الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الحكومات تصنع الأزمات.. والمواطن يدفع الثمن




تحقيق ـ مصطفى عرام


بعد ثورتين، أصبح المواطن العادى يهتم بالموازنة العامة للدولة، خصوصا أن أهم مطالب الثورتين هو «العدالة الاجتماعية»، التى تعنى لكل مواطن الحق فى مجاله الوصول الى مستوى معيشى يلبى احتياجاته، ومن ثم فإنه يتابع تصريحات المسئولين عن حجم الموازنة، ورفع الدعم، وتضخم الأسعار، وكله ريبة وقلق، وهذا خلافا لتطلعه إلى مستوى خدمى جيد سواء فيما يخص الطاقة أو الصحة أو التعليم أو النقل. وما زاد من حجم القلق، الأرقام التى أعلنها وزير المالية هانى قدرى عن حجم العجز المتوقع للعام المالى المقبل، الذى سيصل إلى 350 مليار جنيه، التى يقع عبؤها فى النهاية على المواطن، لذا بادرنا باستطلاع آراء الخبراء التى جاءت صادمة للمواطن أكثر منها للحكومة.
يقول د. رشاد عبده الخبير الاقتصادى الدولى: أخطر ما يواجه المسئولين عند وضع الموازنة هى الموازنة نفسها، بمعنى فى العام الماضى بلغ عجز الموازنة 239.6 مليار، هذا العام متوقع أن تصل إلى 350 مليار جنيه، ما لم تكن هناك إصلاحات هيكلية أساسية قوية، وهذا كلام وزير المالية وأيضا كلام وزير التخطيط، هذه الإصلاحات المقترحة جزء منها إلغاء دعم الطاقة، خصوصا على المصانع كثيفة استهلاك الطاقة، وأيضا على البنزين، بمعنى الحكومة سترفع جزءا من الدعم، وهذا يعد كارثة، لأنه سيرفع التضخم إلى نسبة 20%، لكن يمكننا القول إن الحكومة الحالية ذكية، لأنها تقوم برفع الدعم بشكل تدريجى.
ومادام الإخوان مستمرين فى سياستهم الفوضوية ويشعلون الأجواء، فإن هذا يعطى رسالة سلبية للعالم الخارجى، وبالتالى تمتنع السياحة عن القدوم إلى مصر.
كذلك فإن من يدعون الثورية، عندما يصدر الرئيس قرارا بتحصين العقود الخاصة مع المستثمرين من الطعن عليها، ما عدا الاطراف المباشرة صاحبة الحق فى الطعن،  نجدهم خرجوا ليقولوا تعليقا على هذا القرار إنه يشجع الفساد وبه شبهات، فهؤلاء من مصلحتهم المباشرة اتخاذ مواقف متشددة، ليستمروا فى الظهور على الشاشات والفضائيات والجرائد ويظلوا نجوم مجتمع، ولا تهمهم مصر ولا مصلحتها، ومن ثم عندما تحدث قضايا تحكيم ضد الدولة لصالح المستثمرين، فإنهم يكسبونها بسهولة.  
إذن.. كيف سننطلق إلى الأمام، مادام أصحاب المصالح يقدمونها على مصلحة البلد، ويظهرون بمظهر من يحارب الفساد، فهل رئيس الجمهورية فاسد ليصدر مثل هذا القانون؟ هل مجلس الوزراء بالكامل الذى وافق على القانون فاسد؟ هل مصر كلها فاسدة؟ لو كان الأمر كذلك.. إذن فلا فرق وعليه العوض ومنه العوض.
الواضح أننا أدمنا الرجوع للخلف، كذلك، فإن عدم وجود ديمقراطية فى دولة ما، يؤدى إلى عدم وجود استثمارات، بسبب تخوف المستثمرين، فالديمقراطية ضمانة للاستثمار، وتخفيض التصنيف الائتمانى من قبل دولة يؤدى ايضا لهروب الاستثمارات، فكل أمور متصلة ببعضها.
وعن رفع الدعم عن الطاقة سواء ما يخص الغاز أو مصانع كثيفة استهلاك الطاقة، قال: هى ذات جدوى للحكومة، لانها توفر لها اموالا، لأنك كنت تورد تصدر الغاز بـ3 دولارات، العام الماضى ثم أصبح بـ4 دولارات هذا العام ثم أصبح بـ6 دولارات، وبالتالى الشركات التى تستخدم الغاز ضاعفت لها أسعار الطاقة، فبالتالى المنتج الخارج منها سيتضاعف سعره، والمواطن يعانى فى النهاية ثم تظهر المطالب الفئوية.  
