الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

عزالدين نجيب: قواعد الحرية الحقيقية يضعها المبدع وليس الحاكم




حوار - سوزى شكرى
على مدار التاريخ قدر للمثقف والمبدع أن يسجن ويعتقل من قبل السلطات أو الجهات الأمنية لأنه يحمل افكارا تعارض استقرار السلطة، ولأنه مبدع لا أحد يمكنه أن يسجن إبداعه فهو سلاح يقاوم به سنوات الزنزانة، فبعد أربعين عاما على دخوله المعتقل لأول مرة اصدر الفنان والناقد التشكيلى عز الدين نجيب كتابه الجديد، بعنوان «رسوم الزنزانة» ضمن سلسلة إبداعات الثورة الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، الكتاب يضم رسوما رسمها فى زنازين القلعة وسجن الاستئناف وليمان طرة بين أعوام 1972 و1997، ويسرد فيها «نجيب» فترات اعتقاله ادبيه يصاحبها رسوما رسمها داخل الزنزانة، وكتبا عن حياته اليومية مع اصدقائه من المثقفين وعن كيفية القراءة فى السجن أو التسلية أو النوم على البرش..
تحاورنا مع عز الدين نجيب حول احداث اعتقالاته لثلاث مرات، وعن لماذا تأخر اصدار الكتاب كل هذه السنوات، وعن من يأمر باعتقال المثقفين، وعن نتائج الغياب الثقافى وقلة الفعاليات الرسمية، وعن اهم ملاحظاته عن الحركة الفنية التشكيلية، وكيفية علاج التطرف الفكرى والارهاب.

■ بعد 40 عاما من اعتقالك بين السبعينيات والتسعينيات افرجت عن هذه الرسوم، فلماذا تأخر هذا الإصدار؟
- لم تكن فكرة الكتاب واردة من البداية بسبب ان الرسوم التى ضمها الكتاب فقدت منى سنوات كثيرة وظننت إما انها سرقت منى وربما أكون انا اخفيتها فى مكان ما ولم اتذكر اين وضعتها؟ ظللت اسأل نفسى كثيرا اين هذه الرسوم؟ بسبب انى تناقلت من عدة اماكن، وانشغلت واندمجت فى صراعات كثيرة فى الحياة، فى تأسيس اتحاد الكتاب ونقابة الفنانين التشكيليين وفصلى من العمل بسبب فترة السجن، وقاموا بتدمير مرسمى حين كنت مدير قصر المسافرخانة مراسم الفنانين بوكالة الغورى، بدات اعبر عن فترة السجن فى لوحاتى الزيتية ومعارضى، انا اعتقلت ثلاث مرات.
الى أن عثرت على الرسوم عام 2008 فى مرسمى بالصدفة وجدت الورق مصفراً والرسوم متآكلة لكنها مازالت واضحة الملامح، وتذكرت أحداث كل رسمة، رسوم لكل من إبراهيم منصور وزين العابدين فؤاد ومحمد صالح والمخرج محمد كامل القليوبى وغيرهم، كتبت مقالة فى أخبار الأدب عن الزنزانة وطلب منى المقربون ان اكتب التفاصيل كاملة، بالكتاب 30 رسمة وبعض الرسوم فقد، توجد رسوم أخرى على لجدران رسمتها بطريقة الخربشة فى سجن القلعة، و التأخير فى الكتابة عن الاعتقالات افادنى فى قراءة الموقف بشكل آخر حتى أعلو فوق الوقائع المباشرة، وحتى لا تكون كتابتى تسجيلا للوقائع فقط، بل أرى الموقف برؤية اعمق، مثل فترة اضرابى عن الطعام 1972 لمدة 14 يوما نوع من الاستشهاد وهى كيفية ممارسة الضغط السياسى ومطلب إما الافراج او اعادة المحاكمة او الموت وصلنا الى اعادة المحاكمة وتقرر الافراج وكان معى فى السجن احمد فؤاد نجم، زين العابدين فؤاد، الشيخ امام وغيرهم من المثقفين، وقدمت الكتاب بالتتابع الزمنى ليس فقط للتسجيل بل كتبت للتعبير عن الحاله الإنسانية باسلوب ادبى.
