الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إبداع




شعراؤنا شموس فى سماء الإبداع ينيرون لنا ببصيرتهم وبصرهم طريقنا ويخبروننا ما لم نخبره فيما فاتنا من أمورنا الحياتية فهم بمثابة توثيق وشهادة على عصرهم ونحن نخصص هذه المساحة من الإبداع بمناسبة ذكرى وفاة الشاعر المصرى أمل دنقل الذى رحل عن عالمنا 21 مايو 1983 بعدما أثرى الأدب العربي، فى حياته القصيرة، بأهم إبداعات شعر قصيدة التفعيلة.
يصاحب القصائد لوحات للفنان العالمى سلفادور دالى (11 مايو 1904 - 23 يناير1989) وهو رسام إسبانى يعتبر من أهم فنانى القرن العشرين، وهو أحد أعلام المدرسة السريالية، يتميز بأعماله الفنية التى تصدم المُشاهد بموضوعها وتشكيلاتها وغرابتها، وكذلك بشخصيته وتعليقاته وكتاباته غير المألوفة والتى تصل حد اللامعقول حيث يختلط الجنون بالعبقرية.

عشاء

قصدتهم فىموعد العشاء
تطالعوا لىبرهة، ولم يرد واحد منهم تحية المساء!
وعادت الأيدىتراوح الملاعق الصغيرة
فىطبق الحساء
نظرت فىالوعـــاء:
هتفت: (( ويحكم ....دمى
هذا دمى.....فانتبهوا ))
لم يــأبهوا!
وظلّت الأيدىتراوح الملاعق الصغيرة
وظلت الشفاة تلعق الدماء!

الملهى الصغير


لم يعد يذكرنا حتّى المكان !
كيف هنّا عنده ؟
و الأمس هان؟
قد دخلنا ..
لم تنشر مائدة نحونا !
لم يستضفنا المقعدان !!
الجليسان غريبان
فما بيننا إلاّ . ظلال الشمعدان !
أنظرى؛ قهوتنا باردة
ويدانا - حولها - ترتعشان
وجهك الغارق فىأصباغه
رسما
(ما ابتسما !)
فىلوحة خانت الرسّام فيها ..
لمستان!
تسدل الأستار فىالمسرح
فلنضيء الأنوار
إنّ الوقت حان
أمن الحكمة أن نبقى ؟
سدة!!
قد خسرنا فرسينا فىالرهان !
قد خسرنا فرسينا فىالرهان
مالنا شوط مع الأحلام
ثان !!
نحن كنّا ها هنا يوما
و كان وهج النور علينا مهرجان
يوم أن كنّا صغارا
نمتطىصهوة الموج
إلى شطّ الأمان
كنت طفلا لا يعىمعنى الهوى
و أحاسيسك مرخاه العنان
قطّة مغمضة العينين
فىدمك البكر لهيب الفوران
عامنا السادس عشر:
رغبة فىالشرايين
و أعواد لدان
ها هنا كلّ صباح نلتقي
بيننا مائدة
تندى.. حنان
قدمان تحتها تعتنقان
و يدانا فوقها تشتبكان
إن تكلّمت:
ترنّمت بما همسته الشفتان الحلوتان
و إذا ما قلت:
أصغت طلعة حلوة
وابتسمت غمّازتان !
أكتب الشعر لنجواك
(و إن كان شعرا ببغائيّ البيان)
كان جمهورىعيناك ! إذا قلته : صفّقتا تبتسمان
و لكن ينصحنا الأهل
فلا نصحهم عزّ
و لا الموعد هان
لم نكن نخشى إذا ما نلتقي
غير ألاّ نلتقىفىكلّ آن
ليس ينهانى تأنيب أبي
ليس تنهاك عصا من خيزران !!
الجنون البكر ولّى
و انتهت سنة من عمرنا
أو .. سنتان
و كما يهدأ عنف النهر
إنّ قارب البحر
وقارا .. واتّزان
هدأ العاصف فىأعماقنا
حين أفرغنا من الخمر الدنان
قد بلغنا قمّة القمّة
هل بعدها إلاّ ... هبوط العنفوان
افترقنا .. (دون أن نغضب)
لا يغضب الحكمة صوت الهذيان
ما الذىجاء بنا الآن؟
سوى لحظة الجبن من العمر الجبان
لحظة الطفل الذىفىدمنا
لم يزل يحبو ..
ويبكو .. فيعان !
لحظة فيها تناهيد الصبا
والصبا عهد إذا عاهد: خان
أمن الحكمة أن نبقى ؟
سدى
قد خسرنا فرسينا فىالرهان
***
قبلنا يا أخت فىهذا المكان
كم تناجى ، و تناغى عاشقان
ذهبا
ثمّ ذهبا
و غدا .. يتساقى الحبّ فيه آخران !
فلندعه لهما
ساقيه .. دار فيها الماء
مادار الزمان !!

