الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أشرف العشماوى: ساقى الخمر مثل السياسى صاحب الوعود الزائفة




حوار- سوزى شكرى

يفضل ان يقدم نفسه للجمهور كروائى وليس قاضيًا، ولأنه قاض دائما ما يسأل عن مصادر رواياته، بدأ مشواره الادبى منذ عام 2007، تأخر فى نشر أعماله الأدبية بسبب عمله كقاض.. نصحه المستشار ماهر عبد الواحد النائب العام حين علم أنه سوف يصدر رواية بأن يترك هذا العبث والهراء ليركز فى القضاء، بينما الكاتب انيس منصور اعجب بأعماله بنصيحة بأن  يصرف نظر عن العمل بالقضاء، وان الأدب موهبة والقضاء تعلم، وعمل بنصحية انيس منصور اقتحم الرواية من منصة القضاء، من أعماله رواية «تويا» ورواية «المرشد» وصلتا إلى القائمة الطويلة بجائزة البوكر للرواية العربية، أحيانا لا يرغب فى سماع آراء النقاد، إنه المستشار أشرف العشماوى، القاضى الذى اقتحم عالم الرواية.


عن روايته الجديدة «البارمان» الصادرة عن «الدار المصرية اللبنانية» الحاصلة على جائزة أفضل رواية لعام 2014 فى معرض الكتاب، وغيرها من الموضوعات الثقافية دار هذا الحوار.


■ حدثنا عن فكرة الرواية وسبب اخيارك لشخصية «البارمان»؟


- الرواية لم يكن عنوانها «البارمان» كان عنوانها «الساقى»، لكننا وجدنا أن «الساقى» عنوانا متداولاً، وشخصية البارمان او الساقى شخصية ذات تركيبة معقدة ولها عالمها الثرى وبها غموض ومتناقضات يتعامل معها بشكل عادى، ولم يتطرق إلى عالم البارمان فى الأعمال الأديبة كثيراً باسثناء الأديب نجيب محفوظ، تناوله فى عمله «خمارة القط الأسود» وركز فيها على شخصية «الشارب» واعترافاته بشكل حوار فلسفى بين البارمان وبين احد رواد الحانة، ولم يكن فيه تناول للشخصية البارمان كبطل محورى، أما فى السينما المصرية فالبارمان دائما «خواجة» يونانى يتحدث عربى مكسر، أو نوبى أسمر البشرة لا يتحدث كثيرا.


شخصية البارمان لها بعد إنسانى وطرحت بالرواية علاقة الساقى بالسكارى والمخمورين، وتناولت الشارب من زوايتين، الأولى تأثير الخمور على الإنسان، والجانب الثانى النشوة الزائفة والوعود التى لا تتحقق، والإحساس اللحظى غير الدائم بالبهجة، وحين يفيق من تأثير الخمر يدرك أن المشكلة الأصلية التى كان يرغب فى نسيانها مازالت موجودة، بالإضافة إلى مشكلة ثانية بسبب الخمور، الساقى والشارب شخصيات متكررة فى كل شىء لأن الخداع والوهم بالوعود موجود فى كل المهن وليس فقط فى مهنة «البارمان»، الرواية بها 17 شخصية كلهم يتحركون فى لقاءات قد تتعارض وقد تتفق.


■ هل تعاملت فى الحقيقة مع «بارمان»؟


- بحكم عملى كقاضى يصعب التواجد فى هذه الأماكن، فمهنتى تحد من حركتى، بعكس كتاب وروائيين لديهم الفرصة يجلسون على المقاهى وفى الأماكن العامة مثلما فعل الاديب نجيب محفوظ فارتباطه بالبشر جعله يكتب أدق التفاصيل عن الحارة المصرية، جلست مع ثلاثة رجال يعملون بارمان لأتعرف على الصفات الشخصية وسجلت كل حوارتى معهم، الخمر تفك اللسان وتجعل لدى الشارب رغبة بالكلام، البارمان لا يشرب أثناء عمله، هو فقط ساق معتاد ان يتكلم مع الزبون ويجعله يفضفض ويقنعه البارمان أنه صديقه وأمين عليه وعلى أسراره، ولكن هذا غير صحيح لأن البارمان يحتفظ بالاسرار ليحقق من ورائها مصلحة مادية ومعنوية وحب السيطرة وإحساس البارمان انه الراجل الذى يحرك الزبائن مثل «عرائس الماريونيت» والوحيد العاقل الواعى فى مجتمع سكارى، اكتشف أنهم يحتقرون زبائنه من رواد الحانات ويستغربون من تواجدهم، هم شخصيات كبيرة وأغنياء فلماذا يسكرون؟! بل يعتبرونهم جزءًا من فساد الحياة، عالم غريب سمعت منهم قصصًا عن الرواد والمكان وعن طبيعية المهنة، وعن تأثير أوضاع الحياة هو سبب تواجدهم فى هذه المهنة.