فيما جاء قول د. هشام إبراهيم أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة متعاطفا مع المواطن: الحكومة لا تواجه تحديات، لأنها هى من يضع الموازنة، والمواطن هو من يتحمل تبعيتها، إذن فالتحديات ستواجه المواطن لا الحكومة، فهيكل الموازنة العامة الذى وضعته الحكومة الحالية ما زال نفس المنهج الذى كانت توضع به الموازنة العامة فى السنوات الماضية على مدار 30 أو 40 سنة، ومن ثم فلا فكر جديدا فى إعادة هيكلة الموازنة، خصوصا البنود الاساسية، فى الموازنة الجديدة نحن نتحدث عن إجمالى يبلغ نحو 800 مليار جنيه، الإيرادات فيها تبلغ نحو 550 مليارا، إذن العجز المتوقع نحو 350 مليارا، وهذا العجز هو تقريبا نفس معدل العجز فى الموازنة الذى حدث العام الماضى، ففى العام الماضى بلغ العجز 340 مليارا، وربما يقل هذا العام نظرا لوجود نحو 50 مليارا هى إجمالى المنح التى قدمت لمصر، بعد الثلاثين من يونيو.  
فالموازنة تنقسم إلى شقين: الإيرادات والنفقات، ونحن لدينا مشكلة فى الجانبين، ففى الإيرادات تتمثل فى أن الجزء الاكبر دائما يأتى من الحصيلة الضريبية، أى أننا تقريبا نتحدث عن ثلثى الموازنة العامة، وما لم تحدث إعادة هيكلة للمنظومة الضريبية فى مصر، ستبقى الأزمة كما هى، فالحكومة كانت رافضة ومازالت، ونحن نطالب بتعديل الهيكل الضريبى حتى يتفق مع ما تم النص عليه فى دستور 2014، رغم أنه توجد شرائح لا يمكن القول بأنها فى إطار المنظومة التصاعدية أو حتى تحقق العدالة الاجتماعية، فأن يكون الحد الأقصى للضريبة 25% فقط غير كاف، لأننا رأينا فى دول العالم نسبا أعلى، وصلت إلى 30% و35%  وحتى 55%، فما لم يتم تعديلها لتصبح تصاعدية بما يحقق هدف ثورتى يناير و30 يونيو وهو العدالة الاجتماعية، فلا أمل يرجى من الموازنة العامة.  
الجانب الآخر فى الإيرادات يتعلق بطريقة إدارة مؤسسات الدولة، سواء الهيئات الاقتصادية أو شركات قطاع الأعمال العام، والشركات القابضة، فهذه كلها ثروات كامنة تنهب، فلو كانت الأجهزة الرقابية غير قادرة على مواجهة الفساد المستشرى بها، فيمكننا القوى عدم كفاء إدارة هذه المؤسسات، وبالطبع هذه المؤسسات تدخل معها إيرادات قناة السويس وموارد أخرى تمثل الثلث المتبقى من موارد الدولة، لكن التركيز على هذه المؤسسات الاقتصادية هو لأنها يمكنها تحقيق موارد اقتصادية أعلى.  
أما عن النفقات، فإن الجزء الأكبر الذى يلتهم موازنة الدولة هو تكلفة تمويل الدين العام، فنحن ندور فى حلقة مفرغة، فكلما زاد عجز الموازنة، زاد حجم الدين العام، ومن ثم زادت تكلفة خدمة هذا الدين (الفوائد)، وبالتالى فإن نقطة البداية فى وضع الموازنة هى ألا تكون نسبة الدين العام أو العجز فى الموازنة بهذا الشكل، إذا.. فانعكاس بند تكلفة ارتفاع خدمة الدين فى الموازنة الذى يمثل نحو 25 % من الموازنة بما يعادل نحو 202 مليار جنيه، ينعكس على المواطن.
مثلا.. المنفق على الصحة 51 مليارا، منها 75% رواتب وأجور، إذن صافى ما ينفق على العملية الصحية نفسها لا يصل إلى 15 مليارا تنفق على المصريين جميعا فى ظل الأوبئة والأمراض ذات التكلفة العلاجية العالية مثل امراض الكبد والكلى وفيروس سى والإيدز، أما التعليم، فموازنته تقدر بـ108 مليارات تقريبا، نسبة الرواتب والأجور منه نحو 85%، بمعنى أن لدينا أقل من 15 مليار جنيه تنفق على العملية التعليمية نفسها.  