قالت


قالت : تعال إليّ
واصعد ذلك الدرج الصغير
قلت: القيود تشدّنى
و الخطو مضنى لا يسير
مهما بلغت فلست أبلغ ما بلغت
وقد أخور
درج صغير
غير أنّ طريقه .. بلا مصير
فدعى مكانى للأسى
وامضى إلى غدك الأمير
فالعمر أقصر من طموحى
و الأسى قتل الغدا
قالت : سأنزل
قلت : يا معبودتى لا تنزلى لى
قالت : سأنزل
قلت : خطوك منته فى المستحيل
ما نحن ملتقيان
رغم توحّد الأمل النبيل
نزلت تدقّ على السكون
رنين ناقوس ثقيل
وعيوننا متشابكات فى أسى الماضى الطويل
تخطو إليّ
وخطوها ما ضلّ يوما عن سبيل
وبكى العناق
و لم أجد إلاّ الصدى
إلاّ الصدى

أيدوم النهر

أيدوم لنا بستان الزهر
والبيت الهادئ عند النهر
أن يسقط خاتما فىالماء
ويضيع يضيع مع التيار
وتفرقنا الأيدىالسوداء
ونسير على طرقات النار
لا نجرؤ تحت سياط القهر
أن نلقى النظرة خلف الزهر
ويغيب النهر.
أيدوم لنا البيت المرح
نتخام فيه ونصطلح
دقات الساعة والمجهول
تتباعد عنى حين أراك
وأقول لزهر الصيف..أقول
لو ينمو الورد بلا أشواك
ويظل البدر طوال الدهر
لا يكبر عن منتصف الشهر
آه يا زهر
لو دمت لنا

خمس أغنيات إلى حبيبتى

 

على جناح طائر
مسافر..
مسافر..
تأتيك خمس أغنيات حب
تأتيك كالمشاعر الضريرة
من غربة المصب
إليك: يا حبيبتى الاميرة
الأغنية الأولى
مازلت أنت.....أنت
تأتلقين يا وسام الليل فى ابتهال صمت
لكن أنا
أنا هنـــــــا:
بلا (( أنا ))
سألت أمس طفلة عن اسم شارع
فأجفلت..........ولم ترد
بلا هدى أسير فى شوارع تمتد
وينتهى الطريق إذا بآخـر يطل
تقاطعُ
تقاطع
مدينتى طريقها بلا مصير
فأين أنت يا حبيبتي
لكى نسير
معا......
فلا نعود
لانصل.
الأغنية الثانية
تشاجرت امرأتان عند باب بيتنا
قولهما على الجدران صفرة انفعال
لكن لفظا واحدا حيرنى مدلوله
قالته إحداهن للأخرى
قالته فارتعشت كابتسامة الأسرى
ترى حبيبتى تخونني
أنا الذى ارش الدموع ..نجم شوقنا
ولتغفرى حبيبتي
فأنت تعرفين أن زمرة النساء حولنا
قد انهدلت فى مزلق اللهيب المزمنة
وانت يا حبيبتى بشر
فى قرننا العشرين تعشقين أمسياته الملونة
قد دار حبيبتى بخاطرى هذا الكدر
لكنى بلا بصر:
أبصرت فى حقيبتى تذكارك العريق
يضمنا هناك فى بحيرة القمر
عيناك فيهما يصل ألف رب
وجبهة ماسية تفنى فى بشرتها سماحة المحب
أحسست أنى فوق فوق أن اشك
وأنت فوق كل شك
وإنى أثمت حينما قرأت اسم ذلك الطريق
لذا كتبت لك
لتغفري
الأغنية الثالثة
ماذا لديك يا هوى
اكثر مما سقيتني
اقمت بها بلا ارتحال
حبيبتي: قد جاءنى هذا الهوى
بكلمة من فمك لذا تركته يقيم
وظل ياحبيبتى يشب
حتى يفع
حتى غدا فى عنفوان رب
ولم يعد فى غرفتى مكان
ما عادت الجدران تتسع
حطمت يا حبيبتى الجدران
حملته  يحملنى
الى مدائن هناك خلف الزمن
اسكرته  اسكرني
من خمرة أكوابها قليلة التوازن
لم افلت
من قبضة تطير بى الى مدى الحقيقة
بأننى أصبت....اشتاق يا حبيبتي


