولكن كل الأعمال العظيمة والمصيرية لابد أن تتضمن نوعاً من المخاطرة، إن قرار التأميم هو قرار استراتيجى أعاد لمصر حقها المسلوب، ومنذ اللحظة الأولى للتأميم نجحت العقول والسواعد المصرية فـى إدارة القناة والتغلب على التحديات والمؤامرات وأولها مؤامرة انسحاب المرشدين الأجانب، ونجحت الإدارة الوطنية خلال الـ 55 سنة الماضية منذ تأميم القناة حتى الآن فـى مواجهة كل التحديات والانتصار على كل الصعاب والحفاظ على قناتنا رمزا للخير والنماء.
فمنذ افتتاح القناة فـى 17 نوفمبر 1869، وحتى تأميمها فـى 26 يوليو 1956.. بلغ إجمالى دخل القناة 542 مليون جنيه فقط، كان نصيب مصر منها لا يزيد على 87 مليون جنيه.
وخلال 87 سنة قبل التأميم أنفقت شركة قناة السويس على تطويرها حوالى 20 مليون جنيه.
بينما أنفقت مصر على تطوير القناة فـى 55 سنة أكثر من مليارى جنيه، والآن ها هى إيرادات القناة تتجاوز الأربعة مليارات دولار وكلها تذهب إلى مصر ولا يستأثر بها الأجانب كما كان يحدث قبل التأميم.