وفيما يخص البنود الأخرى، مثل الدعم الذى يلتهم فى الموازنة الجديدة نسبة تقدر بـثلث الموازنة أى 250 مليارا، التى تعادل تقريبا نفس نسبة العجز، منها 180 مليارا دعم الطاقة الذى يمثل مشكلة للحكومة منذ ثلاث سنوات، وتحاول رفعه، فالأمر لا يقتصر على دعم البنزين فقط، بل أيضا دعم المصانع والشركات، إلى جانب الإهدار فى الطاقة على مستوى الدولة، فالدولة تهدر فى الطاقة أكثر مما يهدره المواطن فى منزله، مثل محطات الكهرباء التى تهدر ثلاثة أضعاف ما تستهلكه، نتيجة لعدم الإنفاق على إصلاح هذه المحطات وتحديثها، وصيانتها على مدار 20 عاما، وهذا أحد بنود الدعم التى تهدر، البند الآخر هو الخاص بتكلفة خدمة الدين، والثالث المتعلق بالأجور يتكلف نحو 200 مليار، فى النهاية نجد ان المتبقى بما يشمله من تعليم وصحة هو فى حدود الـ200مليار جنيه، ليبقى فى النهاية نحو 50 مليارا فقط من أجل إدارة هذه الدولة.
ولما كانت الموازنة دائما تحيلنا إلى الحديث عن الطاقة، فقد علق د. هشام على قرارى الحكومة العام الماضى فيما يتعلق برفع الدعم عن الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة، ورفع الدعم عن الغاز العام الحالى قائلا: يجب أولا الفصل بين القرارين، ففيما يخص رفع الدعم عن الصناعات كثيف الاستخدام فهو قرار صائب، لكن تنفيذه لا يصح أن يقتصر على مجرد صدور القرار، لأنه لا بد عند تنفيذ هذه القرارات من سياسات تجارية منضبطة، وهيئات رقابية تستطيع ضبط إيقاع السوق، حتى لا ترتفع الأسعار على المواطن، لأنه من قبل صدور هذه القرارات هناك بالفعل سياسات احتكارية فى هذه الصناعات، وكانت هناك قضايا مرفوعة على 20 شركة أسمنت، وتم تغريمها 20 مليون جنيه ومع ذلك الاحتكار مستمر.
أما فيما يتعلق بالقرار الثانى الخاص برفع سعر الغاز فى المنازل، فأقول «أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب»، فما يجب أن يقال هنا هو ما يتعلق بالشرائح التى تم وضعها، فبدلا من وجود شريحتين أصبحت ثلاث شرائح، ولماذا لا تكون أربع أو خمس شرائح، فلو أن هناك جدية فى أمر العدالة الاجتماعية فيجب زيادة عدد الشرائح، الامر الاخر هو رفع سعر الشريحة من 10 قروش إلى 40 قرشا للمتر مكعب، أى ثلاثة اضعاف فى لحظة واحدة، إذا لا توجد سياسات اقتصادية تبيح رفع سعر سلعة ثلاثة أضعاف مرة واحدة، فكان لابد من جدولتها مرحليا، خصوصا فيما يتعلق بالشرائح الدنيا أصحاب الفواتير التى تقدر بـ 5 أو6 جنيهات.  
تقول د. هناء خير الدين أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية: إذا كان الأمر يتعلق فى الموازنة برفع الدعم عن المواد البترولية، فإنها بالطبع ستزيد الأعباء على المواطن، لكن واقع الأمر أن القادر على الدفع فليدفع ولا يحصل على دعم، لأن البترول ومنتجاته معظمها يذهب إلى الشركات كثيفة استخدام الطاقة، أو القادرين على الدفع، لكن بشرط ألا تنتقل هذه الأعباء بالتبعية إلى المواطن وتثقل كاهله، فمثلا الأسمنت، الشركات المنتجة حققت أرباحا بمعدلات مرتفعة جدا، لكن المفروض عدم وضع هذه الأعباء على الأسعار التى يحصل بها المواطن على السلعة، بل تخصم من أرباح الشركات، فهذا هو التكافل المطلوب. لكن فى ظل عدم وجود رقابة وعدم معرفة التكلفة المعيارية، فبمجرد رفع سعر تكلفة المواد البترولية، فإن الشركات سترفع سعر المنتج، فواجب الحكومة هنا الرقابة حتى لا يضار المواطن.  
