الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

صفحات مجهولة من كفاح الشعب الجزائرى




د. خالد عزب
 

كافح الشعب الجزائرى منذ احتلال فرنسا لأراضيه عام 1830 ميلادية كفاحاً شرساً، ولم يمر عام إلى العام 1962 ميلادية إلا وكافح هذا الشعب بصورة أو بأخرى ضد الاستعمار.
خاض الفرنسيون حربا شرسة لإخضاع التراب الجزائرى للسيادة الفرنسية، حتى أبادوا أكثر من مليونى شهيد خلال سنوات الاحتلال الأولى، باعتراف الجنرال برنار وزير الحرب الفرنسى، فى شرحه للأسباب الموجبة لتشريع قانون 24 شباط فبراير 1833، الذى قال: «يجب أن ندخل فى الحساب كل شىء، حتى إبادة السكان المحليين، فلربما كان الحرق والهدم وتخريب الزراعة، الوسائل الوحيدة لتثبيت سيطرتنا».
كانت فرنسا تخطط لغزو الجزائر نظرا لميراث الحروب الصليبية الحروب الممتدة منذ سقوط مدينة غرناطة فى يد ملوك إسبانيا الصليبيين، فقامت حرب بحرية بين المسلمين والصليبيين، كانت الغلبة فيها للمسلمين حتى شكل القائد العثمانى الجزائرى خير الدين بربروسا الأعرج رعباً لأوروبا، فصاغت المخيلة حوله أساطير أوروبا.
هاجر إلى الجزائر العاصمة عدد كبير من الأندلسيين فارين من قسوة محاكم التفتيش أوالتهجير القسري، لذا فقد حمل سكان الجزائر مرارة شديدة تجاه أوروبا الصليبية التى خاضت حرباً شرسة على سواحل جنوب البحر المتوسط، جسد هذا كله الأديب الجزائرى واسينى لعرج فى روايته البيت الأندلسى، كما جسد كفاح وكرامة الأمير عبدالقادر الجزائرى فى مقاومته للاحتلال الفرنسى فى رواية الأمير عبدالقادر الجزائرى.
لذا فإن العودة إلى التاريخ الفرنسى تكشف أن فرنسا فى عهد نابليون بونابرت فى عام 1808 ميلادية أرسلت وفدًا علمياً لمسح الأراضى الجزائرية وإمكانيات الجزائر، فكتبوا وصفاً للجزائر يسهم فى التمهيد لاحتلالها واستنزافها وهو يذكرنا بكتاب وصف مصر، وكتاب وصف الجزائر للأسف الشديد لم يترجم إلى الآن إلى العربية.
الشعب الجزائرى شعب مقاوم لا يكف عن المقاومة، فمنذ احتلال الجزائر عام 1830 ميلادية إلى استقلالها عام 1862 ميلادية، هناك ثورات مستمرة منها ثورة 1864 ميلادية، وهى الثورة الثالثة بعد الاحتلال بدأت بزعامة «سى سليمان» الذى قاد حركة مقاومة من الجنوب نجحت، فتحرك لها الجنرال بوبريت، وفى الطريق كمن له الثوار وطوقوه بجنوده، ونشبت معركة حامية قضى فى نهايتها الثوار على جميع جنوده وضباط القوة الفرنسية وعلى رأسهم الجنرال بوبريت، وكان «سى سليمان» قد خف إلى حيث كان القائد الفرنسى يرقد غارقا فى دمائه ويلفظ أنفاسه الأخيرة، وقبيل أن تخمد أنفاسه إلى الأبد تمكن أن يطلق الرصاص على زعيم الثورة فاستشهد «سى سليمان» وخلفه فى القيادة شقيقه «سى الأزرق»، وكان لانتصار الثورة وفتكهم بجميع جنود القوة الفرنسية التى كانت قد وجهت للقضاء عليهم، دويه الهائل فى كل من الجزائر وفرنسا، فجن جنون نابليون الثالث فأرسل قوة حربية استمرت لعشرين عاماً متواصلة فى معارك مع الثوار المسلحين بأسلحة قديمة، وبأخرى استولوا عليها من الجنود الفرنسيين، وفى نهاية هذه الثورة تمكنت المدفعية الفرنسية الثقيلة من إخماد الثورة الوطنية الجزائرية فى 1884 ميلادية.
ترك الجزائرييون بمقاومتهم وتمسكهم أثرا كبيرا فى الأدب الفرنسى، حتى كتب الشاعر الفرنسى الحر جاك دى بوا قصيدة شهيرة عن شمال إفريقيا يقول فيها:
باسمك يا شمال إفريقيا/ أى كل البلاد التى لا تقهر
لا البطش يا شمال أفريقيا/ ولا القواعد العسكرية
لا المدن التى نسفت فى وحشية/ ولا الدماء التى تسيل بلا توقف
كل هذا ياشمال إفريقيا/ لن تقتل فيك الاندفاع الحار