الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ولنا فى السودان عبرة وعظة




بقلم: أسماء عبدالفتاح

كتبت مؤخراً تقريرًا عن الأحداث الأخيرة فى اليمن وتقسيم اليمن نشرت فى إحدى الصحف المصرية ولم تكن مقالة حتى أهاجم أو أؤيد ولكن كتبت رؤية تاريخية وتحليلاً أستراتيجيًا بعيداً كل البعد عن رأيى الشخصى وبرغم ذلك فوجئت برسالة طويلة عريضة من دبلوماسى يمنى يهاجمنى بأشد الكلمات ويقول لى ماذا تعرفى عن اليمن حتى تعارضى انفصال الجنوب؟ ماذا تعرفى عن معاناة الجنوبيين؟
قلت له لن أقول لك أن التاريخ يؤكد أن تفكيك الدول وانفصالها مخطط استعمارى، هدفه إضعاف دولنا وضياعها لن أقول لك إن الأندلس كنزنا المفقود لم يهزم إلا بعد أن أصبح طوائف وأصبح هناك ملوك للطوائف كل برائيه ومشورته وسياسته بعيداً عن المصلحة العامة، ما سأقوله إن الجسد الواحد إذا مرض منه عضو تداعت له سائر الأعضاء وأن الوطن الواحد الذى ترتبط مصالحه بعضها البعض لا يمكن ان ينفصل، وإذا كنا نسخر من التاريخ ودروسه فالواقع يؤكد ذلك.
فلننظر الى السودان وجنوب السودان الوطن الواحد المنفصل المتخاصم، الذى تصالح مؤخراً ولكن لماذا التصالح ولماذا الأقاويل التى انتشرت بعد أن صرح بها رئيس السودان عمر البشير بأن هناك قيادات جنوبية طالبته بالوحدة مرة أخرى فإذا حاولنا أن نفسر المصالحة الأخيرة بين السودان سنجد أن هذا التقارب فى هذا التوقيت يحمل الكثير للبلدين، فالسودان يستشرف مرحلة جديدة ومهمة فى إدارة حكم البلاد بعد أن أعلن رئيس الجمهورية عمر البشير وثيقته الإصلاحية والتى أطلق عبرها موجهات لمعالجة الأزمات بالسودان التى تسهم جميعها فى تحقيق الاستقرار، وتسهم فيه القوى السياسية من خلال حوار وطنى شامل، أما حكومة الجنوب تواجه أيضاً متغيرات تحتاج إلى كثير من التضامن للخروج من نفق الأزمات التى تلاحقها.
كما يتجه البشير الآن للقرارات التى ستهيئ أجواء مواتية للحوار للتصدى لأحزاب المعارضة بسياسة اللين والاصلاح، وأهم هذه القرارات كان إطلاق الحريات الصحفية وحرية العمل السياسي.
أما جنوب السودان أيضاً فمتوقع أن يشهد بعض التغيرات فى خارطة سياسته الداخلية والخارجية، فحكومة سلفاكير تواجه اضطراباً داخلياً بسبب الأحداث التى جرت مؤخراً بسبب تمرد نائبه السابق عليه (رياك مشار) وما زالت تداعياتها وتأثيراتها جارية على الأرض، لذا فإن البلدين يحتاجان الى ترتيب أوضاعهما لتجاوز أزماتهما.
ويعتبر الدافع لهذا اللقاء وتلك الاتفاقية ليس فتح صفحة جديدة بين البلدين بنية صافية ولكن هى خطوة فرضها الواقع والمصالح حيث تمت بدعوة قدمها البشير لسلفاكير خلال زيارته لجوبا فى يناير الماضى والتى تعتبر الزيارة الثنائية الأولى بين البلدين بعد اندلاع أحداث ديسمبر الماضى بجنوب السودان، لتأتى الزيارة فى اطار التواصل بين قيادتى البلدين وحكومتى البلدين لتطوير العلاقات بينهما.
ولكن الدوافع الحقيقية خلف تلك الزيارة تتلخص فى تغيير المفاهيم التى كانت تحكم علاقات البلدين حيث إن البلدين اتضح لهما أن بترول الجنوب لا يعنى شيئا إن لم يتم استغلاله وتصديره. والبنية التحتية من مصافى وخطوط انابيب الشمال اضافة الى منتجات السودان لا تعنى شيئاً إذا لم تصدر أو تستهلك، مضيفا ان هناك تكاملا طبيعيا للبلدين.
كما ظن البشير وبعض السودانيين فى البداية أن السودان بإمكانه أن يعيش منفرداً بعد انفصال الجنوب، وتوقع آخرون ازدهار الجنوب أكثر بعد الانفصال. أى أن تلك الخطوة فرضها الواقع وليس إنجازاً مكتشفاً أو خارق للعادة. كما أن المصلحة فى التعاون الكامل دون انتقائية، أتت بعد معاناة وأحداث عسرة بين البلدين.
ويعتبر اتفاق البشير وسلفاكير فتح صفحة جديدة فى علاقات البلدين، ويشكل أرضية تمهد لعلاقة حتمية، كان لابد منها للتكامل بين البلدين.
كما أن هذا التعاون يعتبر حتميًا، لوجود لجان أمنية واستخباراتية مشتركة متفق عليها بين البلدين، مهمتها التحقق فى ادعاء دعم أى طرف للتمرد.
ويعتبر البشير قد مهد لهذا الاتفاق بشكل ناجح عندما تدخل فى مشكلة جنوب السودان الأخيرة بعد محاولة الانقلاب الفاشل من نائب سلفاكير المعزول رياك مشار وكان تقديمه للدعم الانسانى واستقبال اللاجئين الجنوب سودانيين فى يناير الماضي، هدفه الأول استقطاب سلفاكير ومؤيديه لحمل الجميل للبشير وللسودان، وكذلك توطيد أواصر البلدين لأن البشير كان ومازال يمر بتلك المرحلة المشابهة التى مر بها سلفاكير ومعرض لانقلاب فى أى لحظة فمن مصلحته مساندة سلفاكير المنتصر على نائبه حتى اذا مر البشير بوضع مشابهة يجد قوة داعمة له ومسانده تأتيه بسرعة ولن ينقذه سوى جارته القريبة.
كما أن البشير هدف من ذلك التقارب أيضاً طرحه على جوبا مجددا تحفظاته على وجود بعض الفصائل المسلحة فى أراضيه أى هى خطوة أيضاً للبشير للتخلص من المعارضة بشكل آخر.
علينا ان نقرأ جيداً ما يحدث بالخارج حتى نستطيع أن نقيم جيداً ما يحدث بالداخل. وليتنا نفهم وندرك قبل فوات الأوان، فما كنا نراه بالأمس القريب بعيداً كل البعد عنا ونبكى على دول شقيقة تعانى من الارهاب والفوضى أصبحنا نحيا فيه ونعانى من نتائجه فلننتبه لأن الغفلة قد تكلف ضياع أوطان وفى عمر التاريخ غلطة لا تغتفر.