■ ذكرت انه تم اعتقالك ثلاث مرات حدثنا عن اسباب اعتقالك فى كل اعتقال؟
- فى كل مرة كنت أدخل السجن أخرج اقوى مما كنت كان السبب الجوهرى فى الاعتقال هو حرية التعبير يعتبرونها معارضة للنظام يكتب لنا التهمة «تكدير النظام»، والاعتقال كان لوجود نوعية بالكتب معنا مثل كتب كارل ماركس،كتب الاشتراكية،وجيفارا، كتب عن الفكر اليسارى، اى شخص يثبت ان معه هذه النوعية من الكتب يتهم بالكفر وانه ضد النظام، وايضا كانت الاعتقالات تصفية حسابات او قرصة ودن.
 ففى الاعتقال الاول كنت فى الطريق الى مرسمى بالمسافرخانة فى يناير 1972 قبض علي على اعتبار انى من احد اعضاء اللجنة التى تشكلت من الفنانين والكتاب والمثقفين لدعوة انتفاضة طلبة الجامعات بتحرير الارض من الاحتلال الصهيونى فى ديسمبر 1971.
 والاعتقال الثانى كان فى يناير 1975 وكان هذا العام نطلق عليه موسم الاعتقالات كانت مظاهرات العمال بحلوان، ولم أكن طرفا فيها بل وجدت نفسى متهماً علمت ان اتهامى جاء لنضمامى لجمعية «جماعة الغد» وان هذه الجماعة وجهت لهم انهم يتخذون من الشيوعيين واجهة لتنظيم اليسار وعلمت ايضا ان الذى اتهمنى وزير الثقافة وقتها يوسف السباعى كان خصما لدودا لليسار لانهم لم يقتنعوا بكتاباته رغم انه كان يحمى بعضهم مثل الشاعر «امل دنقل» رفضت اى احتواء من اى طرف، بلغ عنى يوسف السباعى مباحث أمن الدولة.
 الاعتقال الثالث كان فى سبتمبر 1997 بتهمة توزيع منشورات تحرض الفلاحين ضد قانون 96 لعام 1992 الذى يحدد العلاقة بين المالك ومستأجر الارض الزراعية، الحبس كان ما بين اربعة شهور وستة شهور، فترة من عمرى عشتها فى سجون عهدين لحكم مصر، فترة حكم أنور السادات وفترة حكم حسنى مبارك كمعارض سياسى.
■ فى الجزء الثالث من كتابك كان تحت عنوان «من يأمر باعتقال المثقفين»؟ هل توصلت للإجابة عن سؤالك؟
- بالفعل سؤال أزلى ومحير، وجهت هذا السؤال الى المباحث عام 1997 بعد الافراج عنى فى الاعتقال الاخير، مباحث أمن الدولة أبلغتنى انهم ابرياء من قرار اعتقالى وانهم اوصوا بعدم اعتقالى مرة أخرى، وان ثمة جهة أخرى وراء اعتقالى، وتركوا لى علامات استفهام، لدرجة انى قولت لهم: «انا مستعد اتسجن مرة رابعة لو ابلغتونى من وراء اعتقالى»، يبدو ان السؤال سيظل مطروحا.
ولكن «من يأمر باعتقال المثقفين» هو ايضا عنوان مقالة كتبتها، حيث كان للمعارضة دور كبير، ووجدت المعارضة الحقيقية فكانت فى روزاليوسف منبرا لمعارضة نظام مبارك، اتصل بى رئيس تحرير مجلة روزاليوسف «عادل حمودة» بعد خروجى من السجن بساعات قليلة وطلب منى اكتب مقالة، وكتبت مقالة وكان هذا عنوانها «من يأمر باعتقال المثقفين» ونشرت المقالة كاملة بدون حذف كلمة، وكانت هذه مغامرة من مؤسسة صحفية قومية وحكومية يؤكد انها لا تخضع لنظام عارضت مبارك فى وجوده وليس بعد رحيله، هكذا عودتنا روزاليوسف.
 أهم اثنين فى روزاليوسف تم اعتقالهما هما الفنان التشكيلى حسن فؤاد اعتقل سياسيا عام 1959 وظل فى سجن المحاريق بالواحات الخارجة حتى عام 1964 وكانت لوحاته التى أبدعها هناك تعبر عن صور القهر والظلم فى السجن الذى لم يستطع أن يقهر ما بداخله من مبادئ وقيم، ايضا الفنان التشكيلى جمال كامل فقواعد الحرية الحقيقية يضعها المبدع وليس الحاكم.