المشكلة الرئيسية فى الموازنة دائما التى تسبب عجزا هى التكلفة المرتفعة للرواتب والأجور، فالدولة أقرت حدا أدنى للأجور، لكن ما المقابل، فالإنتاجية للأفراد حاليا منخفضة جدا، فرغم أن حد 1200 لا يكفى للمعيشة، لكن فى المقابل الأسعار مرتفعة جدا، وأيضا إنتاجية هؤلاء العمال منخفضة جدا، لا ترقى إلى هذا الراتب، فالعجز ناتج عن أمور تعتبرها الحكومات حتميات، هى الحد الأدنى للأجور والدعم، وفوائد خدمة الدين العام، وتصرح دائما أنها لا تستطيع أن تمسها، إذن فما الحل؟ يجب اتخاذ قرارات شجاعة.
وعن تحديد الأسعار قالت: فليحددوها كما يشاءون، هم بالأساس غير قادرين على مراقبتها، لأن الحكومة لم تظهر كفاءة فى الرقابة على الأسعار، أبسط مثل الآن هو أنبوبة البوتاجاز، تصل إلى المواطن بأسعار غير منطقية، تبلغ 25 و30 جنيها فى المعتاد، إذن الأفراد والمسئولون يسيئون استخدام مواقعهم، والحكومة فشلت فى السيطرة على الأسعار.  
بينما يلتمس د. فياض عبد المنعم أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر وزير المالية الأسبق العذر للحكومة، قائلا: الموازنة بالطبع لها تحديات، والحكومة تواجهها عند وضعها، لأن لديها نفقات حتمية، وهذه النفقات لا تقابلها إيرادات كافية، ما يقتضى وجود عجز متفاقم ومتزايد، فلن تجد الحكومة إزاءه إلا أن تتعامل مع هذا الواقع، وسط اختيارات وبدائل محدودة.  
فمن النفقات الحتمية الاجور التى تزيد بنسبة سنوية، والدعم الكبير وماذا سنفعل فيه،  أعباء الدين العام الكبير والمتضخم، إضافة الى محدودية الموارد، التى تكاد تقتصر على الضرائب، اما ايرادات الدولة من املاكها سواء من القطاع العام او الخاص.. فمحدودة، وبالتالى يبقى الالتجاه الى القروض المؤذية والمكلفة، فأى مسئول قائم على إعداد الموازنة العامة لمصر حاليا فى هذه الظروف، هو بالفعل فى أزمة، والمواطن هو الآخر ينتظر تحقيق احتياجاته عن طريق الموازنة، خصوصًا الفقير ومحدود الدخل، ومن ثم فالأمر يتطلب الاتفاق على استراتيجية، وهذا ما طالبنا به كثيرا، نضع فيها تصورا للاقتصاد المصرى خلال فترة زمنية طويلة، ثم يتم اعتماد هذه الرؤية، وصياغة سياسات لتحقيق هذه الاستراتيجية عبر خطط متوسطة وطويلة وقصيرة الأجل، وأن يكون هناك فهم وتفهم، بأننا نريد للاقتصاد المصرى أن يصبح ذا وزن وثقل عالمى، وهذا ينطلق من نقطة أساسية هى ماذا ننتج، فلابد لنا من الإنتاج، سواء قطاعات عامة أو خاصة، حتى يكون لدينا منتج مصرى محترم،  سواء فى الاسواق الوطنية، وينافس بكفاءة فى الاسواق العالمية، فبغير هذا لن تحل مشاكل مصر، لأن الإنتاج الكفء يستطيع تحمل الأعباء العامة للموازنة، فأنت تستطيع أن تفرض ضرائب على منتج، فتصبح لديك حصيلة ضريبية عالية، عندها تستجيب الموازنة لاحتياجات المواطنين.
انظر مثلا الى دول شمال أوروبا، فهذه الدول تقدم للمواطن خدمات اجتماعية عالية جدا سواء وسائل نقل بأسعار منخفضة، أو صحية متميزة أو تعليم، فهذا نتاج لمعدلات ضريبية عالية ناتجة عن وجود شعب منتج، الإنتاج ثم الانتاج ثم الانتاج.