■ تدور أحداث الرواية أثناء فترة الانتخابات الرئاسية عام 2005 .. أثرت هذه الفترة فى الإعداد للثورة المصرية؟


- أكبر خدعة وكذبة أطلقها حسنى مبارك فى الانتخابات الرئاسية عام 2005 أنه سوف يكون لدينا أول رئيس مصرى بالانتخاب، مهزلة وسبب سقوط النظام، فى هذه الفترة تقدم تسعة مرشحين من بينهم اثنان قبل نهاية الترشيحات اعطيا صوتيهما لمبارك، لأن من البداية كل المرشحين المختارين من قبل النظام مجرد أسماء الوهمية، ولذا ففى فترة مبارك أجدنا صناعة الفرعون ونسقى بعضنا البعض شراباً، وهذا الشراب ما قصدته بخليط الوعود الوهمية، ولأننا بسبب سياسة القطيع وتعنى اننا نسير مجموعات وراء رأى الاغلبية، لو أول شخص واقف فى الصف أدرك نهايته كان انصرف مسرعا، واقصد بالقطيع غياب الوعى وغياب الثقافة وسوء التعليم وبحسب مبدا من الموروث الشعبى «معقول كل دول غلط وأنا لوحدى صح»، وهذه ثقافة القطيع الذى لا يفكر، وقد صار على نفس السياسة والفكر محمد مرسى ونفس الحشد المضلل ونفس مبارك والوعود الزائفة الوهمية التى يستخدم لها الكلام المعسول، فى الرواية تناولت كل من يصنع وهما بدءاً من انتخابات الرئاسية وصولاً بأصغر العلاقات بين الافراد، وعلمت أن العمل سوف يحول إلى فيلم سينمائى وسوف يقدم قريباً.


■ فى رواياتك نجدك تطبق القانون على شخصيات الرواية فمن يخطئ تذهب به إلى ساحة القضاء، ومن تجد له عذراً تصبح محامياً عنه، فهل هذا تأثير مهنتك كقاض على أعمالك الروائية؟


- هو تطبيق الثواب والعقاب وهذا متبع فى حياتنا الاجتماعية والإنسانية بشكل طبيعى، انا حضرت ثلاث مرات تنفيذ أحكام إعدام، وكنت أنا من يعطى الإشارة لبدء التنفيذ، رغم أن هذا تنفيذ القانون والقصاص لكننى لم أنم الليل وقتها وسهرت أفكر فى الحياة وفى أخطاء الآخرين، لا أفصل شخصياتى فى الرواية عن كونها تنتظر عقاباً أو ثوابا، الربط بين مهنتى كقاض وبين اعمالى الروائية غالباً ما يرد فى ذهن القارئ، بعض من جمهورى يطلبون منى كتابة روايات جريمة اعتقادا منهم أننى أعرف العديد من القصص، ويسألوننى هل تستعين بملفات القضايا فى رواياتك، والحقيقة أننى إلى الآن لم أستعن بها، ربما يحدث هذا فيما بعد، لكن وقتها لن أكتبها كما هى سوف أضيف وأغير بما يتفق مع العمل الروائى السردى.


■ ماذا تفعل لو أسندت لك قضية تخص مبدعا؟


عملت فى قضايا الإبداع حين كنت أعمل وكيلا للنيابة، وأسند لى التحقيق مع كتاب ومثقفين كتبوا فى أمور محظور فيها النشر، وكان عدد القضايا 42 قضية حكمت بحفظها جميعا باستثناء قضية واحدة قمت بإحالتها للمحكمة، وكان المتهم فيها يواجه تهمة «ازدراء الأديان وسب فى الاديان السماوية» وكان يعمل تاجرًا لمواد الطلاء ويحمل عضوية اتحاد كتاب مصر، والمصنفات صادرت كتابه وحكم عليه بثلاث سنوات حبساً، لكن لو عاد بى الزمن ما حكمت عليه رغم رداءة الكتاب وبشاعته، سأقف فى صفوف المبدعين والكتاب، فأنا مؤيد لحرية التعبير وحرية الفكر والكاتب رقيب نفسه ويجب ألا يوضع له رقيب، ولى العديد من التحفظات على مواد الحريات بالدستور2014، لذلك رفضت تدخل رئيس الوزراء فى منع فيلم «حلاوة روح» وأراه قرارًا سياسيًا ولا أصل له فى القانون، يجب ان يأتى الرفض أو القبول من الرقابة وهى الجهة المنوط بها المراقبة، وليس للحكومات، الامر الذى يحتاج الى تدخل الدولة بقوة ولو لمرة واحدة هو مواجهة تزوير الأعمال الاديبة وبيعها علناً بدون أى رقابة اين حق المؤلف والناشر.


