الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صحفيـًا أبدع رواياته على صوت ماكينات الطباعة




كتبت - ابتهال مخلوف
من الطبيعى أن الروائى الذى يعمل فى مهنة الصحافة، تطغى حرفة الأدب على العمل الصحفى، لكن الروائى الكولومبى الراحل جابرييل جارسيا ماركيز استطاع أن يجمع بينهما فى انسجام وسلاسة لفترة طويلة من مشواره الإبداعى.
فقد اشتهر صاحب «الحب فى زمن الكوليرا» بكونه صحفيًا متمرسًا، كان له عمود ينتظره محبيه بعنوان «عمود جابو» وكان كاتبًا للريبورتاج الصحفى لامعًا، وأوجد ماركيز تضفيرة ساحرة بين مهنة الصحفى التى وظفها فى كتابة الروايات.
وعمل الروائى مراسلا صحفيا منذ خمسينيات القرن العشرين فى الصحف المحلية الصادرة بمسقط رأسه فى كولومبيا، قبل أن ينتقل إلى صحيفة الاسبكتادور الصادرة بالعاصمة بوجوتا، وقد اشتهر بطريقته الفريدة والخاصة فى نسج قصص خبرية من التفاصيل الدقيقة.
كما تولى ماركيز إدارة مجلة «جرافيكا» بفنزويلا، ومع انطلاق الثورة الكوبية التى كان من المعجبين بها، التحق بوكالة برنسا لاتينا فى هافانا، وبعدها انتقل إلى المكسيك حيث خاض تجارب إعلامية قبل أن ينكب على كتابة روايته الأشهر «مائة عام من العزلة».
فى حوار اجرته معه دورية «باريس ريفيو» الشهيرة المعنية بالأدب منذ سنوات سلط الصحفى بيتر ستون الضوء على ماركيز كصحفى وبدأ الحوار بسؤال عن شعوره حيال تسجيل المقابلة، فقال ماركيز أنه بمجرد شعور الفرد أن المقابلة يتم تسجيلها فإن إتجاهاته تتغير ويتخذ موقف دفاعى على الفور، ولكونه صحفيًا يفضل أن يجرى محادثة مطولة مع المصدر بدون تسجيل آية ملاحظات وعقب ذلك يتذكرها ويسترجع ما شعر به حيال موضع الحوار والضيف أو أن يسجل ملاحظات وبعد ذلك يتم ترجمتها ويؤكد أن عدم تسجيل الحوارات يجعله يتحدث بدون وعى وبطبيعته.
وعن أبرز المحطات المهمة فى عمله الصحفى تأتى القصة التى عملها عن بحار كان الناجى الوحيد من غرق سفينة وذكر ماركيز أنه لم يعتمد على اسلوب الأسئلة والأجوبة التقليدية، انما ترك البحار يروى المغامرة التى عاشها ثم عكف على كتابتها مستعيًنا بكلمات البحار وعباراته وتم نشرها على مدى اسبوعبن بتوقيع البحار ذاته ثم صدرت بعد ذلك فى رواية «أجمل غريق فى العالم»
وذكر الروائى أنه كان يهتم بتغطية مناطق الصراع فى البرتغال وكوبا وأنجولا وفيتنام فى فترات حاسمة من تاريخ تلك الدول، وأنه تمنى السفر إلى بولندا لكتابة تقارير صحفية عن الثورة العمالية فيها إبان ثمانينيات القرن الماضى لكنه أشار إلى أن البرد القارس فى أوروبا منعه.
وروى صاحب نوبل برنامج وواجبات عمله فى صحيفة «الإسبكتادور» الكولومبية قائلاً: “اعتدت كتابة 3 قصص خبرية على الأقل فى الأسبوع، وتقريرين أو مقالاتى رأى يوميًا وعروض لأفلام سينمائية، وعندما يحل الليل ويرحل الجميع من الجريدة اتخلف لكتابة رواياتى...عشقت صوت ماكينات الطباعة الذى يشبه أصوات المطر. وعندما تتوقف ويلف الصمت المكان من حولى اتوقف عن الكتابة.
وعن تأثير الصحافة على عمله الروائى، اعرب ماركيز عن اعتقاده ان التأثير بين المجالين هو علاقة تبادلية، فالكتابة الروائية ساعدت عمله الصحفى لأنها أضفت على أعماله الصحفية قيمة أدبية فيما جعلته الصحافة قريبًا من الواقع مما انعكس فى رواياته.