أخيرا فاجأنا د. محمد على الباحث فى كلية الاقتصاد ـ جامعة القاهرة: أسوأ أنواع الموازنات فى العالم هى التى تتبعها مصر وهى موازنة البنود، وطالما نتحدث عن موازنة البنود، فإننا لا نتفاءل خيرا بأى موازنة تضعها الحكومة، فمن المعروف أن كل جنيه تنفقه الحكومة، يصل إلى المواطن منه نحو 40 أو 45 قرشا، إذا هناك هدر يقدر بنحو ستين قرشا! وبما اننا لا نملك أهدافا ولا برامج، وليس لدينا مقاييس نقيم بها النتائج، فإن ملامح هذا الموازنة أيا كانت (حتى ولو كان بها تخفيض للدعم أو شرائح متعددة لبعض السلع الخدمية) تظل غير ذات جدوى.  
خصوصا أن نظام عمل الموازنة فى مصر يعتمد على شقين، الاول ان وزارة التخطيط تعد الباب السادس للموازنة، ووزارة المالية تعد الباب الاول الخاص بالأجور، فالموازنة من الأصل مقسمة إلى نصفين بين وزارتين.
هذا جانب، أما الجانب الآخر، فهو أن لدينا العديد من الموازنات التى لا نستخدمها، فهناك الموازنة الصفرية، وموازنة الأهداف، وموازنات أخرى تستخدمها الدول المتقدمة منذ الثمانينيات والتسعينيات، لكننا نصر على موازنة البنود، ففى ظل الظروف الحالية التى تعيشها مصر نضع موازنات تقليدية،  تزيد من الهدر، وكل عام نضع نفس المخصصات المالية ثم نضيف لها مثلا نسبة 10% وتصبح هذه هى موازنة العام الجديد، وهذا أسلوب عفى عليه الزمن.
فحتى فى الدول النامية تخلصوا من هذا الاسلوب، لك أن تنظر إلى الموظفين المتكدسين فى وزارة التخطيط أو المالية القائمين على إعداد الموازنة، ستجده أمرا لا يليق بمصر ولا اسمها ولا سمعتها ولا مكانتها ولا حتى علمائها، ففى كلية السياسة والاقتصاد يوجد قسم إدارة عامة متخصص فى المالية العامة، تحصل دول العالم على استشارات من أساتذته، ولهم فى هذا القسم اتصال بالمؤسسات البحثية فى الخارج والمنظمات الدولية ذات الاختصاص بتطوير الموازنات الحكومية فى العالم كله، مثل خبراء البنك الدولى، وهم مطلعون على اساليب الادارة فى العالم بشكل عملى وتطبيقى، فهم أكاديميون واستشاريون يجمعون بين الجانب العملى والاكاديمي، يمكننا بهم أن نرتقى ونتخلص من الاسلوب التقليديى فى وضع الموازنات التى تهدر اموال الدولة والمواطن.
هذا افضل من الحديث عن ملامح الموازنة، فلا يوجد افضل من الاساس العلمى، فالمؤسسات الدولية تدفعنا الى هذا الامر وتحاول مساعدتنا فيه، فقط نحن بحاجة الى عزيمة، فلو وضعنا لوزارة الصحة موازنة تقدر بـ100 مليون جنيه، فى موازنة البنود ليس من حقك محاسبة الوزير او المسئول فى اى باب أُنفقت هذه الموازنة، وفى الوقت نفسه عليك أن تنفق الـ100 مليون جنيه قبل انتهاء العام المالى، ولو انفق منها 90 مليونا فقط، ففى موازنة العام التالى لن يحصل على 100 مليون بل 90 فقط، وبالتالى ظهرت لدينا ظاهرة انه بحلول شهر يونيو، فإن الجميع يسرع لإنفاق ما تبقى لديه من موازنة، حتى لا تقل مخصصات العام المالى الجديد عن سابقه، اما فى الموازنات الاخرى، فإنك تخضع للبرنامج المطلوب منك تنفيذه، مثل مكافحة مرض محدد، عبر برنامج يضمن تخفيضه بنسبة محددة، يحصل بناء عليه على المخصصات المالية، بشرط تحقيق الهدف، على أن تكون هناك جهة مستقلة أو رقابية، سواء حكومية او دولية او من المجتمع الدولى لتقيم  تحقيق الهدف،هذا ما يجب أن يحدث.