الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الدكتور حسين حمودة: ما كتبت وما لم أكتب عن يحيى الطاهر




كتبت عن يحيى الطاهر عبد الله ما كتبت ولم أكتب بعد ما لم أكتب!
كان من أوائل ما كتبته (عام 1979، وكنت بالسنة الرابعة بالجامعة) مقالة هى «قراءة شعبية» فى إحدى قصصه، حاولت فيها أن أتناول جماليات الحكى الشعبى، أو الفولكلورى، فى قصته «حكاية الصعيدى الذى هدّه التعب فنام تحت حائط الجامع القديم». نشرتها بعد حوالى عام أو أكثر فى مجلة «خطوة» التى كانت تطبع بالماستر. وبعد ذلك كتبت كتابا عن أعمال يحيى الطاهر (كان فى أصله رسالة جامعية)، صدر بعنوان: (شجو الطائر .. شدو السرب)، منطلقا من السؤال، ومن محاولة الإجابة عنه: كيف يمكن أن يتلاقى الإبداع الفردى والإبداع الجمعى، وهما السؤال والإجابة معا كانا عمودين شيّد عليها يحيى الطاهر، فيما أتصور، مجمل تجربته الإبداعية.
فى الفصل الأول من هذا الكتاب (بنية التناقض والتضاد: ثنائية القرية والمدينة) توقفت عند مجموعة يحيى الطاهر القصصية الأولى (ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالا)، وحللت قصصها التى تتوزع تناولاتها فيما بين عالمى القرية والمدينة.
وفى الفصل الثانى (بنية التعدد والتراكب: اكتشاف الجماعة المغمورة)، تناولت مجموعة (الدف والصندوق) ورواية (الطوق والأسورة)، مستكشفا الصلات والروابط التى تصل بينهما، ومناقشا قضية التداخل بين الشكلين القصصى والروائى، ومتوقفا عند ظاهرة «وحدة العالم» فى بعض أعمال يحيى الطاهر، ثم محللا صياغات العناصر الفنية؛ وكيف انطلقت هذه الصياغات من عالم خاص، متعدد المستويات، مرتبط بجماعة بعينها، منفيّة ومهمّشة، تنتمى إلى جنوب مصر أو إلى صعيدها.
وفى الفصل الثالث (البنية التعبيرية الغنائية) تناولت قصص مجموعة (أنا وهى وزهور العالم)، التى صاغها يحيى الطاهر بنزوع تعبيرى، غنائى، شعرى، يتصل بتجارب الشخصيات المستوحدة، المغتربة فى عالم المدينة.
وفى الفصل الرابع (بنية المراوحة بين القصة والحكاية الشعبية: رحلة الصعود والسقوط) توقفت عند مجموعة يحيى الطاهر (حكايات للأمير) وقصته الطويلة (حكاية على لسان كلب)، وتقصيت فيهما ما يمكن أن يكون «تسجيلا» قصصيا لملامح فترة زمنية مرجعية بعينها من تاريخ مصر (هى فترة السبعينيات من القرن الماضى، التى شهدت ما شهدت) من جهة، وما يرتبط بتمثّل جماليات الحكاية الشعبية التى لا تنتمى إلى فترة محددة، من جهة أخرى. ورصدت بشكل مفصّل، فى هذين العملين، العناصر والملامح الجمالية الفولكلورية، وقيام البناء الفنى فيهما على ما يوازى بناء الحكاية الشعبية الذى يحتفى بتجسيد «مغزى» أخلاقى ما، نهائى وأخير.
وفى الفصل الخامس (البنية الاحتفالية) تناولت نص يحيى الطاهر (الحقائق القديمة صالحة لإثارة الدهشة، وروايته (تصاوير من التراب والماء والشمس)، وقيام كل منهما على صياغة فنية «احتفالية»، مرتبطة بجماليات «الكرنفال» الذى تحول من ممارسة اجتماعية، شعبية، إلى تقاليد فنية أدبية.
وفى الفصل السادس (بنية التجريد والاختزال: العودة إلى الرحم) توقفت عند مجموعة يحيى الطاهر (الرقصة المباحة) التى تضمنت بعض قصصه الأخيرة، والتى قام أغلبها على نوع من التجريد والاختزال، وعلى ما يشبه «النزوع البدائى الأوّلى» الذى يتناول الإنسان فى لحظات بعينها تنأى به عما قطعه من شوط فى سبيل التحضر، وكيف تمثل التجارب الأولى، والمشاعر والمخاوف، عماد هذه القصص التى ترتبط بشخصيات غائمة الملامح، تجريدية، شبحية، ترتد إلى الإنسان الأول فى مواجهة الطبيعة.
وفى الفصل السابع، الأخير، (عالم يحيى الطاهر: مرتكزات وثوابت)، حاولت أن أبلور أولا بعض «التيمات» و»الصور» الأساسية فى عالم يحيى الطاهر، وأن أستكشف ثانيا «أسطورة الكاتب» القارة الثابتة فى أعماله جميعا، على تعدد عوالمها. فى الوجهة الأولى رصدت عددا من التناولات القصصية والروائية المتكررة فى عالم يحيى الطاهر، على مستوى الوقائع والشخصيات والمواقف، وفى الوجهة الثانية توقفت عند تصور بعينه، كامن فى أعمال يحيى الطاهر كلها تقريبا، يرى العالم المعاصر، بكل تعقيداته ومستحدثاته وأشكاله، فى صورة «غابة» تجمع بداخلها البشر والحيوانات والطيور وعناصر الطبيعة ومفرداتها، وهذه الصورة التى تتجسد بموازاة العالم الإنسانى تتردد خلال أعمال يحيى الطاهر رغم كل تنوعها ورغم امتدادها الزمنى.
على كل ما كتبته عن أعمال يحيى الطاهر، فإننى عندما أعيد قراءة بعضها الآن، أشعر أنها تستحق أن أعيد الكتابة عنها مرة أخرى!