ضد من


فى غُرَفِ العمليات
كان نِقابُ الأطباءِ أبيضَ
لونُ المعاطفِ أبيض
تاجُ الحكيماتِ أبيضَ، أرديةُ الراهبات
الملاءاتُ
 لونُ الأسرّةِ، أربطةُ الشاشِ والقُطْن
قرصُ المنوِّمِ، أُنبوبةُ المَصْلِ
كوبُ اللَّبن
كلُّ هذا يُشيعُ بِقَلْبى الوَهَنْ
كلُّ هذا البياضِ يذكِّرنى بالكَفَنْ!
فلماذا إذا متُّ
يأتى المعزونَ مُتَّشِحينَ
بشاراتِ لونِ الحِدادْ؟
هل لأنَّ السوادْ
هو لونُ النجاة من الموتِ
لونُ التميمةِ ضدّ.. الزمنْ
ضِدُّ منْ..؟
ومتى القلبُ - فى الخَفَقَانِ - اطْمأَنْ؟!
 بين لونين: أستقبِلُ الأَصدِقاء
الذينَ يرون سريريَ قبرا
وحياتيَ.. دهرا
وأرى فى العيونِ العَميقةِ
لونَ الحقيقةِ
لونَ تُرابِ الوطنْ!

صفحات من كتاب الصيف والشتاء

حمامة
حين سَرَتْ فى الشارعِ الضَّوضاءْ
واندفَعَتْ سيارةٌ مَجنونةُ السَّائقْ
تطلقُ صوتَ بُوقِها الزاعقْ
فى كبدِ الأَشياءْ:
تَفَزَّعَتْ حمامةٌ بيضاءْ
(كانت على تمثالِ نهضةِ مصرْ
تَحْلُمُ فى استِرخاءْ)
طارتْ, وحطَّتْ فوقَ قُبَّةِ الجامعةِ النُّحاسْ
لاهثةً, تلتقط الأَنفاسْ
وفجأةً: دندنتِ الساعة
ودقتِ الأجراسْ
فحلَّقتْ فى الأُفْقِ.. مُرتاعهْ!
أيتُها الحمامةُ التى استقرَّتْ
فوقَ رأسِ الجسرْ
(وعندما أدارَ شُرطيُّ المرورِ يَدَهُ
 ظنتُه ناطوراً.. يصدُّ الطَّيرْ
فامتَلأتْ رعباً!)
أيتها الحمامةُ التَّعبى:
دُورى على قِبابِ هذه المدينةِ الحزينةْ
وأنشِدى للموتِ فيها.. والأسى.. والذُّعرْ
 حتى نرى عندَ قُدومِ الفجرْ
جناحَكِ المُلقى
على قاعدةِ التّمثالِ فى المدينة
وتعرفين راحةَ السَّكينة!