الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ثورة الاستحقاقات





د. حسين محمود
 

لم يكن هناك حل آخر إلا الثورة. ولكنها ليست مثل كل ثورة. عبث أن نبحث فى كتب التاريخ عن مثيل لها. ثورة مكتملة. ناضجة. واعية. شريفة. شابة. ثورة آخر موضة. صاغت أهدافها، وأعلنت مراميها وأطلقت العنان لكل ما هو حبيس مكبوت مقموع مقهور، فثار وهاج وماج، ليعلم التاريخ أن الدروس لا تنتهى أبدا.
علم السياسة هو، كما أفهمه، علم ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكومين. أى السلطة المعبرة عن القوى السياسية، والتى تعبر عن  الشعب التى تتألف منه هذه القوى. والثورة هى رفضاً الشعب للسلطة. أى أن الشعب يقول بصريح العبارة إن هذه السلطة لا تعبر عنه. وعندما يفعل الشعب هذا يحدث فراغ فى السلطة، ويبقى الشعب وحده، يحكم نفسه بنفسه، بقوانينه هو، قوانين الشارع لا الدولة.
ومن هنا فإن الحديث عن فواتير وعن استحقاقات هو حديث السلطة القديم. وعودة هيبة الدولة هى أيضا استرجاع لسلطة مرفوضة. وبرامج المرشحين لهذه الاستحقاقات تتحدث كلها عن بنود صناعة الاستبداد. لو أصبحت رئيسا للجمهورية سوف أعمل وأسوي. والفواتير القديمة يتم تسديدها علنا وعلى الملأ. والتسوية تقتضى أن يعود ما كان بعد جدولة الديون.
لو كانت الثورة قد أسقطت السلطة القديمة التى وصفتها عن حق وببلاغة فائقة بأنها النظام، فإن النهاية السعيدة الوحيدة لها هو تأسيس نظام جديد، يعبر عن السلطة الجديدة أى عن القوى الشعبية. وإعادة التأسيس تعنى إعادة كتابة الوثيقة التأسيسية، التى هى الدستور، والتى تهدف فى الأساس إلى بناء مؤسسات الدولة. وبناء مؤسسات الدولة الذى يتم حاليا يتجه بسرعة الصاروخ نحو بناء أفراد بعينهم، ويعتدى اعتداء صارخا على مفهوم المؤسسات. فهذا  يوزع أراضى وأموالا، ويوسع الآخر أقاليم الدولة، فيما يمكن  أنه نفهمه على أنه سير على نفس خط النظام القديم، نظام جمهورى يمنح ويمنع مثل النظام الملكى، ربما فقط سوف يختلف عن  نظام مبارك فى قضية التوريث، ولكنه يكاد يكرر معادلات الاستقرار الذى يعنى الأمن، وتصبح النقطة الفاصلة هي: هل نسمح للإخوان بالمشاركة أو المصالحة؟ بل وتصبح الرفاهية الاقتصادية من صناعة وزارة الداخلية غير القادرة على توفير الأمن لنفسها، والتى أفصحت  عن نواياها الحقيقية عندما فشلت فى تطبيق قانون التظاهر إلا على الثوار.  
إن البرنامج الوحيد المقبول بعد ثورة شعب لا تزال مستمرة هو حماية القيم العامة، قيم العدل والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص، ودعم مؤسسات الدولة حتى تؤدى دورها فى التعبير عن القوى الشعبية ومصالحها ورفاهيتها وسعادتها، وإلا فسوف يظل الشعب يحكم نفسه بنفسه بقوانين الشارع.  
أستاذ الأدب بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا