السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الأم تطلب الرحمة.. والابن يطلب العدل




كتب - صلاح نويرة

إذا غاب الضمير.. اختفى الإخلاص من جميع الأنشطة الحياتية.. سواء فى العمل أو الصداقة أو الحب.. أو أى نشاط إنساني.. ويطفوا الفساد.. وتظهر القسوة والإهمال واللا مبالاة.


 غياب ضمير الإنسان يصيبه بجفاف فى المشاعر.. وتنتزع الرحمة من قلبه.. فيتحول إلى كتلة صلبة من الجرانيت القاسي.. لا تلين ولا تهتز لمعاناة الآخرين ولا يلتفت إلى معاناتهم ومآسيهم.


 لم أكن أتصور ولا خطر ببالى أن تحدث مثل هذه المأساة المؤلمة من رجل مهنته الطب.. مهنة نطلق على من يعملون بها ملائكة الرحمة.. ولكن للأسف تحول ملاك الرحمة إلى ملاك للعذاب والألم وزاد من عذاب أم ولوعتها على فلذة كبدها.. وسد نوافذ الرحمة والأمل فى وجهها.


 والمأساة كما ترويها صاحبتها مايسة محمود صادق.. التى طرقت أبواب مكتبى فى «روزاليوسف» عسى أن تجد من يفتح لها بابا للأمل أو بريق ضوء فى نهاية النفق المظلم.


 تقول مايسة والدة محمد حسام والدموع تنهمر من عينيها وصوتها متحشرج يخرج من فمها بصعوبة بالغة من شدة الألم.


 أنا سيدة مطلقة ولا أملك من حطام هذه الدنيا سوى ابنى محمد حسام الذى يبلغ من العمر الآن 23 عاما وعلى الرغم من ضيق ذات اليد إلا أننى استطعت أن أجعله يكمل تعليمه حتى حصل على بكالوريوس سياحة وفنادق.. وفى يوم مشئوم من أواخر عام 2011 صدمت ابنى سيارة على طريق أكتوبر أمام الشيخ زايد وكان سائقها بلا ضمير ولاذ بالفرار تاركا ابنى محمد حسام غارقا فى دمائه ولم نستطع التوصل إلى السيارة أو صاحبها حتى يومنا هذا.


 ونظرا لتأخر نقل ابنى إلى المستشفى بسرعة.. كانت إصابته نتيجة هذا الحادث استئصال الفص الأمامى الأيسر من المخ لتفريغ النزيف.. مع وجود كسور بالعظام وتم عمل تثبيت خارجى لها وتشويه وفقدان العين اليسري.


 وحمدت الله للطفه فى قضائه.. ولكن حالة ابنى محمد لم تتوقف عند هذا الحد فبعد خروجه من المستشفى أصبح يصاب بحالات صرع وغير قادر على مغادرة الفراش بسبب حالات الاغماء المتكرر التى تصيبه.


 وقد انفقت كل ما أملك حتى أثاث شقتنا البسيط على علاج ابنى محمد.


 تقدمت بطلب للتأهيل المهنى لأضمن له حياة كريمة بعد «موتي».. وحتى يتم تعيينه فى أى جهة وفقا لتأهيله المهنى ضمن نسبة الخمسة فى المائة من أصحاب الاحتياجات الخاصة والاعاقات.


 وقام التأهيل المهنى مشكورا بتحويلى إلى قومسيون طبى الهرم.. حتى يتم تحديد نسبة العجز ونوعه ليتم تدريبه وفقا لحالته.


 فما كان من طبيب القومسيون الطبى الذى لم ير ابنى أو يقوم بتوقيع الكشف عليه واعطى تأشيرة على الأوراق تفيد أن ابنى محمد سليم ومعافى تماما وبكامل صحته ولياقته.


 حاولت أن اقنع الطبيب برؤية ابنى والاطلاع علي التحاليل والاشاعات والتقارير الطبية التى بحوزتي.. لكن الطبيب رفض بشدة قائلا: خلاص.


 تحولت حياتى إلى جحيم واسودت الدنيا فى عيني.. هل بهذه البساطة يتم ضياع مستقبل ابني.. مرة بسبب هروب قائد السيارة الذى صدمه وسبب له هذا العجز ولم يسعفه أو يستدعى الاسعاف.. ومرة أخرى بسبب اهمال الطبيب فى القومسيون الطبى الذى رفض الكشف على ابنى أو حتى الاطلاع على التحاليل والاشاعات والتقارير الطبية.


 وكتب فى تقريره أنه سليم واضاع عليه فرصة لتأهيله مهنيا وفقا لظروفه واعادة دمجه فى سوق العمل وأن أكون مطمئنة على ابنى إذا توفانى الأجل.


 للأسف مهما اصف لكم.. هكذا خرجت كلماتها مبللة بدموعها.. هذا الظلم الذى دفع ابنى ثمنه مرتين.. وأنا عاجزة عن عمل أى شيء له.. ومدى احساسى بالمرار والقهر.


 فتقدمت بشكوى فى مركز حقوق الإنسان برقم 817 لسنة 2014 ولم أجد رداً أو حتى سؤالا.


 فتقدمت بشكوى أخرى لمجلس الوزراء برقم 210033 ولم اتلق رداً أيضا فتوجهت إلى نقابة الأطباء لأقدم شكوى وتظلم من هذا الطبيب.. ولكنهم فى نقابة الأطباء طالبونى بدفع رسوم «مائة جنيه» لتقديم شكوى ضد الطبيب.. وللأسف أنا لا أملك هذا المبلغ على بساطته.


فعدت إلى التأهيل المهنى ثانية لإعادة عرض ابنى على  القومسيون الطبي.. ولكنهم رفضوا ماذا تفعل هذه الأم ولمن تذهب لتصون حياة ابنها بعد وفاتها.


 هل يستجيب رئيس الوزراء أو وزير الصحة أو حتى نقابة الأطباء أو التأهيل المهنى وإعادة عرض الحالة على القومسيون الطبى هل مازال لدينا بقية من ضمير أو إخلاق هل قست قلوبنا وتجردنا من إنسانيتنا.


 هل فقدنا الرحمة وضاعت معايير العدل أتمنى أن تكون الإجابة «لا» ويستجيب المسئولون.