■ ما رأيك فى الحركة النقدية الآن؟


- لا يستغنى روائى عن رأى النقاد، ورأى الكتاب والروائيين، نستفيد ونضيف لبعضنا البعض من خلال كتاباتنا، كتب عنى من قبل الروائى إبراهيم عبدالمجيد وسعدت جدا بآرائه وأبلغنى الكتاب يوسف القعيد وجمال الغيطانى وبهاء طاهر عن رأيهم فى أعمالى وزادوا من تشجيعى، وكتب عنى أيضا دكتور صلاح فضل وآخرون.


حدثت مواقف جعلتنى أفضل التعامل مع القارئ مباشراً، كتب ناقد كبير له اسم معروف عن روايتى الجديدة «البارمان» شكر فيها وكتب كلامًا اكثر من رائع، وعندما كتب الكاتب علاء الأسوانى مقالا عن روايتى يشكر فيها، عاد الناقد المعروف وكتب مقالا ضد روايتى تماما، على ما يبدو أنه كان هناك خلاف بينهما ودفعت أنا ثمن اختلافهما، هذا الموقف جعلنى لا أثق فى مصداقية النقاد خصوصا أنه كان ناقدا معروفا ومشهورا، لكن هذا لا يزعجنى ولا حتى يزعج قارئى.


■ ما رأيك فى مناقشة أحكام القضاء فى الإعلام وتنحى القضاة عن بعض القضايا؟


- فخور بعملى فى القضاء المصرى، وأرفض التشكيك فى أحكامه، وأرفض مناقشة أحكام القضاء فى الاعلام لغير المتخصصين، المقارنات بين قضية وقضية أخرى مقصود بها التشكيك، لا تتشابه قضية مع أخرى، اعتذار القاضى عن استكمال قضية يكون له أسباب كثيرة، قد اعتذرت عن استكمال قضية التمويل الأجنبى، وأعلنت هذا فى مؤتمر أن خروج المهتمين تم بطريقة مهينة للقضاء، واعتذرت عن الإشراف القضائى على دستور عام 2013، أثناء حكم الإخوان، واعتذرت عن منصب محافظ القليوبية أثناء الفترة الانتقالية للمجلس العسكرى.


■ قال ثروت الخرباوى فى كتابه «سر المعبد» أن هناك قرابة بينك وبين الإخوانى سعد زغلول العشماوى هل هذا صحيح؟


- الخرباوى كان يكتب عن كيفية سعى الاخوان إلى اختراق مؤسسة القضاء والسيطرة عليها من سنوات، وذكر فى كتابه عن صلة قرابة بينى وبين «سعد زغلول العشماوى»، واتصلت هاتفيا بثروت الخرباوى لتوضيح الأمر، أنا تربطنى قرابة من الدرجة الرابعة بسعد زغلول، ولم أره إلا مرة واحدة، كنت وكيل نيابة وكان سعد زغلول متهماً فى قضية أمن دولة 1995، مع مجموعة من الاخوان المسلمين، شقيق سعد زغلول العشماوى كان يعمل مستشارا، اتصل بى حتى أعامله برفق لأنه مريض، قدمت له المساعدة مثلما أفعل مع كل المتهمين، هذا الجانب الإنسانى أقدمه للكل (المجرم والحرامى والقاتل السفاح)، ربما فهم الإخوان الأمر خطأ وقالوا ربما يكون أشرف العشماوى «قد أسلم» من مبادئ الاخوان من يفعل هذا يطلقون عليه أنه أسلم، وتفهم ثروت الخرباوى الحقيقة ولكن كتابه كان قد وصل للطبعة السادسة، وكتب مقالا فى الدستور تحت عنوان «أشرف العشماوى وأشياء أخرى» وشرح التفاصيل كما أبلغته، ويكفى أن أذكر أننى فى عام 2005 كنت القاضى الذى حكم على محمد مرسى وخيرت الشاطر بالسجن باعتبارهما من جماعة محظورة.


■ ما رأيك فى السباق الرئاسى؟ وستعطى صوتك لمن؟


- أنا ضد المقاطعة، لأن المقاطعة سلبية وخيانة، وضد التوقع بالنتيجة كلاهما فكر خاطئ، مشكلتنا فى التعصب الأعمى، مؤيدون السيسى لا يرغبون فى سماع اى نقد أو اعتراض على المشير، ومن يتعصبون لحمدين صباحى يعتبرون الهجوم عليه هجوماً على ثورة يناير، نفتقد ثقافة الاختلاف، انا سأكون فى غرفة العمليات بلجنة الشكاوى بالانتخابات الرئاسية بوزارة العدل، وحتى اكون محايداً وبحكم عملى القضائى صعب التصريح ولكن من حقى التصويت وسأذهب للتصويت مصر محتاجة للجميع.