■ قدمت لوزارة الثقافة تجربة القافلة الثقافية هل ترى اننا نحتاج اليوم لتطبيق نفس الفكرة لمعالجة التطرف الفكرى؟
- أثناء وجود الدكتور عماد ابو غازى وزير الثقافة فى فترة الاخوان استعان بكتابى «الصامتون تجارب فى الثقافة والديمقراطية بالريف المصرى» وهو عن تجربتى فى فترة عام 67، 1968، والصامتون هم الفلاحون والمواطنون والمهمشون المحرومون من الخدمات الثقافية والفكرية، القافلة كانت سيارة مجهزة تتطوف بالقرى تحمل الثقافة إلى الفلاحين.
وقرر «ابوغازى» ان يعيد تجربة القوافل الثقافية فى الريف، ولكن البيروقراطية قضت عليها، كنت قد أنشأت قصر ثقافة كفر الشيخ واطلقوا علىَّ زعيم الفلاحين، ولكن كنت زعيما ثقافيا، لان صوت القهر والجهل يعلو على صوت المعركة، الارهاب والتطرف الفكرى ظواهر سلبية خرجت لوجود فراغ ثقافى، وكل فراغ يبحث عن ما يملاؤه، فى غياب الثقافة والمثقفين تظهر ظواهر كثيرة إذا لم تعالج سوف ينتهى المجتمع،نحتاج لاقامة مشروع قومى يجمع الشعب المصرى، الثوار بيحاربوا الدولة المصرية بدل ما يحاربوا اسرائيل وهذا تناقض يدل على غياب الثقافة الحقيقة.
يجب تصحيح الوضع بوجود مشروع قومى يجمع الشعب المصرى مثل القضاء على الجهل، لابد من تعريف الهدف من التعلم، الجاهل فى بعض الاحيان يسأل لماذا اتعلم؟ ويفكر فى الرزق اكثر من العلم بسبب الفقر، إذا ربط التعليم بالرزق وهذا احد اسباب ارتباطى بالحرف التقليدية واعادة دور الفن فى المجتمع وكمكسب ورزق ووعى جمالى وتعلم.
■ كيف ترى الحركة الفنية التشكيلية فى آخر ثلاث سنوات، هل يمكن اعتبارها اعمالا ثورية؟
- مازال الوقت مبكرا لتحديد إن كانت الأعمال نضجت بعد الثورة، لان الرؤية فى بعض الامور مازالت ضبابية، السؤال الذى يشغل الاغلبية من الذى يحكم مصر؟ والفن ليس منعزلا بعد الثورة عن مصر، ومن اهم نتائج الثورة وهذا يعد تحولا ان الفنان لم يعد يميل الى التجريب الشخصى ليحظى بالجوائز الكبرى فى البيناليات فكان هذا آخر احلامه، بل اصبح ينتظر ان يعجب الشعب بأعماله إذا لمسته روح الثورة ولكن ينتظر المناخ العام للدولة حتى ينضج الفكر والفن، فى الستينيات ظهر تأثير ثورة يوليو وكان المشروع القومى واضحا ومحدداً، ذهب الفنان والمثقف الى السد العالى والى قناة السويس والى المصانع وبدأت الاعمال تتوازى مع مشروع الدولة القومى، انا متفاءل جدا كل المعارض متناسبة مع المرحلة الضبابية، ورأيت درجة من الحيرة فى اعماله لم يعد يرضيه حتى اعماله، كل فنان قدم معرضا خاصا فى هذه الفترة القاسية لابد ان نقدمة له الشكر مفيش بيع ومفيش اقتناء ومع ذلك أكمل مسيرته الفنية.
من ايجابيات الثورة المصرية عودة الموضوع الفنى عن « الحضارة المصرية » بدءاً من الجرافيتى وصولاً الى المعارض الخاصة التى اغلبها كلمة «مصر»، استرد الفنان ثقته فى هويته، والاستلهام من الحضارة وكان الخوف على الحضارة جعل الفنان يعود إليها وشعر انه مقصراً فى الاهتمام بالهوية الفنية، حين هوجمنا من قبل التيارات الاخوانية عودتنا الى التمسك بالجذور، حين كنت اتحدث فى ندواتى كثيرة قبل الثورة عن الأصالة والهوية المصرية والمعاصرة، هوجمت ان هذا التفكير مضى عهده، واليوم كل من كان ينظر الى العالمية بفكر العالمية، عاد الى الأصالة الفكرية والحضارة المصرية.